حياة «عرب الوزاني» كما ترويها نساؤه


الوزاني ـــ

«لا أريد سيارة، ولا أحلم بالسكن في فيلا. كلّ ما أتمناه عمل متواضع يؤمن لي معيشتي». ليست هذه جملة عابرة تلقيها نور (19 عاماً) بل هي تمثّل محور حديثها الذي كانت تحاول من خلاله التعريف بواقع العرب الرحّل.

نور واحدة من السكان المقيمين في خيم عند أطراف سهل الوزاني. وقد اعتاد أهل المنطقة تسميتهم بـ«عرب الوزاني»، الذين يفدون موسمياً للعمل في سهل مرجعيون الذي يوفّر إنتاجاً وفيراً ويجذب كبار المزارعين لاستثمار مساحات واسعة.

الطريقة التي نصبت فيها خيامهم، لتقيهم برد الشتاء، تدلّ إلى تقسيمات معينة اعتمدوها في ما بينهم. ولا يسع الداخل إلى المكان ملاحظة عدد الصحون اللاقطة لمحطات التلفزة عند مدخل كل خيمة. ويمكن من خلال زيارة كل واحدة منها الخروج بحكاية مختلفة عن الأخرى، تضيء على واقع هؤلاء... وأحلامهم.

تحكي نور، بحضور عدد من أفراد عائلتها عن حياتها. تقول إنها سورية من مدينة الرقة الواقعة عند الحدود التركية. تركت المدرسة باكراً وتعمل حالياً في الزراعة بأجر يومي قدره سبعة آلاف ليرة. تعرّف عن نفسها بأنها من العرب البدو، «نتنقل بحثاً عن عمل لتأمين لقمة العيش. حياتنا صعبة وفيها الكثير من المرارة والبهدلة. كلّ خيمة هنا تضم عائلة من تسعة أو عشرة أفراد، بينهم أطفال رضّع. ما ذنب هؤلاء الأطفال؟ لا يملكون مستقبلاً ويدفعون ثمن أخطاء أهلهم؟».

لذلك، تجزم بأنه «إذا أراد أحدنا الزواج وإنجاب الأطفال، فعليه أن يملك القدرة أولاً». تحكي عن نفسها: «أنا أتمنى أن أكون مثل زميلاتي بنات جيلي. أفكر بالحرية والزواج من شاب متعلم، لكن حلمي صعب المنال لأنني غير متعلمة، إضافة إلى أن عاداتنا لا تسمح للفتاة بالخروج من المنزل، وفي هذه الحال أفضّل عدم الزواج وإنجاب الأطفال كي لا يواجهوا البؤس والحرمان الذي نعيشه». تختم الفتاة بالقول: «يا ريت أهلي سموني ظلام بدل نور».

بتول (18 عاماً) لم تفكر كجارتها. هي، رغم صغر سنها، متزوجة وأم لثلاثة أولاد، تمضي يومها في تحضير وجبات الطعام ورعاية الأطفال. تقول: «كثيرون هم الأولاد الذين يضطرون لترك مقاعد الدراسة والعمل في سن مبكرة بدافع الفقر والحاجة أو غياب الوعي عند الأهل والاعتقاد أن تعلم مصلحة أفضل من الجلوس على مقاعد الدراسة ونيل الشهادات».

أما أم خليل (50 عاماً) فتعرض لزاوية مختلفة من المعاناة حين تقول: «في فصل الشتاء لا نتقاضى أجراً مقابل عملنا». هي واحدة من أسرة مؤلفة من 10 أفراد «نعمل جميعنا من كبيرنا إلى صغيرنا لكي نعيش. لم يعرف الأولاد المدرسة يوماً بسبب الظروف المادية الصعبة، إضافة إلى أننا نتنقل على الدوام من حدود تركيا حتى حدود فلسطين بحثاً عن لقمة العيش». برأيها، الهم لا يميز بين صغير وكبير «لكلّ منهما ظروفه، لكنهما يحتاجان للعمل من أجل أن يؤمنا حياتهما. ومن يعمل في سن مبكرة يوفر على حاله ويرتح في عمر مبكر».

«اليونيفيل» تسلية الأطفال

قد يكون الأطفال العاملون في الحقول أكثر من يلفت انتباه المارّة. حياة البدو القائمة على التنقل بين بلد وآخر بحثاً عن عمل، تؤثر سلباً على الأطفال الذين يحرمون من المدرسة ويدخلون سوق العمل في عمر مبكر.

يعمل هؤلاء برفقة ذويهم، ولا تربطهم علاقات صداقة مع أبناء القرى المجاورة. لكن هذه العزلة دفعتهم للاحتكاك بدوريات قوات الطوارئ الدولية المتجولة وإلقاء التحية عليها. تراهم يستوقفونها كل يوم، ويبادر الجنود إلى تقديم ما بحوزتهم من حلوى ومرطبات يتلقفها الأطفال بلهفة ملحوظة، وخصوصاً أنهم محرومون منها.

تعليقات: