المجنّسون من النَوَرْ لمن سيصوّتون في الإنتخابات النيابية وماذا عن البقية؟

مسح الأحذية مهنة شباب النور الأساسية
مسح الأحذية مهنة شباب النور الأساسية


يعيشون على مهن بسيطة ومنازلهم تزيّنها الإعلانات ولا حق لهم سوى الإنتخاب..

الغالبية تحافظ على جنسيتها للتنقّل بحريّة دون حواجز معتمدين الكسب السريع..

صيدا:

على أبواب الإنتخابات النيابية، تبدأ الماكينات الإنتخابية بحساب عدد الأصوات لكل مرشح لتأمين الفوز، لكن المجنسين من <النَوَرْ> لمن سيصوتون في هذه الإنتخابات؟

وهل كل <النور> يحظون بهذه الأهمية الإنتخابية، أم أن ما يحمله البعض الآخر من جنسية <نورية>، تمكنه التجوال في جميع الدول دون حواجز، هي أهم من المصالح الضيقة للمرشحين والمنخرطين في اللعبة السياسية؟

هذا السؤال يجيب عنه واقع هؤلاء الذين يتنقل صغارهم بحرية بين السيارات دون خوف من ملاحقة، لأن الكل مشغول في همومه وتحضيراته، فمن الشأن المعيشي إلى تأمين الوضع الأمني والهم الإنتخابي، أمور تشغل المعنيين عن واقع <النور>، ولكن ألم يحسب أي من المرشحين لثقل أصواتهم، أم أن هذا الثقل غير موجود لأنه سيوجه في الغالب الى جهات معروفة سلفاً؟

كل هذه التساؤلات حكماً لن يجيب عليها الصغار في لعبة الكبار، ولكن يبقى الهم المعيشي القاسم المشترك لجميع الناس على اختلاف ألوانهم وأجناسهم، ومن هنا تبدأ المعاناة، وإن تعددت أساليب الكسب بين حلال وحرام، أو تداخل فيما بينهما··

<لـواء صيدا والجنوب> يسلط الضوء على حياة <النور> المقيمين في ضواحي مدينة صيدا واقليم الخروب وتداخله مع الهم الإنتخابي والمعيشي··

من ساحة النجمة في صيدا، إلى تقاطع حسام الدين الحريري المعروف بـ <إيليا>، ترى العديد من أطفال النور الذين يجهدون وراء السيارات يعرضون على أصحابها خدماتهم من مسح الزجاج أو شراء بعض المنتوجات التي صنعتها أيديهم أو صناعات الدول المتطورة، والسعر يتراوح حسب <شطارتهم> و>شطارة> الزبائن، فيما الغالبية تطلب المساعدة المالية··

ويتساءل البعض لماذا لا تتم ملاحقتهم، وهل باتوا جزءاً من النسيج الإجتماعي الذي لا بد منه، أم أن الإنشغالات الكثيرة وعدم القدرة على استيعابهم في المجتمع، يترك الحال على ما هو عليه، أم في الأمور <ثقل> انتخابي!

المختار مخول وللتعرف على واقع هؤلاء يشير الخبير في اعداد دراسات عن حياة <النور> نائب رئيس <رابطة مخاتير قضاء صيدا> ومختار الهلالية شوقي مخول، والذي أعد رسالة ماجستير بعنوان <الزواج عند النور>، بأن <هناك فرق كبير بين <النَوَرْ> والعرب الرحل الذين يعيشون على تربية المواشي، وإن تشابهت بيوتهم، لكن <النور> لهم إمتداد في كل الدول ومزايا يتمتعون بها، كونهم يحملون وثائق تمكنهم السفر دون مساءلة، وهو حقهم المتوارث عبر الأجيال>·

ويؤكد <أن التجنيس طال العديد منهم في لبنان والدول العربية، وتعددت مذاهب تجنيسهم، حسب الدول التي عاشوا فيها، ففي لبنان نالوا الجنسية على أساس المذهب السني، ويعيشون في إقليم الخروب، أما في العراق فتشاركوا المذهبين السني والشيعي، ويحق للمجنسين الإدلاء بأصواتهم الإنتخابية، أما <مكتومي القيد> فلا يحق لهم الإنتخاب، لكن النورية التي تتزوج لبنانياً يصبح لها الحق في الإنتخاب>·

زينة تخفي الفقر وإن كان حال المجنسين أفضل من أترابهم، الذين نالوا هويات تحمل صفة مكتومي القيد، فإنهم يعيشون في منازل عند <خط السكة> في الطرف الجنوبي لتعمير عين الحلوة، وتزينها صور الفنانين والإعلانات التجارية، لتخفي وراءها فقراً شديداً، والعيش في غربة في وطن منح بعضهم الجنسية بلا حقوق مدنية سوى الهم الإنتخابي، فيما إعرب الأخرون من مكتومي القيد·

وإن كانت هذه الصور تجمّل البيوت، ولكنها لا تقيهم لهيب الصيف المنعكس على ألواح <الزينكو> التي تتشكل منها منازلهم، وربما تسعفهم من برد الشتاء، لكن الظلم اللاحق بهم كبير، كما يصفه خالد مصطفى، الذي يعيش مع أفراد عائلته السبعة في غرفتين صغيرتين ينتظر اليوم الذي ينال فيه حقوقه·

ويقول: لدينا بطاقة هوية <مكتوم القيد>، ونأمل أن نصبح ذات يوم مواطنين، وأن يسمع المسؤولون بنا ويشعرون بواقعنا·

ويتمنى صبيته أن تتحول هذه الأحلام إلى واقع حقيقي، وأن يلتقون بالمشاهير الذين تزين صورهم جدران المنزل، والمنزوعة من الإعلانات بعد إنتهاء الغاية منها، أو يكون لديهم ما تعلن عنه كبرى الشركات التي تراها عيونهم صبح مساء، ولكن كل الأمل أن لا تأتي متأخرة بعد إستنفاذ غاياتها، على غرار لوحات الإعلانات المستهلكة·

مسح الأحذية كثيراً ما كانت تطالعنا كتب الأدب العربي عن حكاية ماسح الأحذية، ذلك الفتى الصبور الذي لا يكثر الكلام، ويهتم بعمله، فأصبح من البارعين وأصحاب الملايين، وربما تكون تلك قصة حقيقية، لكنها لا تعني الكثيرين من <النور>، وربما لأن ملايين اليوم لا تشتري ما كانت تشتريه ملايين الأمس، لذلك فإن إرتفاع الأسعار طال مهنة ماسح الأحذية، ليرفع سعره من 500 ليرة إلى ألف ليرة!

وفي ذلك يشير معتز محمد ابراهيم (البالغ من العمر 15 عاماً)، بأنه <يعمل في هذه المهنة منذ 4 سنوات، وكل شيء إرتفع ثمنه، لذلك رفعنا السعر، فيما والده يعمل <حكيم أسنان> (يركّب وجبات لمن يرغب)، وإن كان <النور> يبرعون في المهنتين، ويتميزون بتركيب <السن الذهبي>، لكن في عصر التقشف والتطور تغيب تلك الأسنان، وإن حافظت مهنة مسح الأحذية على رونقها، بل واكبت التطور وإن على بساطته>··

وبالحديث عن عمل والدة ابراهيم يوضح بأنها تبيع البضائع، فيما أسرته المؤلفة من أربعة أشقاء يعملون في مهن متعدة، ويتنقلون بين لبنان وسوريا ابتغاء الرزق·

تحديد النسل! بدوره عبد العلي خليل يشير إلى <أن أسرته تتكون من ثلاثة أخوة، حيث يبدو أن تحديد النسل وفكرة الأسرة المصغرة قد طاول <النور> أيضاً، وربما السبب في ذلك الظروف الإقتصادية، أو دوام الترحال المتسارع كسباً للعيش، رغم أن العنصر البشري هو الأساس في عملهم، وكونهم يعملون في أي شيء يعطي دخلاً>·

ويقول: نأتي إلى لبنان في فصل الشتاء للعمل في مسح الأحذية، لأن الواقع هنا أفضل، لكننا في الصيف نعمل في سوريا، حيث نستفيد من السائحين الذين يدفعون مبالغ جيدة، وأنا أعمل في هذه المهنة منذ 8 سنوات، والحمد لله نتحرك بحرية، بعدما كانت البلدية في السابق تلاحقنا وتحتجز صناديق رزقنا، ولكن اليوم الوضع أفضل·

أما الصبية الذين يسعون لبيع بعض المنتوجات عند الإشارات، فيرفضون الكلام ويهربون من عدسة الكاميرا، كي لا تتم ملاحقتهم، وهمهم اللحاق بلقمة عيشهم·

يبقى أن مهن الكسب السريع، مرهونة بمدى تقبّل الناس لها، وقبول الآخرين للدخول فيها، لكن حياة هؤلاء، وإن كثرت حولها الأقاويل، تبقى بسيطة وتفتح الباب لكل راغب في المعرفة··

سامر زعيتر SZ@janobiyat.com

تعليقات: