\"الانتقاد\" في منزلي الشهيدين دقماق ونعيم:نجما كرة القدم اللذان غادرا قبل إتمام البطولة

طفلتي الشهيد المظلوم حسين دقماق بين أمهم وعمهم والجدة الثكلى في الوسط
طفلتي الشهيد المظلوم حسين دقماق بين أمهم وعمهم والجدة الثكلى في الوسط


لا أحد يريد بعد اليوم أن يقرأ نبأ رحيل أحبته في خبر عاجل

بعد عشرة أيام على انفجار المنارة الذي أودى بحياة النائب وليد عيدو وحياة نجله وعدد آخر من الشهداء، مشهد واحد يختصر المسافة بين منطقتي الكفاءات وتحويطة الغدير حيث منزلا لاعبي نادي النجمة الرياضي الشهيدين حسين دقماق (25 عاماً) وحسين نعيم (19 عاماً)، هو مشهد الألم والفراق والحسرة على اللاعبين الشابين، والغضب والحنق على دولة وسلطة عاجزة عن حماية مواطنيها، وعلى دولة الأمن فيها "لناس وناس" كما عبرت والدة أحد الشهيدين.

غادر حسين دقماق وحسين نعيم بعد ظهر الأربعاء 13 حزيران 2007 منزلي ذويهما إلى ملعب نادي النجمة الكائن في منطقة المنارة للقيام بالتمرينات المعتادة، التي ما إن انتهت حتى سارع الاثنان إلى سيارة دقماق مستعجلين الرحيل عن الدنيا بأسرها، فلم يمر على صعودهما إلى السيارة لحظات حتى دوى الانفجار المشؤوم الذي أودى بحياتهما..

في هذه الأثناء وبينما كانت وسائل الإعلام تتناقل الحدث بالصوت والصورة وتكشف أن من بين الضحايا لاعبين في نادي النجمة، كانت الفاجعة تحل على عائلتي دقماق ونعيم، فالأول هو "أول شمعة" أضاءت منزل علي دقماق كما تعبر الوالدة الثكلى، والثاني هو "صغير البيت" لعائلة حسن نعيم، والاثنان جمعهما عشقهما للكرة الذي تحول إلى مصدر للقمة العيش والرزق.

الشهيد حسين دقماق

"أنا والده وشقيقه وصديقه" هكذا أجاب علي دقماق حين سألناه عن صلة القربى بينه وبين الشهيد ليتابع باكياً: "أنا الأب الحنون المفجوع الذي لم أفارقه يوماً حتى بعد زواجه، فهو عمري وحشيشة قلبي".

منذ صغر علي دقماق كان "نجماوياً"، فنقل حبه لنادي النجمة إلى ابنه البكر حسين الذي التحق بالنادي في عمر (14 عاماً)، ليتدرج في صفوف الفئات العمرية وصولاً إلى فريق الدرجة الأولى الذي أحرز معه بطولة الدوري في الأعوام 2002 و2004 و2005.

حين يتذكر الوالد ابنه الشهيد تضيع منه الكلمات لهول الفاجعة.. يصف الانفجار بالـ"الغادر المتوحش المفترس"، مردداً عبارة "حرام" أكثر من مرة.. إلا أنه لا يلبث أن يؤكد "أنه إذا كان الهدوء والأمان سيعود إلى البلد بعد هذا الانفجار فإني أقدم ابني فداءً للوطن ولبنان". وتمنى على السياسيين "التحلي بالروح الرياضية"، متسائلاً: "ماذا نريد؟ هل نريد أن نضحي بشباب لبنان؟".

حسن، الشقيق الأصغر لحسين، دعا السياسيين إلى التحاور وقطع الطريق أمام محاولات زرع الفتنة، محملاً العدو الإسرائيلي مسؤولية خراب لبنان، "لأننا حققنا عليه انتصاراً في تموز الماضي".

أما أم حسين دقماق فتخنقها الغصة والعبرة لدى الحديث عن ولدها الذي غادر منزلها عند الساعة الثالثة، واعداً إياها بالعودة لتناول "الأكلة" التي حضرتها خصيصاً له، والتي لا تزال تحتفظ بها في "البراد".. "لقد حرقوا لي قلبي وحرموني من ابني، وأنا أحمل المسؤولية للدولة، فلو كان هناك دولة حقيقية لكانت حمت شبابها ومواطنيها".

كان لدى أم حسين شابان وبنت.. اليوم أصبح لديها شاب وثلاث بنات، فحسين دقماق ترك ابنتين هما: نانسي (سنتان) وسيلين (6 أشهر)، وياسمين زوجته وابنة عمه التي اقترنت به منذ 4 سنوات، وهي ترى فيه الى جانب الزوج "الشقيق" الذي حُرمت منه دوماً. تتساءل ياسمين عما ستقوله لطفلتيها وهما اللتان اعتادتا اهتمام والدهما في كل شؤونهما، كما مرافقته إلى النادي ومشاطرته اللعب.

وفي عائلة دقماق المفجوعة عمة لطالما كان "أولاد أخيها بمثابة أولادها التي لم ترزق بهم"..

و"حسونة" كما يحلو لها مناداته "هو نجم عالي وحشيشة فؤادها الذي رحل نتيجة هذه السياسة العاطلة".

الشهيد حسين نعيم

حسين نعيم ابن التسعة عشر عاماً التحق بنادي النجمة منذ ست سنوات، وتدرج في فرق الفئات العمرية وصولاً إلى فريق الدرجة الأولى هذا الموسم.. هو الابن الأصغر لعائلته، الحريص على إتمام واجباته الدينية على أكمل وجه، وصاحب الحلم الكبير في أن يصبح يوماً ما اسماً لامعاً في عالم الكرة.. كانت وفاته في انفجار المنارة بمثابة تحقيق جزئي للحلم، حيث لمع اسم "حسين نعيم" شهيداً مظلوماً بين شهداء هذا الوطن.

الوالدة التي راعها هول المصيبة تسأل كثيراً: "ما ذنب حسين؟ هل ذنبه أنه كان يلعب فوتبول؟ لماذا الظلم؟ الظلم حرام.. ما هو السبب الذي يموت لأجله هؤلاء الشباب؟ هل السبب أن أهلهم لا يملكون القدرة على إرسالهم الى الخارج ليحموهم؟".. أسئلة كثيرة تطرحها الوالدة لتأتي الإجابة على لسانها: "ما في دولة، ما في أمن، لأنه لو كان هناك أمن ما كان صار هيك.. الأمن لناس وناس".

ربما لم يظن والد الشهيد حسين نعيم أن قلبه الذي أجريت له عملية مؤخراً سيعود لينزف أسى ولوعة على ولده الذي بحسب ما يرى "ذهب بذنب الكبار".. مضيفاً: "إذا أرادوا أن يحكموا فليحافظوا علينا ويحمونا حتى يبقى أحد ما ليحكموه".

وإذا لم تُعِن والد الشهيد نعيم الكلمات لإيصال موقفه وفكرته، فإن عم الشهيد كان أكثر وضوحاً عندما وجه نصيحة إلى رئيس الحكومة غير الدستورية فؤاد السنيورة قائلاً فيها: "اتفق مع شعبك ومع ممثلي شعبك وليس مع دولة غربية ومع جورج بوش، فهذا لا ينقذ شبابنا، نحن نتكلم في السياسة نتيجة جرحنا ووجعنا، ولولا هذا التوجه لديك لما مررنا في هذه الظروف الصعبة، فهذا الطريق الذي تسلكه سوف يسبب الكثير والكثير من المشاكل والتعقيدات للبلد، وسوف تضيّع الشباب".

في وقت تنصرف عائلتا اللاعبين الشهيدين حسين دقماق وحسين نعيم للملمة الجراح وتخطي الفاجعة، فإن الهاجس يكبر لدى كل المواطنين اللبنانيين في ظل الانكشاف الأمني الحاصل، حيث يبدو عجز السلطة وغيابها السمة الرئيسية في هذا الملف كما في كل الملفات الأخرى. وإذا كان الصبر على هذا الإهمال ممكناً في باقي الملفات، فإن الملف الأمني يبقى الأكثر إلحاحاً، حيث لا أحد يريد بعد اليوم أن يقرأ نبأ رحيل أحبته في خبر عاجل تبثه محطات التلفزة ووكالات الأنباء.

..وفي احضان الجدة الحنون
..وفي احضان الجدة الحنون


الأم المفجوعة وصورة ولده الشهيد المظلوم حسين نعيم
الأم المفجوعة وصورة ولده الشهيد المظلوم حسين نعيم


العائلة مجتمعة في ذكرى الشهيد
العائلة مجتمعة في ذكرى الشهيد


تعليقات: