تفاصيل قصة الفتى أمين الخنسا من الخطف إلى التحرير

الموقوفون الثلاثة بتهمة الخطف
الموقوفون الثلاثة بتهمة الخطف


حتى ساعة متقدمة من ليل الاربعاء، كان قلب جهاد الخنسا لا يزال مرتاحا، على رغم انقضاء اليوم الثالث على خطف ولده أمين في ظروف كانت الى حينه غامضة ومقلقة. كان جهاد يردد أمام زواره والاصدقاء والجيران والمحبين انه متأكد من ان ولده سيعود اليه قريبا، "لأنني وابني لم نؤذ احدا في حياتنا".

و"النهار" التي كانت قد تفردت بنشر خبر الخطف في عددها الصادر يوم الثلثاء الماضي، قبل ان تتناقله وسائل الاعلام المحلية جميعها، تتفرد اليوم بنشر تفاصيل عملية الدهم، وتحرير الفتى فجر الخميس، وما سبقها من تحريات واستقصاءات وتحقيقات، وعمليات رصد للخاطفين، افضت في نهاية المطاف الى اقتحام الشقة التي احتجز الفتى فيها ايام الاثنين والثلثاء والاربعاء، في طبقة ارضية في ضهور عاليه، قرب محطة كهرباء عاليه، موثوق اليدين والرجلين بالأصفاد والسلاسل المربوطة بإحكام الى جانبي السرير، من دون ان يسمح له بالحركة، حيث كان يضطر الى قضاء حاجته على السرير طوال مدة وجوده رهن الاحتجاز.

فما الذي حصل بالتفصيل؟

الساعة 6:55 دقيقة صباح الاثنين الماضي، نزل أمين الخنسا (14 عاما) من شقة والديه في مبنى قرب مستديرة شاتيلا على طريق المطار، وهو مبنى ملاصق لمحطة محروقات تعرف بمحطة المقداد في المحلة، برفقة والدته الى الطريق العام، حيث اعتاد ان ينتظر الحافلة المخصصة لنقل تلامذة مدرسة "الانترناشونال كولدج" حيث يتلقى علومه في الصف التاسع (بريفيه)، وما ان تركته أمه وصعدت الى منزلها، حتى وصلت سيارة "غراند شيروكي" كحلية مستأجرة من شركة تأجير سيارات، تقل شخصين عملا على كمّ فمه وإصعاده عنوة الى السيارة.

وعند الساعة 12:45 بعد الظهر تلقى والده اتصالاً من مجهولين ابلغوه ان عليه ان يحضر مبلغ مليون ونصف مليون دولار أميركي، "لأنو ابنك مخطوف معنا وبعدين منحكي بالتفاصيل".

احتار والد امين، في أمر الاتصال الذي ورده من منطقة دير زنون في البقاع من الرقم 08510620، والذي تبين للمحققين انه أجري من هاتف عمومي. فاتصل بإدارة مدرسة ابنه ليسأل عنه، وعندما تأكد من عدم حضوره، عاد واتصل بسائق حافلة النقل، الذي ابلغه بأنه مر من أمام المنزل ولم يجد امين ينتظره على عادته، فأكمل سيره. بعد ذلك توجّه جهاد الى فصيلة الطريق الجديدة، حيث مكان اقامته، وتقدم بدعوى ضد مجهول بخطف ابنه.

اتخذت الاجراءات اللازمة، وأحيلت الشكوى بالسرعة القصوى على الشرطة القضائية التي شرعت فورا في جمع المعلومات واجراء التحليلات الأمنية اللازمة.

أول خيط توصل اليه رجال الشرطة القضائية، كان معلومة مؤكدة عن مواصفات سيارة رينو حمراء تقل شخصين، ترددت الى المنطقة التي وقعت فيها حادثة الخطف قبل يومين من العملية في 27 آذار الماضي و28 منه، وكانت كل مرة تتوقف في المحلة من السابعة حتى الثامنة صباحا ثم تختفي.

تم تحديد أوصاف السيارة، التي تبين للمحققين ان مالكها يدعى خالد أسعد شيخو (كردي لبناني) وهو يعمل في أحد محال ميكانيك السيارات في منطقة عين المريسة، فتم احضاره واخضع لتحقيق اولي أفاد فيه أنه وصديقاً له يدعى ابرهيم الاحمد (من عرب المسلخ) كان يعمل في المحطة التي توقفوا الى جانبها، حضرا الى المنطقة فعلا، باعتباره دائم التردد اليها، حيث يشتري منها قطع سيارات.

في هذه الاثناء تلقى والد أمين اتصالا ثانيا، الخامسة والنصف بعد ظهر الثلثاء، أبدى فيه المتصل تذمره واستياءه من قيام جهاد بابلاغ القوى الامنية، وكرر على مسامعه "احضر المليون ونصف المليون دولار لأن هذا لن يفيدك"، ثم اقفل. بتحليل الصوت تبين ان المتصل هو صاحب الصوت نفسه في الاتصالين اللذين وردا على هاتف والد المخطوف يومي الاثنين والثلثاء، لكن الاتصال الثاني كان من هاتف عمومي في منطقة جديدة المتن هذه المرة، وتحديدا من الرقم 01879824. لكن الامر اللافت في كلا الاتصالين ان الجاني كان يجريهما من بطاقة هاتفية مدفوعة سلفا ثم يرميها فورا، من دون ان يجري منها اي اتصال آخر يمكن ان يدل عليه، الامر الذي يدل على انه محترف وليس هاويا.

أُحضر ابرهيم الاحمد، وتكثفت التحقيقات معه ومع خالد شيخو، وتركزت على طبيعة معرفتهما بالفتى المخطوف، وخصوصاً في ضوء ما عرف عن ان الاحمد كان يعمل في محطة المحروقات الملاصقة لمنزل الخنسا.

والكوّة التي تمكن المحققون، الذين كان يشرف على أعمالهم قائد الشرطة القضائية العميد انور يحيى مباشرة، من فتحها في هذا الجدار الصلب، تعززت باعترافات الاحمد، بعدما أُنهك وشيخو على المستوى النفسي، فصرح بأنه كان صباح الاثنين قرب المحطة، وهو الامر الذي كان قد انكره طويلا.

تم استثمار المعلومات المتيسرة للمحققين من مصادر عدة، وجرت مطابقتها مع المعلومات التقنية الواردة اليهم من خارج دائرة التحقيقات، الى ان فوجئ شيخو والاحمد بمعطيات معينة واجههما بها المحققون، أجبرتهما على الاعتراف بأنهما هما اللذان نفذا خطف القاصر أمين الخنسا، وأن الرأس المخطط للعملية هو عبد الناصر حسن المقداد (53 عاما)، وهو مستثمر محطة المحروقات الملاصقة للمبنى الذي يقيم فيه جهاد الخنسا مع عائلته، والذي يقيم فيه ايضا احمد الاحمد (وهو شقيق ابرهيم الاحمد)، فوق شقة آل الخنسا تماما، وقالا ان عبد الناصر هو من استأجر لهما سيارة الـ"غراند شيروكي" التي تمت فيها عملية الخطف، وانه اتفق معهما على احتجاز الرهينة في شقة يشغلها ابرهيم الاحمد في مدينة عاليه.

الدهم والتحرير

هذه المعلومات وصلت "طازجة"، الثانية والنصف فجر يوم أمس الخميس بعيد انتزاعها بلحظات، الى العميد يحيى الذي توجه على الفور، على رأس قوة من وحدته الى عنوان الشقة التي يحتجز الفتى داخلها في عاليه، برفقة الموقوف ابرهيم الاحمد الذي أرشد القوة الى العنوان، قبل ان يعلم المقداد الذي كان "يحرس" رهينته في داخلها بالتطورات. ومن اجل مباغتته، وحفاظا على حياة الفتى وعليه وعلى أرواح افراد القوة الامنية المهاجمة، أمر يحيى بكسر الباب الخارجي للشقة ومفاجأة المقداد بالسرعة القصوى، حتى لا يتمكن من اتخاذ اي اجراء يشكل خطرا على الفتى، الذي ما ان سمع بما يدور في الشقة بعد اقتحامها، حتى راح يصرخ بأعلى صوته ويردد "شكرا يا بوليس ... شكرا يا بوليس".

عند كسر الباب، نحو الثالثة فجرا، كان المقداد لا يزال نائما، وما ان استيقظ حتى كان رجال التحري قد احاطوا به من كل الجوانب فاستسلم، لعدم وجود سلاح معه، فيما بدأ البحث عن الفتى - الرهينة، الى ان عثر عليه ملقى على سرير وقد قيدت يداه وقدماه وربطتا بسلاسل معدنية الى جوانب السرير، ثم ألقي فوقه فراش من الاسفنج للتمويه والتضليل، لكن صوت الفتى دلّ عليه.

وبعد تصويره في الحال التي كان عليها (الصورة المنشورة في الصفحة الاولى) جرى تحرير الفتى من القيود، وتفتيش المقداد والشقة التي لم يعثر فيها على ممنوعات، ولكن ضبطت بعض المواد المخدرة (سبراي) التي تستعمل في تخدير الرهينة عند خطفها، والشرائط اللاصقة وأقنعة من الصوف تستخدم في عمليات الخطف، وسلاسل معدنية و3 حبال قصيرة في الخزانة نفسها، لاستخدامها ربما بدل السلاسل.

الثالثة والنصف فجرا خرج الجميع من الشقة، ولكن هذه المرة كانت الادوار مقلوبة، فالفتى المخطوف تحرر من قيود أنهكته لثلاثة ايام، والخاطف تحول موقوفاً وأُخرج مكبلاً بالاصفاد. وما ان انطلق الموكب نحو بيروت، حتى هاتف قائد الشرطة القضائية العميد يحيى والد الفتى من جهازه المباشر قائلاً: "مبروك، ابنك صار معنا". البشرى افرحت ذوي امين الذي انفجروا جميعا بالبكاء، "ابننا لا يزال حيا" قبل ان تستأذن والدة امين العميد يحيى للتحدث مع ابنها، وكان لها ولأبيه ما أرادا، وبعد الاطمئنان، طلب منهما قائد الشرطة القضائية موافاته الى مبنى المديرية العامة لقوى الامن الداخلي لتسلُّم ابنهما، وكان قد ابلغ وزير الداخلية والبلديات زياد بارود والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي بالمستجدات، واتفقوا جميعا على اللقاء في هذا الوقت المتأخر في مكتب ريفي، وجرى عرض الفتى المحرر والموقوفين، وأطلع بارود من حضر من الاعلاميين على موجز عن عملية التحرير.

جيران الشقة - الزنزانة

اما مكان الاحتجاز وجيران الشقة وأصحابها، فقد عاينه مراسل "النهار" في الشويفات رمزي مشرفيه، وذكر ان الخنسا احتجز في الطبقة الأرضية التي يشغلها منذ سنة وتسعة أشهر ابرهيم الأحمد، وقد استأجرها من مالك المبنى وليد أبو نجم في منطقة كتانة في ضهور عاليه، على بعد أمتار من محطة كهرباء عاليه.

والخاطفون اقتادوا الفتى فور خطفه من على طريق المطار الى عاليه واحتجزوه في الشقة.

وروى مالك المنزل وليد وزوجته آمال شرف الدين شهيب لـ"النهــار" أن الاحمد كان قد طلب أن يستأجر الطبقة الأرضية من المنزل الذي يقطن صاحبه الطبقة الأولى منه، وهو عريس جديد لزواج ثانٍ، فوافق وليد وأجّره المنزل. إلا أن ابرهيم كان يتردّد الى المنزل الجديد في عاليه في أوقات متفاوتة صيفاً وشتاءً. وكانت أفضل الفترات لديه في عاليه خلال العواصف الثلجية.

وليد وزوجته وأفراد عائلته لم يشتكوا يوماً من جارهم الجديد الهادئ الذي كان يتردد مع زوجته الجديدة الى المنطقة.

وقبل عملية الخطف بايام قليلة، أبلغ ابرهيم مالك الشقة أن خاله سيأتي من بلاد الاغتراب وسينزل عند ابن أخته ضيفا، فلم يَرتَبْ وليد للأمر. وتقول آمال: "صباح الاثنين الماضي، شاهدت من نافذة منزلي سيارة جيب تدخل الجهة الخلفية للمبنى حيث مدخل مطبخ الشقة التي يشغلها ابرهيم، وشاهدت حقيبة يتم انزالها من الجيب. لم أكترث للأمر ظنّاً مني أن خال ابرهيم وصل من الخارج، وابتعدت عن النافذة".

واضافت: "فجر أمس وقرابة الثالثة فجراً، سمعنا جلبة في الطبقة الأرضية من المبنى، وكأن في الأمر تحطيم كراسٍ وأبواب، وبعدها بقليل وصل رجال الأمن وطلبوا من زوجي ان يتحدث الى قائد الشرطة القضائية الذي كان عند مدخل المبنى. فوجئنا ونزلنا، وكم كانت دهشتنا قوية عندما رأينا المنطقة كلها ضمن طوق أمني من رجال الشرطة القضائية وعلى رأسهم العميد يحيى. سُئلنا هل رأينا أي شيء يمكن أن يُشتبه في ان له علاقة بخطف الفتى أمين الخنسا، فقلنا ما نعلمه، وهو أننا لم نشك في امرٍ كهذا يوماً، لأنّ الحركة كانت طبيعية، باستثناء رواية قدوم خال ابرهيم التي كانت على ما يبدو للتضليل وإبعاد الشبهات".

وبعد العملية، أقفل رجال الشرطة القضائية الشقة ومنعوا أحداً من دخولها لاستكمال التحقيقات.

 أمين بين والديه السعيدين
أمين بين والديه السعيدين


جدته تفي نذرها
جدته تفي نذرها


تعليقات: