استعادة ثلاثة ملايين ومئة ألف متر مربع من الأراضي نتيجة الترسيم

جندي لبناني يفكك لغماً على الحدود مع فلسطين المحتلة
جندي لبناني يفكك لغماً على الحدود مع فلسطين المحتلة


الجنوبيون يتطلعون إلى استعادة بقية حقولهم من الاحتلال الإسرائيلي..

بنت جبيل :

تحدث بيان صادر عن مديرية التوجيه في الجيش اللبناني منذ أيام قليلة عن استعادة حوالى ثلاثة ملايين ومئة ألف متر مربع من الأراضي اللبنانية التي كانت إسرائيل قد احتلتها عبر اعتداءاتها الكثيرة لبنان. وأكد بيان الجيش انه سيتم تسليم هذه أراضي إلى أصحابها بعد تنظيفها من الألغام.

ويقع الجزء الأكبر من الأراضي المستعادة في خراج بلدة علما الشعب الحدودية، فيما تمــتد المساحة الأخــرى ما بين منطقة اللــبونة في خـراج الناقورة حتــى قبالة يارين.

ويشير العميد محمد فهي مسؤول عمليات نزع الألغام في الجيش اللبناني إلى أن الأراضي التي استعيدت بدأ تسليمها فعليا إلى مالكيها منذ اللحظة الأولى لاستعادتها بعد التأكد من خلوها من الألغام والأجسام المشبوهة. ويؤكد العميد فهمي انه فور استعادة هذه الأراضي بدأت فرق نزع الألغام في الجيش اللبناني بعمليات المسح والبحث عن أي أجسام غريبة حيث يتم التأكد من خلو أي قطعة ارض من الألغام ومن نظافتها ويجري تسليمها فورا إلى أصحابها. والألغام الموجودة هي مضادة للآليات والأفراد، وقد زُرعت تدريجاً ابتداءً من العام 1948، لكنها زادت خلال 22 عاماً من الاحتلال.

أما مشاريع شق الطرقات إلى هذه الأراضي فستأتي في مرحلة لاحقة، كما أشارت مصادر متابعة تحتاج إلى لقاءات تنسيقية مع الأجهزة اللبنانية المعنية، من وزارة أشغال ومجلس الجنوب والبلديات بالإضافة إلى الجيش اللبناني لأنها قد تحتاج إلى مراسيم استملاك لشق الطرقات.

يشار إلى أن عمليات التحقق من نقاط الاحتلام على الخط الأزرق قد بدأت مطلع العام 2006، بعد الحديث عن تغيير في تلك النقاط من قبل اليونيفل والجيش الإسرائيلي. وتتولى فرقة من الكتيبة الصينية عمليات المسح الحدودي بالتنسيق والمراقبة من الجيش اللبناني.

ويتم اعتماد نظام «الجي بي اس» في هذه العملية نظرا لقدرة هذا الجهاز على تحديد نقاط «اليو تي ام» لإحداثيات خطوط الطول والعرض، وبهامش خطأ لا يتجاوز السنتمترات القليلة.

ولمناسبة الحديث عن الأراضي المستعادة، تنشر «السفير» تحقيقاً عن أراضي اللبنانيين الزراعية والبور التي قضمتها إسرائيل بدءاً من 1948 ولغاية آخر عدوان عسكري في العام 2006.

لا يزال الحاج «ابو محمد» برغم سنواته التسعين محافظا على تقليده اليومي بزيارة قطعة ارضه الحدودية التي ورثها عن اجداده في عيترون. فارق المعول يديّ «الختيار» المشققتين منذ سنوات، الا انه لم يشبع بعد من تمتيع نظره برؤية الأرض التي حرم منها لعقود طويلة قبل التحرير. لقصة أبي محمد عشرات، وربما مئات القصص المماثلة التي حيكت على طول خط النار مع العدو الإسرائيلي، من الناقورة غربا وحتى مزارع شبعا المحتلة شرقا. كما ان لمثل هذا الرجل التسعيني عشرات آخرين ممن لم يتعرفوا إلى تراب أراضيهم التي ورثوها عن أهلهم بعد، دون أن يتمكنوا حتى اليوم من وضع أقدامهم فيها.

وأبو محمد هو واحد من أصحاب الأراضي الذين طردتهم قوات الاحتلال الاسرائيلي من اراضيهم في عيترون في صبيحة يوم من العام 2007، بحجة ان الاراضي التي كانوا يزرعونها تعود ملكيتها «لدولة اسرائيل» بحسب الرد الاسرائيلي على الاستفسار الدولي يومها. وفتحت الحادثة ضرورة إعادة تحديد نقاط الاعتلام الحدودية بين لبنان وفلسطين المحتلة والتي كانت ضاعت بين عمليات القضم الاسرائيلي المتوالية، والاحداث الامنية ومرور الزمن.

أما القصة فتتلخص «بقيام الجنود الاسرائيليين المتمركزين في موقع عريض الهوى مقابل عيترون باطلاق النار من فوق رؤوس المزارعين ومنعهم من الاقتراب من اراضيهم التي اعتادوا على زراعتها. وتبين لاحقا ان عناصر من الكتيبة الصينية التي كانت تتولى عملية تجديد نقاط الاعتلام الحدودية للخط الازرق مع فريق من ضباط مراقبي خط الهدنة قاموا بوضع براميل زرقاء جديدة كنقاط حدودية نتج عنها اقتطاع حوالى ستين ألف متر مربع من اراضي البلدة البالغة مساحتها ثمانية ملايين متر مربع تقريبا».

وهكذا بدأت قصة اعادة تجديد وتحديد جميع نقاط الاعتلام على طول الخط الازرق الممتد من الناقورة غربا وحتى مزارع شبعا شرقا، باستثناء منطقتي المزارع وقرية الغجر المحتلة.

الحدود اللبنانية

وتحفظات الانسحاب

قد يكون لبنان يمتاز بكثرة الخطوط الحدودية التي تفصله عن فلسطين المحتلة، حيث ان ما يعرف من خطوطه تلك الممتدة على طول حوالى 123 كلم، ثلاثة خطوط للحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وهي غير متطابقة في بعض النقاط. الأول هو خط الحدود الدولية، بموجب اتفاقية بوليه ـ نيوكامب عام 1923، والثاني هو خط الهدنة المعتمد بموجب اتفاقية الهدنة عام 1949 وهو مطابق للحدود الدولية، والخط الازرق غير المطابق بدوره للحدود الدولية والذي رسم عام 2000 بعد الاندحار الاسرائيلي عن جنوب لبنان وقد سمى بخط الانسحاب وليس الحدود لوجود عدد من التحفظات اللبنانية على بعض نقاطه.

وقد جرى تحديد هذه الخطوط بمعالم ونقاط اعتلام بلغ عددها 143 معلما موزعة على طول 123 كلم، طول الحدود الفاصلة مع فلسطين المحتلة.

وبرز إلى التداول مؤخرا تعبير الخط التقني الذي يعرفه مصدر دولي بانه الشريط الشائك الفاصل بين الحدود اللبنانية و»الاسرائيلية»، وهو يتطابق بشكل كلي مع الخط الازرق وقد يختلف عنه في بعض النقاط، وشيدت إسرائيل هذا الخط بعد انسحابها عام ألفين لضبط حدودها، حيث اضطرت احيانا لبناء اقسام منه بعيدة عن الخط الازرق داخل الاراضي الفلسطينية لدواعٍ امنية».

اما التحفظات الرسمية التي سجلها فريق التأكد من الانسحاب عام الفين، والذي كان برئاسة العميد امين حطيط، فهي ثلاثة بحسب ما وردت في كتابه «صراع على ارض لبنان».

وأشار حطيط إلى أن التحفظ الاول هو عند النقطة bp16، في خراج بلدة رميش، وقد وضع الفريق الدولي تلك النقطة داخل الاراضي اللبنانية بعمق مئة متر تقريبا، وعندما جمعت هذه النقطة مع المعلمين السابق واللاحق نشأت منطقة مقتطعة داخل الاراضي اللبنانية على شكل مثلثين متصلين.

وحدد التحفظ الثاني في المنطقة الواقعة بين مسكاف عام في فلسطين المحتلة، والعديسة في لبنان وهو يمتد بطول 3200 متر وبعمق يتراوح بين 150 و200 متر.

ويقع التحفظ الثالث في المنطقة الواقعة جنوب مستعمرة المطلة المحتلة وقد خسر لبنان جراء ذلك 90 مترا بالاضافة الى طريق ترابي بطول 3200 متر وعرض متر ونصف.

وقضم مستمر

ليست عمليات القضم الاسرائيلي بالاعتداءات الجديدة على الجنوبيين، فهناك آلاف الدونمات من الاراضي الزراعية والحرجية لا تزال تحت الاحتلال من قضم، وألغام، وترهيب. وعلى طول القرى الحدودية يتناقل المزارعون القصص عن قطع الاراضي التي فقدها اهلها نتيجة الالغام او المناطق العازلة او الترهيب الاسرائيلي.

ويشير علي مواسي الى أن هناك حوالى 15 الف متر مربع من الاراضي جرى قضمها في محلة درب قدس وجل الست والكيلو بالإضافة إلى أربعة آلاف متر مربع اقتطعتها اسرائيل سابقا في خربة المحافر مع تجريفها وسلب التراب الاحمر منها». ويحمّل مواسي الدولة اللبنانية واليونيفل مسؤولية استرجاع الأراضي المصادرة وإعادتها إلى أصحابها الشرعيين.

ويتحدث الاهالي في عيترون عن برميلين ازرقين تفصل بينهما مسافة بطول ثلاثمئة متر وعرض مئة متر داخل الاراضي اللبنانية، وبعيدا عن خط الحدود الدولية، وأدت هذه العملية الى قضم حوالى عشرة آلاف متر مربع من الاراضي المشرفة على موقع عريض الهوى الاسرائيلي.

ويؤكد الياس مخول، من بلدة رميش الحدودية، عمليات القضم الاسرائيلية للاراضي حيث طالت الاعتداءات اراضي تقع جنوب البلدة بمساحة تبلغ مليوني متر مربع، تعود ملكيتها الى عائلات العميل والغنام والحاج، وهي مزروعة بأشجار الصنوبر وشتلات التبغ. ويشير مخول إلى أن تلك الأراضي كانت تشكل امتدادا لبلدة رميش حتى العام 1978، وكان الاهالي يقصدونها لجمع الحطب.

ويتحدث فايز سرور عن عشرات الدونمات التي ورثها عن جده خلف موقع الراهب الحدودي، حيث انه، كما يذكر، كانوا يستطيعون تجاوز التلة التي اقيم عليها الموقع الى السفح المقابل لها مقابل فلسطين المحتلة، وقد زرعت الأرض بالزيتون والتين، ولطالما اصطحبه جده إلى تلك الأراضي قبل أن تقضمها القوات الإسرائيلية. ويشير سرور الى أنهم، أثناء عمليات الترسيم في العام ألفين، اجتمعوا بالفرق اللبنانية والدولية واطلعوهم على المستندات التي كانوا يملكونها من دون أي نتيجة.

كما يشير مختار بلدة يارون عطا سلوم الى وجود حوالى 150 دونما كانت إسرائيل قضمتها خلال احتلالها للاراضي اللبنانية على مدى خمسة وعشرين عاما. وقال المختار غشام ان لديه اوراقا ثبوتية وصكوك ملكية لهذه الاراضي المحتلة «كما ان عملية الترسيم في العام الفين أظهرت ذلك». لكنه لم يعرف سبب عدم اعتمادها من قبل اللجنة اللبنانية.

وغابت أخبار القرى السبع عن التداول الاعلامي والرسمي في لبنان التي تقدر مساحتها بنحو 105 آلاف دونم منها 10500 دونم داخل الأرض اللبنانية، وكان سكانها 5400 نسمة في عام 1948 و33 ألف نسمة عام 1998، وفقا لإحصاء وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم «الأونروا». وتعد هذه القرى من الناحية الجغرافية قوسا يبدأ من آبل القمح شرقا وينتهي في طربيخا غربا، وتمتاز بموقعها الجغرافي المطل على لبنان وفلسطين.

وهي آبل القمح أو مرج القمح اسمها اليوم مستعمرة يوشاف يوفال، مساحتها 17 ألف دونم، هونين وتسمى الآن مستعمرة موشاف مرغليوت ومساحتها 14 الف دونم، النبي يوشع، صارت مستعمرة حتسودت يوشع، ومساحتها 3600 دونم، قدس صارت مستعمرة يفتاح قدش، مساحتها 14200 دونم، مستعمرة المالكية، مساحتها 7300 دونم منها 35 دونما في لبنان، صلحا: صارت مستعمرة بيرون، مساحتها 1700 دونم منها 450 دونما داخل الأراضي اللبنانية، طربيخا حيث أقام الاحتلال الإسرائيلي مكانها ثلاث مستعمرات هي: شوفرة ومزرعيت وشتولا ومساحتها 35 ألف دونم.

كما خسر لبنان بين توقيع اتفاقية الهدنة عام 1948 واتفاقية القاهرة عام 1969 مئات آلاف الدونمات موزعة على قرى ميس الجبل 25 ألف دونم، منها 15 ألف دونم زراعية والباقي أحراج بليدا: 22 ألف دونم، حولا: 350 دونما، كفركلا: أراض منوعة، مرتفع استراتيجي حرجي يعرف باسم المرتفع 237، ويشرف على نقطة رأس الناقورة الساحلية من الشرق، مرتفعات كفرشوبا في منطقة العرقوب وما تزال محتلة، مزارع شبعا المحتلة، مرتفعات جبل الشيخ الجنوبية المشرفة على الجولان وفلسطين، مزارع قرية عديسة، خراج بلدة الرامية، 500 دونم من بلدة بليدا و22 ألف دونم سبق أن احتلت عام 1948، مئة دونم تابعة لقرية حولا و350 دونما احتلت عام 1948، أراضي تابعة لبلدة كفركلا بالإضافة إلى ما احتل عام 1948.

وأشار العميد امين حطيط سابقا إلى انه بعد تجميع المعطيات تبين ان لدى اسرائيل نية لانشاء شريط مواز للحدود الدولية ويبتعد عن الخط الازرق، ومنطقة عازلة داخل المناطق اللبنانية بعمق يتراوح بين 50 و100 متر، والى 500 متر وكيلومتر في مناطق اخرى.

احتلال من نوع آخر

الا ان هناك قسما واسعا من هذه الاراضي لا يزال يرزح تحت نوع آخر من الاحتلالات يمنع استغلالها حيث ان عشرات الكيلومترات من الاراضي طولا، وعرض يتراوح بين امتار قليلة كالحال في كفركلا وعديسة مثلا، وعشرات الامتار في بعض المناطق في عيترون ويارون ومارون الراس يوجد بين ترابها اكثر من 250 الف لغم ارضي تشكل خطا ناريا فاصلا بين لبنان وفلسطين المحتلة حيث اختارت القوات الاسرائيلية زرع تلك الالغام داخل الاراضي اللبنانية وليس في أراضيها. ويشكل تواجد هذه الالغام حائلا كبيرا امام استكمال عملية التحرير من جهة وامام زراعة هذه الاراضي من جهة أخرى، وهي تشكل خطرا دائما على حياة الاهالي حيث سجل مؤخرا العديد من الحوادث نتيجة كان آخرها استشهاد احد ابناء بلدة رامية اثناء رعايته قطيعه كما جرفت الامطار نهاية الشتاء الفائت عشرات الالغام في بلدة العديسة الحدودية ما ادى الى بتر رجل حصان يعود لاحد ابناء البلدة فضلا عن اصابة حقول المنطقة بداء تلوث الالغام. وتشير مصادر دولية الى انه «لم يكن بالامكان ادراج هذه المناطق ضمن عملية التضامن الاماراتي لنزع الالغام التي حصلت في الجنوب بسبب الممانعة الاسرائيلية حيث تعتبر هذه الحقول مانعا امام تسلل العناصر العسكرية الى الداخل الاسرائيلي، كما انها تبقى ورقة للتفاوض السياسي في حال العودة الى محادثات السلام»، لذلك تتابع تلك المصادر «ان تنظيف الحقول الموجودة بمحاذاة الخط الازرق يقتصر على الحاجات العملانية لقوات اليونيفيل، حيث تقوم الوحدة الصينية وقبلها الاوكرانية بتنظيف الطرقات التي تسلكها تلك القوات والاماكن المحيطة بنقاطها العسكرية وذلك بالتنسيق مع الحكومتين اللبنانية والاسرائيلية».

ويؤكد قائد إحدى الوحدات في الامم المتحدة المكلفة إزالة الألغام أن معظم الخرائط التي حصلت عليها وحدته من القوات الإسرائيلية هي غير دقيقة، ويلفت إلى أن حقلا مساحته 800 متر مربع قرب منطقة المنارة اللبنانية، أزالت منه وحدته 83 لغما أرضيا ضد الأفراد. وهناك عشرات الحقول على امتداد 123 كيلومترا في المناطق الجنوبية تخبئ عشرات الألوف من الألغام التي زرعتها إسرائيل في محيط مواقعها أو على جوانب الطرق القريبة من الحد الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة (تقول بعض الدراسات ان لكل ستة أطفال في لبنان لغما مخبأ تحت الأرض، إنما في الجنوب اللبناني هناك ستة ألغام لكل طفل جنوبي).

ووفق المعلومات المتوفرة، يتبين ان اسرائيل قد زرعت 500 الف لغم ارضي في لبنان، خلال فترة احتلالها. كما انها القت خلال الايام الثلاثة من حرب تموز ملايين القنابل العنقودية، موزعة على 368 موقعاً، بمساحة مقدارها 64 مليون متر مربع، تشكل نسبة الاراضي الزراعية منها 26 في المئة. علماً بان الالغام الارضية تشغل مساحة 63 مليون متر مربع. ويوجد القسم الاكبر منها عند الخط الازرق الذي تم وضعه في اعقاب الانسحاب الاسرائيلي عام 2000. و»دولة اسرائيل» تمانع في نزع الالغام المزروعة في المنطقة المذكورة.

من ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة
من ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة


تعليقات: