نيسان.. ذكرى الحرب اللبنانية تنذكر وما تنعاد

صور المخطوفين والمفقودين: متى يقفل ملفهم الإنساني؟
صور المخطوفين والمفقودين: متى يقفل ملفهم الإنساني؟


زوجات المفقودين·· بين رحلة البحث عن مصيرهم وتربية أولادهم..

رفض الدعوة إلى العفو عن الماضي دون اتضاح مصير المخطوفين..

قضية المربي حشيشو·· ماذا في جلسة المحكمة غداً؟

صيدا

في 13 نيسان من كل عام، يردد اللبنانيون مقولة <تنذكر وما تنعاد> في إشارة إلى إندلاع شرارة الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 والتي أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا وعشرات آلاف الجرحى أضافة إلى آلاف المخطوفين والمفقودين مجهولي المصير إلى اليوم··

في كل عام، يحوّل ذوو هؤلاء المخطوفين والمفقودين الذكرى إلى صرخة كي لا تتكرر الحرب، لكشف مصير أزواجهم أو ابنائهم أو أشقائهم، مؤكدين بأن <لا سلام حقيقياً ولا مصالحة من دون حل عادل لقضيتهم لإقفال هذا الجرح النازف ألماً ودمعاً وختم الجرائم المتمادية>، مطالبين <أن لا تبقى قضية المخطوفين والمفقودين والمخفيين قسراً الغائب شبه الوحيد عن إهتمامات المسؤولين ومداولاتهم>، داعين إلى <وقفة مسؤولة عبر إطلاق الأحياء منهم وتحديد مصير المفقودين، لأن هذا الملف الإنساني لم يعد يحتمل أي تأجيل، ولا ليوم واحد، إذ أن كل يوم يمر ولا نخطو خطوة في إتجاه إنهاء هذا الملف هو بمثابة إذكاء للحرب، أو إبقاء فتيلها قابلاً للإشتعال، ينبغي إعادة فتح هذا الملف بجرأة ودقة وشفافية، وخارج أطر المزايدات السياسية والكلامية>··

<لـواء صيدا والجنوب> يتوقف في هذه الذكرى مع عدد من زوجات مفقودين ليطلعوا منهم على ظروف إختطافهم وكيفية تربية اولادهم وتحمل المسؤولية بعد فقدان الزوج··

حشيشو 27 عاماً لم تفتأ نجاة نقوزي حشيشو (زوجة المربي محيي الدين حشيشو) في البحث عن مصيره بعدما إختطفه مسلحون من منزله في عبرا - صيدا في 14 أيلول 1982 في أعقاب إغتيال الرئيس بشير الجميل، حيث إقتادوه إلى جهة مجهولة، لتتذكر كلماته الأخيرة قبل إختطافه بقليل، حيث كان يجلس في المنزل ويقول <الله يستر من ردة الفعل>·· وكأنه كان يشعر أن الأمر لن يمر على خير·

تعرفت نجاة على محيي الدين حشيشو في العام 1959، وتزوجا في العام 1962 ورزقا بأربعة أولاد: أسامة (البكر)، هدى، منى ومازن، تزوجوا جميعاً بإستثناء <الصغير مازن>، الذي يعمل في الولايات المتحدة الأميركية·

قضت نجاة أكثر من نصف عمرها على ذمة زوجها، 47 عاماً مضت على الزواج، 20 منهم مع محيي الدين و27 وهي تتابع قضية كشف مصيره بعد إختطافه، وبينهما تحملت المسؤولية كاملة في تربية الأولاد، في إحتضانهم·

قصدنا نجاة نقوزي حشيشو في منزلها لنتذكر معاً حادثة اختطاف زوجها محيي الدين حشيشو، وهو الزوج والأب والأخ والصديق والرفيق والمربي والسياسي محيي الدين حشيشو <أبو أسامة>·

نجاة حشيشو تصف الحادثة وكأنها حصلت اليوم أو البارحة، يوم 15 أيلول 1982 غداة إعلان إستشهاد الرئيس بشير الجميل علي أيدي مجموعة مسلحة مؤلفة من سيارة عسكرية تحمل عدد كبير من المسلحين وسيارتين مدنيتين بيجو بيضاء ستايشن وعلى سطحها ضوء أزرق وثانية فيات برتقالية·

تقول حشيشو: اليوم وبعد مضي 27 عاماً على اختطاف زوجها يصعب علي إختصار هذه المعاناة الطويلة أنا وأفراد عائلتي في كلمات قليلة·

إن معاناتي كما هي لدى جميع أهالي المخطوفين قاسية ومريرة أن يفقد الشخص شيئاً عزيزاً لديه يحزن ويتألم ويبحث عنه، فكيف إذا فقدت الأسرة أكبر دعائمها· بحزن شديد وصفت حشيشو كيف دخل المسلحين منزلها، وإقتيد الأب بقوة السلاح، دخلوا إلى غرفة نومه بأسلحتهم وكامل الجهوزية لإطلاق الرصاص في أي وقت بعد أن حاصروا المنزل وصعدوا إلى الأبنية المجاورة بأسلحتهم·

تابعت: إن خطف محيي الدين الذي كانت علاقته جيدة مع الجميع وكل من عرفه من رجال دين ومن جميع الطوائف وبشهادة الجميع إنه الإنسان الذي كان يدعو إلى العيش المشترك، ويرفض العنف والإقتتال، وبعد هذه السنين الطويلة ألا يحق لعائلته أن تعرف مصيره مع كل هذه المعاناة القاسية؟·· ألا يحق للعائلة أن تعيش حياة هادئة وخصوصاً أن الأيام الصعبة والقلق والألم الذي عصف في المنزل بعد عملية الخطف كانت قاسية ومريرة جداً·

وأضافت حشيشو: أود أن أوجه لكل شخص لجأ أو عمل على خطف أحد الأشخاص أن يضع نفسه مكان المخطوف ويكون هو الضحية ولو ليوم واحد فقط · فكيف بنا نحن أهالي المخطوفين الذين مضى على معاناتنا أكثر من ربع قرن، والخاطفين يعيشون مع عائلاتهم حياة هادئة بدون رقيب ولا حسيب، أما عائلات المخطوفين فتعيش الحرمان والقهر والعذابات·

وأشارت <لم يمر الفرح على المنزل منذ اختطاف الأب، لم نفرح كما يفرح الجميع بأي مناسبة كتخرج الأولاد من المدارس والجامعات، ولم تكن مناسبة زواج أحدهم فرحة كما ينتظرها الجميع· بل كانت غصة ودموع>·

الأولاد شبه والدهم وأوضحت نجاة <أن الأولاد تعلقوا بوالدهم من خلال الحديث اليومي عنه، لقد ورثوا عنه طباعه، أسامة أقرب إليه، إذ أن باعه طويل، وهادىء، ويستوعب الآخرين ويستمع إليهم، ويُعالج الأمور بروية وحلم>·

أقول لجميع الخاطفين والذين تسببوا بهذا الضرر النفسي لكثير من العائلات: هل ضمائرهم مرتاحة أم أنهم يتعذبون، وأقول لهم إن لم يكن حسابهم على الأرض سيكون حسابهم في السماء عند ربهم، لأن جميع الشرائع السماوية ترفض الظلم والقهر وتحاسب عليه· نعود ونكرر ونطالب الدولة الكريمة والقضاء اللبناني، الذي لجأت إليه بعض العائلات المتضررة، أن تنصف المظلومين وخاصة التي لجأت إلى القضاء· ونقول لم ولن نقدم على أي عمل سلبي، لأننا نرفض هذه الأعمال وتربيتنا تمنعنا عن تلك الأعمال السيئة أو الإنتقام والأخذ بالثأر···! ولكن من حق العائلة أن تعرف المصير ومعاقبة الفاعلين ومعرفة الحقيقة·

إن نداء العائلة وكذلك جميع عوائل المخطوفين، تطلب من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الذي تعهد في بيان القسم· وكذلك رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، الذي أيضاً أورد فقرة بالبيان الوزاري، العمل على كشف مصير جميع المخطوفين والمعتقلين، وكذلك نطلب من القضاء اللبناني وكل الجهات النافذة العمل على حل هذه القضية التي تشمل شريعة واسعة وكبيرة من اللبنانيين· فلتكن خطوة جريئة من جميع زعماء الحرب بالإعتراف وكشف الحقائق· وأيضاً نطلب من الدولة الكريمة إطلاع الأهالي على نتيجة التحقيق، وبعد تكليف لجنتين سابقتين لتقصي المعلومات عن جميع المخطوفين·

وشددت على <أن معرفة الحقيقة والإعلان عنها ولو جاء متأخراً، أفضل من أن لا يُكشف عنها· ونعمل معاً جميعاً على تأسيس مرحلة جديدة وإنهاء ذيول الحرب القذرة>·

وتختم حشيشو بالقول: لقد كانت المسؤولية كبيرة جداً، في رعاية الأولاد والحفاظ عليهم في فترة من التوتر الأمني والسياسي، وخصوصاً ما بين 1982-1985، إضافة إلى الإنخراط في لجنة المخطوفين والمفقودين، والمشاركة في كل النشاطات للمطالبة بمعرفة مصيرهم، كنا نقابل الرؤساء والمسؤولين بعد <إتفاق الطائف> من أجل إنهاء هذا الملف الإنساني·

عثمان تعود بهية أحمد عثمان (25 عاماً) إلى الوراء، لتستعيد ذكرى خطف زوجها خير سعيد يونس في 14 كانون الثاني من العام 1984، وما زالت تحتفظ بالمحضر الأمني الذي سطرته في الحادثة الأليمة التي ما زالت جراحها نازفة ألماً وحزناً حتى اليوم·

تعرفت بهية على زوجها خير وتزوجت منه في العام 1976، ولم تمضِ معه سوى 8 سنوات حتى إختطف، لتحرم وأولادها الثلاثة: الكبرى في ذلك الوقت غدير (5 أعوام)، رامي (4 أعوام) ويامن (عام ونصف العام) من عطف ورعاية الزوج والأبوة·

وتروي بهية تفاصيل ذلك يوم الأسود، وتقول: كان زوجي يعمل سائقاً بالأجرة، ويملك سيارة مرسيدس 230 جديدة، ثمنها 18 ألف ليرة لبنانية في ذلك الحين، وذهب لتوصيل إمراة مسيحية من طنبوريت - قضاء صيدا إلى منزلها، حيث كانت تزور أحد المرضى في <مستشفى حمود (الجامعي)> في صيدا، وقد روت لنا بعدها أنه تم إعتراضه عند بلدة مغدوشة، قرابة الرابعة والنصف من ذلك اليوم - أي ما يقارب آذان المغرب من قبل أشخاص، بحجة أن سيارتهم قد تعطلت ويريدون منه توصيلهم، فأبى وقد ساعدته على الرفض، ولكن يبدو أنه وهو في طريق العودة أجبروه على ذلك·

وأضافت: أتذكر في ذلك اليوم أنه قضى سعد حداد، وكانوا يريدون دفنه في اليوم التالي، فخطفوه وإستولوا على السيارة من أجل المشاركة في موكب التشييع، وعندما بحث أقاربي لاحقاً في السيارة التي تركوها في المكان، وجدوا بطاقة هوية تعود إلى إنطوان كنج، وسألنا عنه·· وعلمنا أنه كان يتعامل مع العميل أنطوان لحد·

كفاح تربية وبحث وتابعت <أم رامي>: منذ ذلك الوقت إنقلبت حياتنا رأساً على عقب، تبدل كل شيء ولم نعرف الفرح، ومع هذا الخطف بدأت رحلة البحث عن المصير المجهول، وتربية الأولاد في ذات الوقت، لقد تعلمت الخياطة والتطريز وبدأت العمل لإعالة أبنائي دون أن أكون بحاجة لأحد أو أطلب يد العون، لقد إعتمدت على نفسي، والحمد لله لقد كبر الأولاد وتزوجوا وأصبح لديهم أولاد أيضاً، ولكم ما زالوا يعيشون على أمل اليوم الذي يلتقون فيه بوالدهم·· إنهم يعيشون مثله، <يامن> نسخة طبق الأصل عنه في عاداته وتقاليده وطباعه·· كأنه <خير> أمامي، وخصوصاً أنه يعيش وزوجته وأولاده معي·

ومقابل تربية الأولاد، إنهمكت <بهية> في البحث عن مصير زوجها، وتقول: لم نترك مكاناً إلا وسألنا عنه، وكل ما توصلنا له من <جماعة لحد> الذين كانوا يحتلون <مستشفى الهمشري> على طريق المية ومية أنه كان عندهم ونقل إلى بيروت، دون أن يعطوا أية تفاصيل، فحررت محضراً بالواقعة في مخفر مغدوشة، وما زلت أحتفظ بنسخة عنه حتى الآن·

وأوضحت <بهية> بتنهد لا يخلو من الأسى <لم نترك أسيراً محرراً أو مفقوداً عاد من أي سجن كان، إلا وقصدناه، وسألناه دون جدوى، كان لدينا أمل أن يكون في <معتقل الخيام>، ولكن بعد تحرير الجنوب في أيار من العام 2000، وسؤال الأسرى المحررين، أكدوا لنا أنهم لم يسمعوا بإسمه·· ونحن نعيش اليوم على آخر أمل بقي لدينا، أن يكون في <سجن النقب> الإسرائيلي، وهذا السجن لا تستطيع <اللجنة الدولية للصليب الأحمر> زيارته، وأخبار من فيه مقطوعة عن العالم·

ورفضت <أم رامي> بغضب <دعوة البعض الى طي صفحة الحرب الأهلية والعفو عن الماضي في ذكرى 13 نيسان، دون أن يتضح مصير زوجها خير ومعه كل المخطوفين، لتؤكد حتى الأمس القريب كنا نتحرك إحتجاجاً وننظم الإعتصامات، ونرفع الصوت من أجل معرفة مصيرهم، نريد أن نعرف الحقيقة، إذا كانوا أحياءً أم أمواتاً، حتى لو قالوا لنا إنه دفن في المكان الفلاني نعرف أنه توفي، ولا نعترض على قضاء الله وقدره، ولكن أن يبقى الجرح نازفاً، فهذا صعب ومؤلم كثيراً، ولا يجوز أن نبقى حائرين بين مقابر جماعية ورفات مدفونة هنا وهناك بين الحين والآخر·

ثريا حسن زعيتر Th@janobiyat.com محاكمة خاطفي حشيشو غداً من المقرر أن تعقد <محكمة جنايات لبنان الجنوبي> يوم غد (الخميس) 9 نيسان جلسة جديدة لمحاكمة المتهمين بإختطاف المربي محيي الدين حشيشو، بعدما أعيد فتح المحاكمة مجدداً·

بهية عثمان تتحدث إلى الزميلة ثريا حسن زعيتر
بهية عثمان تتحدث إلى الزميلة ثريا حسن زعيتر


نجاة نقوزي حشيشو أمام صورة زوجها محيي الدين حشيشو
نجاة نقوزي حشيشو أمام صورة زوجها محيي الدين حشيشو


راهبتان تنظران إلى صور المفقودين خلال معرض أقيم حول المخطوفين في الصالحية
راهبتان تنظران إلى صور المفقودين خلال معرض أقيم حول المخطوفين في الصالحية


تعليقات: