إنها صيدا يا فؤاد!

فؤاد السنيورة مصافحاً رمز الإحتلال الأميركي للعراق
فؤاد السنيورة مصافحاً رمز الإحتلال الأميركي للعراق


المعركة القائمة الآن في صيدا، التي يصعب من اليوم تقدير نهايتها، يتعامل معها فريق المستقبل باعتبارها المعركة المصيرية، إذ إنها ترتبط بالحضور المباشر للتيار في المكان المفترض أنه منشأ الولادة لمؤسس التيار الراحل أو لأقطابه من بعده، علماً بأن الثغرة الأكبر في برنامج هذا الفريق تكمن في العجز عن وصف الخصم القائم بأنه ممثل الشرور، التي تحتل حيّزاً كبيراً من خطاب المستقبل. فلا أسامة سعد هو رأس حربة المعارضة في لبنان، ولا التنظيم الناصري من إنتاج سوري، ولا النفوذ الأهلي لمعارضي مشروع الحريري قد خُلق على أيدي الفرس. وأكثر من ذلك، إن ما تعرّض له التيار الوطني، الذي يرشّح سعد في زمن الوصاية السورية وزمن حكومات الحريري الأب، كان أقسى بكثير مما تعرّض له مدّعو السيادة والحرية والذين يريدون العبور نحو الدولة. ثم إن تضحيات هذا الفريق، سواء أكان على مستوى عائلة سعد أم على مستوى الأنصار والمؤيدين، لا يمكن أن تقاس بكل التضحيات التي قدّمها تيار المستقبل منذ نشأته. لذا، فإن حدث استشهاد الرئيس رفيق الحريري كان حقيقياً في المدينة، التي سبق أن قدّمت رموزاً كبيرة في مواجهة الشر على أنواعه. وتالياً، لا يمكن فريق المستقبل أو آل الحريري التصرف وكأن ما قدموه للمدينة أو على مستوى البلاد يتطلب من الجمهور والناس الخشوع طلباً للرضى والتسليم.

لذا، سوف يكون للمواجهة القائمة الآن أكثر من بعد: السياسي والأهلي والأخلاقي قبل الانتخابي بمعناه العام. وحتى إذا ربح المرشحان فؤاد السنيورة وبهية الحريري، فإن ذلك لا يعني شيئاً على مستوى المدينة وأهلها، بل قد يكون الخطأ الاستراتيجي الذي سيؤدي إلى مضاعفات لن يكون في مقدور أحد في لبنان وخارجه الحد منها في الدورة الانتخابية المقبلة، وخصوصاً أن العقل الثأري الذي تحكّم بقرار ترشيح رئيس الحكومة، لم ينتبه إلى أن معركته ليست في صيدا، وأن ما يسعى إليه يجب أن يبحث عنه في مكان آخر، ومع خصوم آخرين. وتالياً، إن استحكام هذه العقلية بالذين اتخذوا القرار، فتح الباب لكل من يرغب في أن يبادل تيار المستقبل وأشخاصه هذا القدر من الشعور، ما سيُمارَس ضد المستقبل في أمكنة أُخرى وفي أطر أخرى، سياسية ونقابية.

إلا أن الأخطار الإضافية تتصل بمسائل وحساسيات لا يعرف أحد إذا كان فريق المستقبل يدركها أو يفهمها ومنها:

أولاً: لنبدأ بالحلفاء، إذ إن تجاهل المستقبل نصائح الأقربين في المدينة وخارجها، يعكس الرغبة في عدم الاستماع إلى أحد ساعة يمكن تجاهل الآخر، إذ إن انتخابات صيدا لا ترتبط بأي تيار آخر في فريق 14 آذار، فهذا يعني أنه لو قدّر للحريري تجاهل الجميع في كل الأمكنة لفعل ذلك.

ثانياً: كيف يمكن فريق المستقبل تجاهل المصالح الأساسية التي تحتاج إليها الجماعة الإسلامية لتثبيت التحالف معه، رغم أن الحريري سبق أن قال، منذ أربعة أشهر على الأقل، إنه مقتنع بما يقوله مساعدون من أن الجماعة لها حق في مقعد واحد لا أكثر، وإنه يجب ألّا تبالغ في مطالبها، كما هي حال آخرين مثل الوزير محمد الصفدي، وإن تيار المستقبل يقدر على خوض الانتخابات من دون الحاجة إلى تحالف مع هؤلاء؟ الكلام هذا، ربما فسّر ما يتصرف به الحريري لناحية أن محصّلة حواره مع الجماعة تقول باستعداده لمنحها مقعداً واحداً في لبنان كلّه، علماً بأنه اختار بيروت فيما كان هو شخصياً قد وعد النائب السابق أسعد هرموش بمقعد الضنية في حضور قيادة الجماعة، عندما كان في زيارة اطمئنان إلى صحة أمينها العام الشيخ فيصل مولوي.

وإذا كان لا يعرف جيداً حساسية صيدا، فقد كان على الآخرين، ولا سيما الوزيرة بهية الحريري، لفت انتباهه إلى أن الجماعة في صيدا قد لا تمثّل كتلة تجييرية من النوع الضخم، لكنها تمثّل مناخاً له بُعده الأهلي في المدينة. وهو البعد الذي استفاد منه تيار المستقبل خلال السنوات الخمس الماضية. لكن يبدو أنه يريد تجاهله بضربة واحدة.

ثالثاً: إن من اتخذ قرار السعي إلى احتكار التمثيل السياسي للمدينة، يتصرّف على أساس أنه محق في ذلك، وأنه مثلما ربح الفريق الآخر الانتخابات البلدية يمكنه هو القيام بالأمر نفسه، ناسفاً القواعد التي تميّز بين العمل البلدي والعمل السياسي. وهي حجة لا يمكن تسويقها إلاَّ إذا أُرفقت بكمّية من الضغوط التي تعوّد عليها اللبنانيون من هذا الفريق، وهي ضغوط تتصل بالعمل والمأكل والطبابة والتعليم، حتى تحولت المشاركة السنوية في إحياء ذكرى الحريري الأب إلى مشاركة إلزامية تذكّر بالأنظمة الديكتاتورية التي تفرض العطل وتفرض على الموظفين والطلاب القيام بالطقوس الواجب القيام بها في مناسبات كهذه.

رابعاً: إن سعي فريق المستقبل إلى استغلال موقع رئيس الحكومة وإلى استغلال نفوذ التيار عموماً في أجهزة الدولة كلّها، سوف يُعيد إلى الأذهان الصورة نفسها التي يدّعي هذا الفريق أنه يواجهها، وهو أمر سوف يفتح الباب أمام مستوى جديد من التواصل. وربما هناك وقت يحتاج إليه فؤاد السنيورة من الآن حتى موعد الاقتراع، ليدرك أن العلاقة بالناس لا تُقاس بما يرد في تحقيقات تلفزيون المستقبل أو بهتافات من يحضر إلى القصور مؤيّداً أو داعماً وحسب. وسوف تعكس نتائج الانتخابات أن التوازن السياسي هو الذي يفرض التمثيل المتوازن، وليس أي شيء آخر.

إنها صيدا يا فؤاد!

تعليقات: