لماذا ترى قوى 14 آذار أن الانتخابات المقبلة مصيرية؟


الانقسام الظاهر عند فريقي 8 و14 آذار إزاء الملفّ الانتخابي، لا يمكن اعتباره مؤشراً إلى انفجارات جدية محتملة لدى أيّ من الفريقين، لأن التدقيق في الخلافات أو الاحتجاجات القائمة يظهر أن القوى الأساسية المكوّنة للتيارين المتنازعين ليست في وضع يجعل المناقشات أو التباينات في ما بينها عنصر تفجير لأسس التحالف القائم، برغم أن من يقترب من الدوائر الضيقة لكل هذه القوى يسمع من الصراخ ما يجعله يعتقد بأن البلاد على شفير حرب أهلية جديدة.

ومع ذلك، يمكن التمييز بين وضع كل من الفريقين، لأن فريق 14 آذار يتصرف على أساس أن معركة الانتخابات المقابلة مصيرية، وأن مستقبله السياسي ككتلة واحدة أو كقوى متفرقة مرتبط بنتائج هذه الانتخابات، وفي هذا الفريق عدد كبير من الفائض السياسي الذي يحتاج إليه الأقطاب الأبرز، أي النائبان سعد الحريري ووليد جنبلاط من جهة، والرئيس أمين الجميّل وسمير جعجع من جهة ثانية، وهذا الفائض أتيح له حجز مقاعد والقيام بأدوار خلال الحقبة الماضية، لكنه توهم أنه يمثل شيئاً بحد ذاته، مثل الرئيس فؤاد السنيورة الذي يعتقد أنه يحتل موقعاً مستقلاً يتيح له القيام بأدوار ولو كان على خلاف مع سعد الحريري، فيما هو يعرف أن بهاء الحريري ابن رفيق الحريري وشقيق سعد الحريري يمكن تجاهله إن أسقط عليه الحرم سعد ومن خلفه السعودية، أو مثل بقايا «قرنة شهوان» الذين يعرفون الآن أن احتمال خلاصهم رهن النجاح في إقناع الجمهور بأنهم مستقلون ووسطيّون، وإلا فإن طبيعة المعركة لا تتيح لهم البقاء في المواقع التي هم فيها الآن، كذلك فإن أموال السعودية كلها لا تنفع في منحهم شرعية شعبية كافية. وهو الأمر نفسه الذي يتّصل بقوى وأحزاب مسيحية صارت من التاريخ وليس لديها أي نوع من التمثيل الجدي كالأحرار أو الكتلة الوطنية أو حركة التجدّد أو اليسار الديموقراطي وخلافه من الطفيليات التابعة لصاحبها تيار المستقبل.

لكن مصيرية المعركة كما تفترضها قوى 14 آذار تعني أنهم يشعرون بصعوبة أن يعيش المشروع السياسي الذي يدّعون تمثيله، فيما تعرف القوى الرئيسية في هذا التكتل أن ما سوف يبقى في حالة خسارة الانتخابات هو المشاريع الفئوية الخاصة بكل طرف، وهي المشاريع ذات البعد الطائفي والمذهبي. وربما هذا ما يفسّر أن قواعد 14 آذار تسمع اليوم خطابين، الأول علني ويقال في الاجتماعات والمناسبات العامة أو المعدّة للنشر، وفيها تذكير مملّ بشعارات ثورة الأرز، بينما يسمعون في الجلسات المغلقة والحلقات الانتخابية الكلام الصريح الذي يستهدف الناس في فئويّتهم، إذ إن أبناء الطريق الجديدة لا يسمعون كلاماً عن موقع الرئاسة والكنيسة وبناء الدولة إلى آخره من الشعارات التافهة، بل يسمعون تحريضاً مباشراً على جيرانهم من أبناء الضاحية الجنوبية، كذلك هم أنصار وليد جنبلاط الذين باتوا يقرأون بيانات سياسية جديدة تقوم على فكرة مواجهة الخطر الفارسي ومعركة شق الموحدين وخلافه. والمتعصبون منهم يسمعون كلاماً إضافياً مثل أن عون سوف يعيد السيطرة المسيحية على جبل لبنان وما يتبع ذلك من كلام عنصري. وإذا ما استوضح أحد سبب التحالف مع «القوات» يأتيه الجواب بأنهم بلا أسنان وبلا أظافر وأنهم تابعون وليسوا في موقع القوة.

وإلى جانب تأثر فريق 14 آذار الكبير بالتطورات الإقليمية الكبيرة الحاصلة، أو التي قد تحصل أو لا تحصل، فإن الكلام عن مصيرية الانتخابات لا يمكن أن يشكّل وحده العصب المطلوب، وهذا ما يفسّر الاستنفار الكامل لكل الأدوات التي يمكن أن تفيد في تحسين الأوضاع على الأرض أو في إضعاف الخصم، وهو الأمر الظاهر أكثر على الساحة المسيحية حيث الاستعانة بالمرجعيات الدينية من البطريرك الماروني نصر الله صفير إلى مطران الأرثوذكس الياس عودة، إلى من يرغب أيضاً في الانضمام إلى جوقة المحذّرين من فوز المعارضة في الانتخابات.

أما من جانب فريق المعارضة، فإن الاختبارات التي تعرّض لها منذ ثلاثة أعوام حتى اليوم تعفيه من مهمة التصرّف على أساس مصيرية الانتخابات، لأن بقاء الأكثرية في موقعها لناحية الأغلبية النيابية، لن يزيد من شرعيتها لا داخلياً ولا خارجياً ولن يغيّر في قواعد اللعبة. أما عن الضغوط فقد جربت مع قوى المعارضة كل أنواع الضغوط، من العزل الإسلامي من خلال التحالف الرباعي ضد العماد ميشال عون في الانتخابات الماضية، إلى الحملة عليه من الكنيسة نفسها ورجال الدين والإعلام أنفسهم، إلى ما تعرّض له الرئيس نبيه بري من محاولة اغتيال سياسية بالعمل على إبعاده عن رئاسة المجلس النيابي، إلى حزب الله الذي شنّت عليه الحروب العسكرية والأمنية والسياسية داخلياً وخارجياً، إلى المعارضين من السنّة الذين يجري تخوينهم ليل نهار.. لكن المعركة عند المعارضة يجب أن تتركز في تحسين «النسل النيابي» والسعي إلى تحويل المسألة الإصلاحية بنداً حقيقياً يوازي بند المسألة الوطنية في بعدها السيادي.

لكن السؤال الأقوى: هل من مكان لآخرين في هذه المعركة، من ناس يملكون رؤية وموقفاً حاداً، لا وسطياً ولا مستقلاً، وهل من مكان لكي يخوض هؤلاء الساعون إلى تمثيل مدني غير طائفي سواء من خلال تسويات انتخابية أو من خلال معارك جدية؟ إنه سؤال جوابه سلبي حتى الآن.

تعليقات: