هذا هو الحلّ الوحيد مع ميشال عون يا صاحب الغبطة...

البطريرك صفير
البطريرك صفير


... مشكلتك يا صاحب الغبطة مع ميشال عون أنك تتباين معه في النظرة إلى سوريا وحزب الله؟

فلنفصل هذه المسألة. ولنجعلها جليّة لكل الناس:

فهل يُعقل يا صاحب الغبطة أن تحاور أنت غازي كنعان مداورةً، في سلسلة من ستة عشر لقاءً، فيما هو محتلٌ للبنان، ولا تقبل بمحاورة بشار الأسد مباشرةً، ولو مرة واحدة، وهو خارج أرضنا، وقد أعلن، ولو شكلاً ولفظاً حتى إثبات العكس، أنه تعلّم الدرس من دخوله إلى بلادنا، واستخلص العبر من وصاية نظامه على نظامنا؟

ألم يحصل ذلك؟ بلى يا صاحب الغبطة. وأنت تعرف أنه حصل. وأنت تعرف أنه طُلب منك تسمية ممثّليك لذاك الحوار، وأنت تعرف أنك سمّيت اثنين، أحدهما رفض، للمبدأ والتاريخ، والآخر ذهب وحاور. وأنت تعرف أنّ ثمة وثيقة وضعت ومثّلت أساس الحوار. وأنت تعرف أن لا أحد يجرؤ اليوم على كشف تلك الوثيقة، لأنها تخالف كل أقوال المتغطّين بعباءتك الآن، وكل أفعالهم، وكل تضامنهم الكذبة، معك، وفي ما بينهم. ثم، هل يعقل يا صاحب الغبطة أن تدافع أنت عن حزب الله، يوم كان شعاره زحفاً زحفاً نحو القدس، ثم ترفض وجوده وناسه ونضاله، بعدما أصبح في كلِّيته عند حدود الوطن الكيان؟

ومتى حصل ذلك أيضاً؟ حصل ذلك بعد جلاء الجيش الإسرائيلي عام ألفين، ويوم دافعت عن حزب الله في الداخل والخارج بعد أحداث 11 أيلول 2001، وبعد قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية، وعشية حرب العراق سنة 2003، وحتى في البيت الأبيض في 17 آذار 2005. وأنت من حرص على ملاقاة حزب الله ذاك، ومحاورته، من مونترو في سويسرا إلى اللقلوق... فما الذي تغيّر حين حاوره ميشال عون، وحين التقى معه على عشر نقاط ثوابت، فيها كل ما طالبت به أنت طيلة زمن الوصاية، وفيها كل ما مثّل تطلّعاً لجماعتك ورعيّتك في لبنان ما بعد انهيار التوازن الديموغرافي، وما بعد سقوط وهم التفوّق النوعي، وما بعد اختلال كل مقوّمات الميثاق والوفاق؟

هل كان المقصود يا صاحب الغبطة أن تعطي انطباعاً بأن انفتاحك السابق على دمشق، أو على حارة حريك، كان من باب تقبيل يدٍ لا تقدر عليها، أو من قبيل استفراد الأخصام وخوض معاركهم كلّ على حدة؟

لا أنت يا صاحب الغبطة، ولا موقعك، ولا اعتبارات الاثنين، يمكن أن تكون كذلك. فما الذي حصل إذاً؟

لهذه الأسباب، ولسواها، بات في رعيّتك كلام يا صاحب الغبطة يعتقد أن علّة مواقفك الراهنة منبثقة من لاتسامح شخصي لا غير، إضافة إلى كلام كثير آخر، نربأ بذكره، أو حتى الشك فيه...

يبقى السؤال، ما هي الوسيلة الفضلى لحسم التباين في هذه الحال؟

صاحب الغبطة، جميل كلامك المثالي عن إصرارك على وحدة المسيحيين. حتى إن مسؤولاً غربياً فوجئ، عند زيارتك قبل أسابيع، بسماعه تلك النظرية منك. قلت له إنك لست من القائلين بأنّ توزّع المسيحيين على فريقي الصراع مسألة قد تعود عليهم بالخير، وأنك تصرّ على جعلهم فريقاً واحداً، علماً بأنك أنت ردّدت قبل فترة أن أفضل أيام النظام اللبناني توازناً كانت زمن توزّعه على كتلتين مختلطتين طائفياً: دستورية ووطنية، أو حلف ونهج... لكن المهم، هل ستحقق وحدة المسيحيين المستجدة في تصوّرك، عبر أربعة أو خمسة نواب مستقلين، مهمّشين، في إطار الكتلة الوسطية الشهيرة؟ ألا ترى أن ذلك سيزيد من التوزّع المسيحي؟ وبدل أن يكونوا مجموعتين: أكثرية وأقلّية، وفق منطق الديموقراطية الأكثر بديهية، سيصيرون ثلاث أقليات، ينهبها الآخرون في النظام والحكم، فيضيع ثقلهم ووزنهم ودورهم والموقع؟

ما هو الحل؟ أن تقبل يا صاحب الغبطة بنتيجة الديموقراطية داخل الجماعة المسيحية. فلا نكرر خطأ الانقلاب عليها من الخارج، كما أول التسعينيات، ولا تحايل الانقلاب عليها من الداخل، كما قبل نحو عام. إنه كل المطلوب.

هل تذكر يا صاحب الغبطة الراحل الكبير الأب ميشال حايك؟ قبل انتخابك ومعرفة اسمك ووجهك: كتب إليك أنّ الآتي إلى موقعك سيكون أمام خيار من اثنين: إما أن يترأس دفن المسيحية في هذا الشرق، وإما أن يكون شاهداً لقيامتها. كلام أبونا ميشال قد يكون على موعد المحك، من الآن وحتى 7 حزيران.

تعليقات: