الخيام... بوابة جبل عامل

لوحات جميلة رسمتها الطبيعة في الخيام
لوحات جميلة رسمتها الطبيعة في الخيام


لست مؤرخاً، ولست شاعراً، ولا أدعي العلم والمعرفة والفصاحة والبلاغة، ولكن لا أستطيع أن أخرج من عبق هذه الأرض، ولا أن أرتوي إلا من مائها ومن عطف ترابها.

هي الخيام التي تستعصي على الإحاطة بنكهة تاريخها ومواقف أهلها، ومشاركتهم المؤثرة في كافة الأحداث الوطنية التي عاصروها، وبذلوا في سبيل قناعاتهم بها الغالي والنفيس. وتشهد حجارة بيوتها على صلابة ابنائها وتمسكهم بقضاياهم العادلة، وعلى عراقة تراثها ونبل تاريخها.

فالخيام ومقاومة الظلم والحرمان والإستعمار والإحتلال توأمان لا يفترقان، وبينهما جدل لا ينتهي، هدمت بيوتها عشرات المرات، ودمرت عن بكرة أبيها لمرتين، المرة الأولى بعد احتلالها من قبل العدو الإسرائيلي وبشكل ممنهج في الأعوام 1976-1977-1978 وقتل كل الأحياء فيها من أبنائها، وتحويلها الى حقل تدريب ورماية لجيشه، والمرة الثانية في الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز العام 2006 من جراء عدة محاولات حثيثة لاحتلالها، والتي باءت جميعها بالفشل، نتيجة صمود أبنائها.

المجتمع الخيامي:

يتصف المجتمع الخيامي بانفتاحه على مختلف الأديان والطوائف والأحزاب والتيارات السياسية المختلفة، وبنخبة كبيرة من النواب والوزراء والسفراء والمدراء العامين والأطباء والمحامين والمهندسين واساتذة الجامعات والقضاة والأدباء والشعراء والصحافيين والفنانين المبدعين والتجار والضباط في صفوف الجيش والجمارك والأسلاك الأمنية الأخرى، وقلما تجد قرية أو دسكرة في جنوب لبنان إلا ومر عليها أستاذ مدرسة أو جندي من الخيام.

وتشهد الخيام تعايشاً إسلامياً مسيحياً فريداً من نوعه، وما يميزها عن غيرها أنها تحتضن أبناء الطوائف المسيحية، البروتستانتينية والمارونية والأرثوذكسية والكاثوليكية والأرمنية، جنباً الى جنب مع أبناء الطائفة الإسلامية الشيعية، ولا غرابة في الأمر إذا سمعت أن في الخيام خمس كنائس وبعضها أثري، وأن فيها جامع أثري أيضاً (دمر في حرب تموز 2006) وأن من تبرع بقطعة أرض لإنشاء مصلى وتوسيع المدافن الإسلامية هو مسيحي خيامي، وأن غالبية المسلمين انتخبوا الدكتور شكرالله كرم (والد الوزير الدكتور كرم كرم) رئيساً لبلديتهم، في عز سطوة الإقطاع وتحكمه، وقد اغتالته اسرائيل في منزله في الخيام في العام 1976... وأن أهل الخيام طالما عاشوا معاً، وهجروا من أرضهم معاً، وعادوا الى بلدتهم ليعيدوا بنائها سوياً.

الموقع الجغرافي لبلدة الخيام:

قد يشكل موقع الخيام الإستراتيجي نعمة لها، ولكنه نقمة عليها أيضاً لكثرة الطامعين بها، فهي تقع على تل مرتفع في أقصى الجهة الجنوبية الشرقية من لبنان، وهي تبعد عن العاصمة بيروت ما يقارب المئة كيلومتر، وعن حدود فلسطين أقل من خمسة كيلومترات، وعن حدود سوريا ما يقارب السبعة كيلومترات.

تطل الخيام من الجهة الشرقية على جبل الشيخ (حرمون) وعلى القرى والبلدات اللبنانية الرابضة على قممه وعند سفوحه، كبلدات وقرى كفرشوبا والهبارية وكفرحمام وراشيا الفخار والماري والدحيرجات والميسات والوزاني وعين عرب، وعلى سهل الوطى ومجرى نهري الحاصباني والوزاني، وتطل كذلك على البلدات والقرى السورية في الجزء الغربي من هضبة الجولان السوري المحتل، كبانياس وجباثا والغجر، وعلى بحيرة الحولة وسهلها وسهل المطلة.

من الجهة الغربية تطل الخيام على سهل الخيام (المعروف بسهل مرجعيون) وهو سهل خصب تزخر أرضه بينابيع مياه رقراقة، كنبع الدردارة، ونبع الحمام، ونبع الباردة، ونبع الرقيقة... وتطل الخيام أيضاً على بلدات وقرى جديدة مرجعيون والقليعة وبرج الملوك وكفركلا، وعل قلعة الشقيف من خلفهم.

أما من جهتها الجنوبية فتتكيء بلدات وقرى فلسطين المحتلة وسهل المطلة على مرمى حجر منها، وتطل الخيام على المستعمرات القائمة هناك، وخاصة مستعمرة المطلة.

ومن الشمال تطل الخيام على بلدة إبل السقي وعلى التلال والمنخفضات المؤدية الى بلدات وقرى قضائي حاصبيا والبقاع الغربي.

ولهذا، لم يكن من الصدف أن تسمى الخيام ببوابة جبل عامل.

مناخها:

تمتاز الخيام بمناخها المعتدل، البارد نسبياً في الشتاء، والمعتدل في الصيف، ويمكن ان يتمتع زوار الخيام بالفصول الأربعة للطبيعة، وهي لذلك تعد منتجعاً صحياً، يمكن اللجوء اليه على مدار السنة.

الآثار التاريخية:

تشتهر الخيام ظلماً بمعتقلها، وفي الحقيقة أن هذا المعتقل هو عبارة عن ثكنة عسكرية بناها الفرنسيون في العام 1933، لتكون لهم حصناً منيعاً يطلون منه على الجيش الانكليزي في فلسطين، وقد أضاف الجيش اللبناني بعض الغرف والتحصينات على مبنى الثكنة وأقام فيها مركزاً عسكرياً متقدماً له، قبل أن تحوله إسرائيل بعد إحتلالها للمنطقة، الى معتقل لأبناء الخيام والبلدات والقرى اللبنانية الأخرى.

ويمتاز هذا المبنى بهندسته العسكرية، وأسواره المرتفعة، والأبراج المحيطة فيه. وهو غدا بعد تحرير المنطقة في العام 2000، مقصداً للزوار العرب والأجانب، لمعاينة وحشية الإحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الوطن، وشاهداً على جرائمها بحق الإنسانية، ولهذا عملت إسرائيل على تدميره تماماً أثناء حربها على لبنان في تموز 2006.

وعرف الجيش الانكليزي المرابط في فلسطين أهمية موقع الخيام الإسترتيجي، وأهمية سهلها بالنسبة لأعماله الحربية أثناء الحرب العالمية الثانية، فأنشأ على أرض سهل الخيام مطاراً عسكرياً على مساحة تقدر بالعشرة آلاف متراً مربعاً، ليستعمل هذا المطار في عملياته العسكرية على جبهات لبنان وسوريا وفلسطين ومصر، ولم تزل معالم هذا المطار قائمة حتى اليوم.

وكذلك بنى الجيش الانكليزي مستشفى عسكري تحت باطن الأرض، وعلى عمق خمسة أمتار، في محلة الخرايب على مدخل الخيام الغربي، ، ويضم هذا المستشفى عشرات الغرف المحصنة لاستقبال الجرحى، وإجراء العمليات الجراحية لهم. وهو يمتاز بسراديب وممرات ضيقة، تربط الغرف والقاعات في ما بينها. وقد جرى ترميمه وافتتاحه كمتحف حربي، بعد تحرير البلدة في شهر أيار من العام 2000 إلا أن إسرائيل قصفته بطائراتها الحربية ودمرته تماماً، شأنه في ذلك شأن الثكنة العسكرية الفرنسية.

ومن ضمن هذه السلسلة العسكرية التي تضم الثكنة والمطار والمستشفى العسكري، أقام الحلفاء سلسلة من الخنادق والإستحكامات والمخابىء والعوائق العسكرية في محيط الخيام، حتى إذا جرى ربط بعضها ببعض، شكلت منطقة عسكرية حصينة يصعب إختراقها.

بالإضافة الى هذه الآثار الحربية يوجد في الخيام عدة معالم أثرية أهمها:

مبنى كنيسة الكاثوليك الأثرية

مبنى الجامع الأثري

مقام الولي ناصر بن نصير

مبنى كنيسة البروتستانت

مبنى كنيسة الروم الارثوذوكس

مبنى كنيسة الموارنة

المدافن الأثرية المكتشفة حديثاً في حارة المسيحية

نبع عين الضيعة الأثري

نبع عين بو مزراب

نبع عين بو منصور

مبنى الطاحونة الأثرية في سهل الخيام

الآثار المكتشفة في منطقة برج الملوك...

ويمكن أن تزوروا الخيام بتفاصيلها وتاريخها وجغرافيتها وبعضاً من ناسها، عبر موقع www.khiyam.com

أما في التمني، فإن الخيام بأبنائها الأربعون الفاً، وبأزقتها وبيوتها المتواضعة، ومصاطب الحبق فيها، والورد الجوري في أحواضها، وبرائحة بخورها، ترحب بكم ضيوفاً أعزاء، وتفرش لكم سهولها وينابيعها وأشجارها وأنهارها حضناً دافئاً لكم، فأهلاً وسهلاً.

ألبوم صور "مناظر خلابة في الخيام"

تعليقات: