بري وعون نحو الاتفاق... و«حزب الله» يتفهم متطلبات معركة «الجنرال»

عماد مرمل
عماد مرمل


مشكلة «الحمولة الزائدة» تواجه تحضيرات الموالاة والمعارضة للانتخابات..

من الواضح ان المقاعد النيابية الـ128 لا تتسع للاحجام الفضفاضة للموالاة والمعارضة، ما جعل الطرفين مضطرين بالدرجة الاولى الى البحث عن حل لمشكلة «الحمولة الزائدة» لدى كل منهما، قبل ان يواجه أحدهما الآخر في الدوائر الانتخابية، وخصوصا الحساسة منها.

وبهذا المعنى، تشهد صفوف الفريقين في الوقت الحاضر ما يشبه «التصفيات التمهيدية» المؤهلة للانتقال الى الدور الثاني من المنافسة، والمتمثل في اللوائح الانتخابية النهائية التي تواجه طلبا زائدا على الدخول اليها في حين ان سعتها محدودة، ما يعني ان ضحايا «الغربلة» هنا وهناك سيكونون كثرا، وبالتالي فإنه من المتوقع ان تترتب على عملية «تشذيب» الترشيحات «أضرار جانبية» واسعة قد تصيب أسماء بارزة، مهما بلغت براعة «اولياء الامر» عند الجانبين في إدارة اللعبة.

وبرغم محاولات كل معسكر التكتم على أوجاع مخاضه الداخلي والسعي الى إظهار أكبر قدر ممكن من التماسك، إلا ان التباينات والتناقضات الكامنة داخل الصف الواحد بدأت تطفو تباعا على السطح، معبرة عن ذاتها بأشكال مختلفة. وما يزيد الطين بلة ان المنافسة الحادة تفشت داخل الحزب الواحد او التيار الواحد بفعل الشهية المفتوحة لدى الكثير من الكوادر والقيادات على خوض الانتخابات.

ولئن كانت هذه الخصوبة في الطموحات والترشيحات هي علامة صحية تؤشر الى مناخ ديموقراطي، إلا ان منحى التنافس داخل التنظيم او الاتجاه الواحد يتخذ أحيانا طابعا قاسيا، ينسحب أيضا على التجاذب الحاصل بين القوى الحليفة التي يتكون منها كل من فريقي 8 و14آذار، مع ما يفرزه ذلك من فتور وتوتر في العلاقات البينية بين قيادات اللون السياسي الواحد.

وإزاء هذا الواقع، تؤدي القوى المحورية داخل كل معسكر دورا حيويا في تنظيم المعركة وترتيب التحالفات، كما هي الحال على سبيل المثال بالنسبة الى «حزب الله» الذي يبذل جهودا مضنية للتوفيق بين المتطلبات المتناقضة لبعض حلفائه في المعارضة.

يدرك الحزب ان اللوائح التي يعمل على إنضاجها بالتنسيق مع اصدقائه وحلفائه لا تتسع لحيوية المعارضة، وبالتالي فهو يعلم ان تشكيلها بطريقة تجعلها مؤهلة للفوز في الانتخابات سيحتاج الى تضحيات من قبل البعض ربما تكون مؤلمة، لكن الحزب يدعو في الوقت ذاته الى عدم المبالغة في قراءة دلالات الحراك الحاصل داخل صفوف المعارضة، ناصحا بوضعه في إطاره الطبيعي الذي لا يتجاوز حدود الاجتهادات الانتخابية، الخاضعة للسيطرة، والقابلة للمعالجة.

ولعله لم يعد خافيا ان تركيب التحالفات يواجه تعثرا على مستوى العديد من الخطوط، ابرزها:

خط الرئيس نبيه بري ـ العماد ميشال عون (قضاء جزين وربما بعبدا).

خط العماد عون ـ الحزب السوري القومي الاجتماعي (قضاء المتن).

خط الرئيس بري ـ الحزب الديموقراطي اللبناني برئاسة الوزير طلال ارسلان (قضاء حاصبيا).

خط العماد عون ـ الوزير ارسلان (قضاء بعبدا).

خط الوزير ارسلان ـ رئيس تيار التوحيد وئام وهاب (الدوائر المتضمنة لونا درزيا).

يسعى «حزب الله» الى توظيف «حضوره القيادي» في فريق 8 آذار من أجل التقريب بين المقاربات المختلفة بخصوص تركيب اللوائح، ولا سيما في الدوائر التي يتمتع فيها بثقل شعبي وسياسي. وتؤكد اوساطه ان الاتصالات التوفيقية قد سجلت تقدما كبيرا على أكثر من محور انتخابي، كاشفة في هذا المجال عن ان التباين بين بري وعون حول مقاعد جزين والزهراني يقترب من النهاية السعيدة، بعدما تم الاتفاق على الاسس والمبادئ التي ستعتمد في اختيار المرشحين الى هذه المقاعد، «أما التفاصيل فتوضع اللمسات الاخيرة عليها».

وتلفت الانتباه الى ان بري يتفهم متطلبات المعركة التي يخوضها عون والحيثية التمثيلية للتيار في منطقة جزين، وبالتالي فهو سيتصرف بما تقتضيه العوامل المشار اليها، جازمة بأن حرص رئيس مجلس النواب على دعم رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» لا يقل شأنا عن حرص «حزب الله»، «والايام المقبلة ستثبت ذلك».

أما في ما خص مطالبة الحزب السوري القومي الاجتماعي بمقعد له على لائحة عون في المتن، فإن المعلومات تفيد بأن المشاروات جارية لحلحلة هذه العقدة، على قاعدة ان حصة «القومي» محفوظة في الجنوب والبقاع برغم انه لا يتمتع فيهما بقاعدة شعبية واسعة، ما يعني انه يجب ألا يتمسك في المقابل بمرشح له على لائحة عون المتنية إذا اقتضت الضررورات ذلك، وتوحي المؤشرات بان «القومي» قد يجد في نهاية المطاف انه لا بد من تفهم هذه المعادلة والتجاوب معها.

وبالنسبة الى حاصبيا، تبين للوزير ارسلان ان هناك صعوبة في حصول حزبه على مقعد النائب انور الخليل المنتمي الى كتلة التنمية والتحرير، وكذلك الحال بالنسبة الى المقعد السني الذي سيبقى لممثل حزب البعث قاسم هاشم، بعدما كان ارسلان يطمح الى منحه لأحد قياديي الحزب الديموقراطي.

وبالوصول الى دائرة بعبدا، عُلم ان عون يتجه الى اختيار إحدى الشخصيات من آل الاعور لعضوية لائحته عن المقعد الدرزي، استنادا الى ان العائلة تحظى بحضور قوي في المنطقة، وهي تتمتع بشرعية شعبية وتاريخية لملئه، الامر الذي يقود تلقائيا الى الافتراض ان إمكان التعاون بين الجنرال وارسلان بات محصورا بأحد المقاعد المارونية.

ولعل المهمة الاصعب هي التوفيق بين المتطلبات الانتخابية لكل من ارسلان ووهاب، مع الاشارة الى ان هناك وجهة نظر في المعارضة تقول بانه من الافضل ان يخوض وهاب معركته في منطقة الشوف التي ينتمي اليها، بمعزل عن النتائح المتوقعة منها، على ان تقف المعارضة بكل قواها الى جانبه، تماما كما ستفعل مع الرئيس عمر كرامي في طرابلس والوزير عبد الرحيم مراد في البقاع وغيرهما.

لكن، بموازاة ما سبق، تشير مصادر قيادية في المعارضة الى ان الامور تسير على ما يرام في الاماكن الاخرى، مشددة على ان الاولوية تبقى لتأمين كل مقومات النجاح للعماد عون في معركته، وخصوصا ان المواجهة التي سيخوضها ضد خصومه ستكون الفيصل في تحديد هوية الاكثرية البرلمانية الجديدة.

وتلفت الانتباه الى ان موافقة المعارضة وخصوصا «حزب الله» وحركة «أمل» على جعل القضاء دائرة انتخابية، إنما انطلقت أصلا من رغبة مشتركة لديهما في إراحة عون، وهما لن يترددا في استكمال ما باشرا به في الدوحة، وصولا الى المساعدة في نسج التحالفات التي تملك قابلية لتحقيق الانجاز في السابع من حزيران المقبل.

تعليقات: