لماذا العفو عن المجرمين مع كلّ انتخابات نيابية وأين هيبة القضاء؟

العميل انطوان لحد
العميل انطوان لحد


هل يصدر مجلس النوّاب عفواً عن لحد وتوما وصقر ورزق و«قواتيين» و«لحديين» وآخرين؟ ..

كلّما اقترب موعد الانتخابات النيابية تفتّقت ذهنية السياسيين، الغيارى على جعل مصلحة الدولة فوق كلّ اعتبار، عن المطالبة بمنح عفو عام عن الجرائم المقترفة خلال فترة زمنية معيّنة، وسارعوا إلى استصداره قانوناً مشرّعاً يعيد البلد ساحة لكلّ المجرمين، ويضرب بالمقابل، هيبة القضاء الذي يريدونه مسيّساً، وعلى شاكلتهم ورغباتهم، ومصالحهم الآنية، على حدّ تعبير أحد القانونيين.

فبعد العفو عن رئيس الهيئة التنفيذية للقوّات اللبنانية سمير جعجع عام 2005 بالتزامن مع العفو عن الإسلاميين الذين قتلوا عسكريي الجيش اللبناني في جرد الضنية، وذلك وفق الطريقة اللبنانية الشهيرة 6 و6 مكرّر.. ومعجّل التنفيذ أيضاً، تقدّم نائب «القوّات» أنطوان زهرا باقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي إلى منح عفو عام عن الجرائم المقترفة قبل 27 نيسان من عام 2005، أيّ خلال جزء من مرحلة الوجود السوري في لبنان.

أسئلة برسم زهرا وسواه

واعتبر زهرا أنّ «الأسباب الموجبة» لهذا الاقتراح، هي الأحكام الجائرة الصادرة بحقّ الشباب، وفي مقدّمتهم، طبعاً، رئيس جهاز الأمن السابق غسّان توما الذي ارتكب غير جريمة، ليشمل اقتراحه، قصداً أو من دون انتباه، العفو عن كبير العملاء أنطوان لحد وضبّاط ميليشيا «جيش لبنان الجنوبي» وعناصره الفارين من وجه العدالة وإنجازاتهم في خيانة لبنان وجرائمهم بحقّ اللبنانيين، ولا سيّما الجنوبيين منهم، فضلاً عن رئيس تنظيم «حرّاس الأرز» إتيان قيصر صقر، والمسؤول السابق في «القوّات» والمرتبط بجهاز «الموساد» الإسرائيلي بيار رزق الملقّب بـ«أكرم».

ويسأل هذا القانوني إذا كان زهرا يعتبر الأحكام القضائية جائرة، فماذا يقول عن تبرئة المجلس العدلي برئاسة القاضي منير حنين وعضوية القضاة أحمد المعلّم وحسين زين وغسّان أبو علوان ورالف رياشي، العنصرين في جهاز الأمن في «القوّات» أنطوان بطرس شدياق وعزيز يوسف صالح، والرائد الاحتياطي كيتل الحايك في حكمه الصادر في 25 حزيران عام 1999 بقضية اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي؟.

وماذا يقول عن تبرئة المجلس العدلي برئاسة القاضي فيليب خير الله وعضوية الرؤساء التمييزيين حكمت هرموش وجورج قاصوف وحسين زين والمستشار التمييزي القاضي حسن قوّاس، « القوّاتي» رفيق غالب سعادة بقضية اغتيال داني شمعون وزوجته وطفليه في حكمه الصادر في 24 حزيران عام 1995؟.

وماذا يقول عن الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة في 19 آذار عام 2002 بإسقاط دعوى الحقّ العام عن زميله إيلي كيروز قبل أن يصبح نائباً عام 2005، بفعل مرور الزمن الثلاثي، وذلك بقضية «عدم إنباء السلطة المختصة عن جناية علم بها»؟.

وهل يكون القضاء جيّداً وعادلاً عندما يحكم بالبراءة، ويكون ظالماً ومسيّساً عندما يدين ويجرّم؟. لقد برّأ القضاء هؤلاء المذكورين قبل أن يصدر عفو عن المتهمين والمحكومين وفي طليعتهم جعجع، وغسّان توما وشقيقه كابي، ومخايل زكي الصانع، وغسّان منسّى، وأنطونيوس إلياس إلياس المعروف بـ «طوني عبيد»، ورشدي توفيق، رعد، وجان يوسف شاهين، وراجي إبراهيم عبدو الملقب بـ«الكابتن»، وسواهم من « القوّاتيين».

ويضيف القانوني نفسه، ألم يسمع زهرا بما قاله القاضي فيليب خير الله لرئيس الجمهورية الأسبق إلياس الهراوي عندما حاول أن يعرف منه مسبقاً نتيجة الحكم على جعجع، فأبلغه بأنّه عندما يصدر الحكم يعرف نتيجته، فاستشاط الهراوي غضباً وغيظاً، ولم يبال خير الله، ليظلّ مثل أحكامه، كبيراً؟.

ولماذا يريد زهرا العفو عن عملاء إسرائيل، وتوما، بحسب الأحكام القضائية، واحدٌ منهم؟.

وكيف يشكّك زهرا وسواه بنزاهة القضاء والقضاة ومصداقيتهما، والقاضي رالف رياشي واحد منهم، وهو عضو في المحكمة الخاصة بلبنان والمنشأة خصيصاً للنظر في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبهدف وضع حدّ للإفلات من العقاب؟.

العفو يعني تعميم الفوضى

إنّ المطالبة السياسية بحصول عفو يقصد به تعميم الفوضى والانفلات الأمني والتضييق على القضاء وضرب هيبته وإقفاله، فالقضاة يُمضون أسابيع وشهوراً وسنوات أحياناً في متابعة ملفّ ما، ويعقدون فيه جلسات وجلسات من أجل الوصول إلى الحقيقة فيه، ثمّ يأتي من يطالب بالعفو عن المجرمين، ولذلك فلتقفل قصور العدل أبوابها، وليذهب القضاة إلى منازلهم، ولتترك الساحة للمجرمين ومعهم السياسيين الذين يحوّلون كلّ شيء لتحقيق مصالحهم ولو على حساب الوطن وكرامته وحرّية شعبه وسلامته.

كما أنّ الأجهزة الأمنية تقضي أوقاتاً تحمل في طيّاتها، أحياناً كثيرة، مخاطرة بالأرواح للتخلّص من مجرم أو شبكة إرهابية، ثمّ يأتي من يطالب بالعفو عن القتلة والجناة، فكيف يوفّق المسؤولون بين مطالبتهم بالتصدّي للإرهاب والقضاء على أوكاره، ومطالبتهم بالعفو عن مرتكبي جرائم إرهابية؟، وكيف يتساوى منطقهم بين المطالبة بوضع حدّ للإفلات من العقاب، وإطلاق سراح المجرمين بعفو يراد منه الإساءة إلى القضاء والقضاة؟ وهل شعار عدم الإفلات من العقاب الذي لم يبق أحد في الكون إلاّ وتحدّث فيه، من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إلى قوى 14 آذار، خاصاً بالفترة الواقعة ما بين اغتيال الرئيس رفيق الحريري ولغاية هذا العام فقط، وما سبق من جرائم يستحقّ الإفلات من المحاكمة والقصاص؟.

والغريب أنّ وزير العدل البروفسور إبراهيم نجّار المحسوب على «القوّات اللبنانية»، لم ينبسّ ببنت شفة ولم يعلّق على هذا الموضوع الذي يفترض أنّه يتعارض ومشروع قيام الدولة العادلة والحازمة بوجود قضاء مستقل وحيوي وصارم في قراراته وأحكامه البعيدة عن الأهواء السياسية الضيّقة.

حكمان على توما بالتعامل

فمن هو غسّان أنطوان توما الذي يراد العفو عنه وما هي جرائمه بحسب الأحكام القضائية التي يمكن إسقاطها بغير العفو، وذلك عن طريق مثوله أمام المحكمة التي أصدرت الحكم، وإجراء محاكمة جديدة وعلنية، وفي ضوئها يتضح ما إذا كان مجرماً ويستحقّ العقوبة أم البراءة، لا كما حصل في العفو عن جعجع ورفاقه في الأحكام الصادرة عن محكمة الجنايات في بيروت، وعن أعلى هيئة قضائية في لبنان ممثّلة بالمجلس العدلي، ولم ينل قتلة الرئيس رشيد كرامي وداني شمعون و إلياس الزايك جزاءهم؟.

ولد توما في بلدة سبعل في قضاء زغرتا في شمال لبنان عام 1957 ورقم قيده 64، والده أنطوان توما ووالدته أليس الخوري حنا لحود، وله خمسة أشقاء هم: توفيق (مواليد 1960)، وكابي (مواليد 1962)، وإدي (مواليد 1964)، وريتشارد (مواليد 1966)، وجو (مواليد 1968)، وهو متأهّل من ميرنا بدوي الطويل (والدتها لودي خير مواليد 14 آب 1964) ولهما أنطوني المولود في 26 آذار 1987.

انتمى غسّان توما إلى حزب الكتائب عام 1976، وشارك في معارك الحرب الأهلية اللبنانية في منطقة الشمال، وتولّى مسؤولية حاجز البربارة العسكري، وأصيب برصاصة في بطنه ويده في أيلول عام 1978 عندما عبرت سيّارة مدنية على الحاجز المذكور وبداخلها عناصر من حزب «المردة» وأطلقوا النار عليه ممّا أدّى إلى تعطيل يده عن العمل نهائياً، وما لبث أن ترك العمل العسكري وانتقل إلى العمل الأمني في الشمال، وربط بالاستخبارات العسكرية المركزية التي كان يقودها سامي الشدياق.

وقد أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن ماهر صفي الدين وعضوية المستشار المدني القاضي عوني رمضان وحضور مفوّض الحكومة لديها القاضي ماجد مزيحم في 6 حزيران عام 2001 حكماً بحقّ غسّان توما قضى بوضعه في الأشغال الشاقة المؤبّدة غيابياً، وذلك في قضية تأليف جمعية ترمي إلى ارتكاب الجنايات على الناس وأموالهم والنيل من سلطة الدولة، والقيام بأعمال إرهابية ضدّ الناس والقوّات السورية العاملة في لبنان، ودسّ الدسائس لدى العدوّ الإسرائيلي لمعاونته على فوز قوّاته.

وجاء هذا الحكم على خلفية ما أدلى به حسن محمّد مهدي الذي استلمه لبنان من السلطات السورية في 11 كانون الأوّل عام 2000 ضمن مجموعة من اللبنانيين المحكومين على أراضيها، حيث قال بحسب ما ورد في القرار الاتهامي الصادر عن قاضي التحقيق العسكري رشيد مزهر بأنّه من المقرّبين من توما وعمل بإمرته وترأس شبكة أمنية في محلّة رويسات الجديدة أنشئت بقصد ارتكاب الجنايات على الناس وأموالهم والنيل من سلطة الدولة وتنفيذ الأعمال الإرهابية ضدّهم وضدّ القوّات السورية العاملة في لبنان.

وفي 19 آذار عام 2002، أنزلت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن ماهر صفي الدين وعضوية المستشار المدني القاضي عوني رمضان، عقوبة الإعدام غيابياً بالفار غسّان توما لجهة المادة 275 عقوبات، وعقوبة الأشغال الشاقة لمدّة خمس عشرة سنة لجهة المادة 278 عقوبات، والاعتقال المؤقت لمدّة خمس عشرة سنة لجهة المادة 288 عقوبات، والأشغال الشاقة لمدّة خمس عشرة سنة لجهة المادة 335 عقوبات، والحبس سنتين ومليون ليرة غرامة لجهة المادة 285 عقوبات وإدغام هذه العقوبات معاً بحيث تنفّذ بحقّه العقوبة الأشدّ أيّ الإعدام، وتجريده من حقوقه المدنية استناداً للمادة 49 عقوبات.

وجاء هذا الحكم نتيجة اتهام توما بدسّ الدسائس لدى العدوّ الإسرائيلي لمعاونته على فوز قوّاته، وتعكير صلات لبنان بدولة شقيقة، وتأليف جمعية بقصد النيل من سلطة الدولة وهيبتها، ودخول بلاد العدوّ، وإجراء اتصال بالعدوّ الإسرائيلي.

تعليقات: