في بيت ياحون مداخن تعود لمئة عام.. رفيقة سهرات الشتاء

جلسة عائلية حول موقد ابو ابراهيم
جلسة عائلية حول موقد ابو ابراهيم


بنت جبيل:

لكل زمان قصصه وحكاياته، تمحو الايام وتوالي السنين الكثير من تفاصيلها، وتبقى بعض مشاهد وذكرى عالقة في الذكريات، تحكي عن ناسها وأهلها، عن البيادر والبيّارات في الحقول، عن البيوت ودواخينها.

لداخون البيت ذكرى من ذكريات اهالي بيت ياحون الذين عرفوه وذاقوا حلاوة دفئه في صقيع الأيام الخوالي، ذكرى لا يمكن للصوبيا أو المدفأة ، أو حتى «الشيمينيه» أن تمحي صورها من مخزون الحاج ابو ابراهيم مكي. أصر أبو إبراهيم أن يرمم داخونه الذي اصابه ما اصاب بيته جراء عدوان تموز 2006، وأبى وما يزال أن يستبدله بأي وسيلة حديثة للتدفئة.

و»الداخون»، بحسب الحاج مصطفى فضل الله، عبارة عن موقد كان يبنى في زاوية الغرفة بعد بناء مسرب للدخان بعلو حوالى 40 سنتيمتراً، يثبت على جنبي الحائط او الزوايا. وكانت الحجارة الصلبة تستعمل في بناء الموقد بينما يستعمل الطين الناري في بناء الداخون، الذي كان له نظام تهوئة خاصة منعاً لاختناق النار او تسرب الدخان الى الغرفة. ويشير الحاج إلى أن الكثير من العائلات كانت تبني الداخون أحيانا في المطابخ ليستعمل للطهي ويأتي استعماله لهذه الغاية في المرحلة الفاصلة بين موقد الحطب التقليدي وانتشار استعمال الغاز او الكاز.

اما عن حكاية الداخون، فهو مضرب المواعيد اليومية في ليالي الشتاء الباردة والموحشة، وكان شكله وطريقة بنائه وحجمه تدل على الحالة الاقتصادية لصاحبه، وقد قيل للتدليل على الكرم «داخونه لا ينطفئ»، كما كان لبنائه اصول وفنون بين اصحاب الكار تعتمد بشكل اساسي على المتانة وطول العمر.

والداخون في هذه الايام «القليلة البركة» وسيلة توفير اقتصادية، فيمكن حرق اي شيء فيه، وكل ما يحتاجه ابو ابراهيم «شوية اشابير من الحطب اليابس وتوقد النار»، وبعد ذلك يمكن رمي اي شيء فيه من أوراق أو كراتين فضلات قمامة المنزل والحطب اليابس من بقايا الاشجار التي يجري تشحيلها دورياً والتي تُجمع في زوايا الدار او اي مكان مخصص لها».

ويشير الحاج ابو ابراهيم البالغ 90 عاماً من العمر، الى «أن الداخون أصيب بأضرار بالغة في حرب تموز 2006 ، الا انني قمت بترميمه على الطريقة القديمة نفسها وهي التي تعلمتها منذ عشرات السنين من والدي رحمه الله». ويتمسك أبو إبراهيم بأهمية الداخون داخل البيت، لأنه يبعث الدفء والحماوة في كافة ارجاء المنزل، وينير عتمة الغرفة عندما تكون الكهرباء مقطوعة. ويشير الحاج إلى أن «بناء مداخن بيت ياحون يعود لأكثر من مئة عام، واليوم اصحاب القصور والفيلات الجديدة يعمدون لإنشاء دواخين داخل صالوناتهم مشابهة لتلك الموجودة في البيوت القديمة، ولكن بالاسمنت الجديد، وهذا ما يؤكد أهميتها». ويشير أبو إبراهيم إلى أن العديد من البيوت العتيقة في بيت ياحون بدأت تفقد شيئاً فشيئاً دواخينها، بسبب الإهمال وغياب أصحابها، والدواخين القديمة تحتاج إلى رعاية دائمة و»تطيين»،أي طلائها بالتراب ألأبيض وسد الثغرات التي يمكن أن يحدثها الطقس وتسرب مياه الامطار، حيث تمتد وتتعاظم بعد تركها وعدم استعمالها وبالتالي إهمالها». ولهذا «الداخون» حكاية ما تزال تتجدد كل اسبوع، فيروي ابو ابراهيم انه يجتمع في أمسيات أيام الشتاء مع اصدقاء العمر خلف نار «الداخون»، ويتناولون بأحاديثهم تاريخ الضيعة وأياماً قد خلت، ولا تخلو الجلسة من النقاشات السياسية طبعاً وبعض العتابا والميجانا.

اما في السهرات العائلية فللحاج والحاجة نصيبهما في المجالس الليلية، حيث يحلو السهر على انغام «فرقعة» النيران التي تبعث الدفء في الجسم وأرجاء المنزل، وتكون ثمرة الشتاء «الكستناء» وهي الأساسية على مائدة السهرة فيحملها الحاج للحاجة التي تشويها فوق جمر الداخون ليتسليا. تقشر الحاجة الكستناء وتقدمها «لأنها طيبة على نار الداخون، وإن شاء الله الف صحة».

تعليقات: