قمّة الكويت بلا قرارات... والمصالحة بلا أسس

الملك السعودي ورئيس الحكومة الكويتي في قمة الكويت
الملك السعودي ورئيس الحكومة الكويتي في قمة الكويت


خاب ظنّ كل من عقد آماله على لقاء الزعماء العرب في الكويت، أول من أمس، في ما وُصف بأنه كان «مصالحة» عربية ـــــ عربية، لم يظهر من نتائجها سوى الصور الفوتوغرافية الضاحكة، بعدما تفجّرت في الغرف المغلقة، حيث ظهر أن أسسها غير متينة، ودفعت الخلافات إلى خروج القمّة بلا قرارات سياسيّة..

«لم يكن ممكناً أكثر مما كان. وبديل ما خرجت به القمة هو اللابيان أو الانفجار بحجم أكبر مما كانت عليه الأوضاع قبل وصول القادة العرب إلى الكويت، لكن مبادرة الملك السعودي (عبد الله) سوف تظل محور اهتمام من يريد أن يعمل على لملمة الوضع لا على تفجيره أكثر».

كان هذا اختصارَ دبلوماسيٍّ عربي رفيع المستوى لنتائج القمّة العربية الاقتصادية، التي غلب على اهتمامها الفعلي الموضوع السياسي، علماً بأن ملاحظات كثيرة ذات طابع تقني وفني وتنظيمي وضعت على الجانب الاقتصادي من المؤتمر، ما دفع البعض إلى القول إن غزة «أنقذت القمة وأحرجتها في آن».

لكن الأمر لم يتوقف عند هذه الحدود، ذلك أن العناوين الكبيرة التي خرجت بها الصحف الكويتية أمس مرحبة بالمصالحات التي حصلت، لم تنجح في إخفاء ما كان ينمو في الاجتماعات المغلقة من خلافات وتباينات حالت دون أي تفاهم غير «البيان العام» الصادر عن القمة، والذي بدا معبّراً عن عجز النظام الرسمي العربي عن تنظيم موقف مختلف إزاء الجريمة الإسرائيلية الاستثنائية في قطاع غزة.

■ ما الذي جرى؟

بحسب أكثر من مصدر شارك في الاجتماعات والاتصالات، فإن كلمة الملك السعودي «كانت بالفعل مفاجئة للجميع، بمن فيهم أعضاء بارزون في الوفد السعودي نفسه»، وإن رؤساء تحرير صحف وإعلاميين سعوديين كانوا على علم فقط بأن كلمة عبد الله سوف تتضمن مواقف هامة، وإن هناك رغبة في جعل الانفراج يسود الوضع العربي. لكن أيّاً منهم لم يكن يتوقع حتى التلويح بسحب المبادرة العربية أو ترتيب الاجتماع مع الرئيس السوري بشار الأسد.

غير أن وقع المفاجأة كان أكبر على الجانب المصري، بحسب المصادر نفسها، التي أوضحت أن «المشاورات التي جرت بين الرياض والقاهرة لم تكن تشمل خطوة بحجم ما أقدم عليه الملك السعودي». وأضافت «تبيّن لجميع الوفود أن الرئيس المصري (حسني مبارك) لم يكن راغباً بالمطلق في عقد اجتماع منفرد مع الرئيس السوري ولا مع أمير قطر (الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني)»، وأنه «قبل باللقاء الموسع في مقر إقامة الملك السعودي على أساس أنه لقاء مجاملة لا أكثر».

ومع أن الكلام الذي نقل عن اللقاء الرئاسي الموسع لم يشمل ما هو جديد، إلا أن ما أكدته مصادر مطّلعة يفيد بأن «كلام المجاملة والعواطف استغرق دقائق قليلة، لكن بقية الكلام حملت نقاشاً جاداً».

وأفادت المصادر بأن «الملك السعودي أعرب خلال اللقاء عن أمله ورغبته بتواصل أكبر لأجل التوصل إلى تفاهمات». وأضافت «حصل نقاش ثنائي بين أمير قطر والرئيس المصري، وحاول أحد الحاضرين إضفاء طابع المصالحة على الطريقة العربية، لكن ذلك لم يكن في ذهن ثلاثة من الحضور على الأقل، ما دفع بالرئيس السوري إلى إبلاغ الموجودين بأنه يعرف أن هناك خلافات في وجهات النظر، وأن سوريا ترحب بما يحصل الآن باعتباره وسيلة للتواصل والنقاش». وأضاف الأسد، بحسب المصادر نفسها، «نحن نعرف أننا لا نقدر على فرض وجهة نظرنا على غيرنا ولا العكس، ولكن ما نريده هو أن ندرس معاً ما نعتبره الأفضل لمصلحة فلسطين وأهل غزة والعرب وعندها نتفق عليه».

وبعد الانتهاء من اللقاء، قرر الرئيس المصري السفر مبكراً إلى القاهرة، وتكليف وزير خارجيته أحمد أبو الغيط إدارة المفاوضات بشأن القرارات «من دون أي تعليمات جديدة»، وهي الإشارة التي التقطها دبلوماسيون كثر على أنها تأكيد أن ما قام به عبد الله لم يكن منسقاً بقوة مع المصريين.

ومع اقتراب موعد الاجتماع المسائي (ليل الاثنين ـــــ الثلاثاء)، لم يكن الوزراء أو المندوبون والسفراء في أجواء تعليمات جديدة. فمن جانب الفريق الذي يمثل قمّة الدوحة، كان هناك حذر ودعوة إلى عدم الاستعجال في التعامل مع لقاء المصالحة على أنه إقفال للملف الخلافي، فيما كان فريق قمة شرم الشيخ يخرج أوراقاً معدة لقمة الكويت لا تأخذ بالاعتبار كلمة الملك السعودي ولا أجواء الانفراج على مستوى العلاقات الرئاسية.

وخلال دقائق قليلة من بدء الاجتماع، تقدّم المصريون بورقة عمل تضمنت البنود إياها من طلب الإشادة بالجهود المصرية وبالمبادرة المصرية، سواء في ما خصّ وقف العدوان أو ما خص متابعة ملف العلاقات الفلسطينية ـــــ الفلسطينية، مع إصرار على ترك مصر تدير الأمور وفق ما تراه مناسباً، وتجاهل كل الكلام عن المقاومة أو عن برنامج رفع مطلق للحصار، والعودة إلى شروط عام 2005 لإدارة معبر رفح، وتأكيد الموقع الخاص لسلطة رام الله، إلى جانب تأكيد أن العلاقات القائمة مع إسرائيل من جانب بعض الدول لا يجب أن تمس، كما المبادرة العربية.

في المقابل، تقدمت قطر بورقة تضمنت أهم ما صدر عن قمة الدوحة، والتشديد على أهمية تبني المقاومة، واعتبار السلطة القائمة في غزة منتخبة وتمثل الشعب شرعيّاً، وعدم ربط ملف إعادة الإعمار وطريقة إيصال الأموال والمساعدات بالوضع السياسي الفلسطيني، والعمل على عقد لقاءات بهدف إجراء حوار فلسطيني ـــــ فلسطيني ينتهي إلى إعادة تكوين السلطة. كذلك دعت قطر إلى سحب المبادرة العربية الخاصة بالسلام والطلب إلى الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل قطعها فوراً، والعمل بقوة على توفير ضمانات برفع كامل للحصار على القطاع وعدم تكرار العدوان عليه.

وإزاء الأجواء الانقسامية، عمدت سلطنة عمان إلى إعداد ورقة ثالثة أريد منها التوفيق بين الجانبين، لكن جرى تجنّبها بسرعة، مع تركز المناقشات على ورقتي مصر وقطر. وهو ما برز على شكل خلافات كبيرة خلال الاجتماع الوزاري. وعهد إلى لجنة من السفراء والدبلوماسيين والخبراء عقد اجتماع بهدف التوصل إلى صياغة للبيان الختامي، واستمر الاجتماع حتى الثانية من فجر الثلاثاء من دون التوصل إلى اتفاق، وتمت إحالة الخلافات والأمور كلها إلى اجتماع لوزراء الخارجية عقد صباح أمس.

وقبل الدخول إلى الاجتماع أمس، كان أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، وفريقه المساعد «يشعر بالضغط السلبي»، وأن «المناخ الإيجابي الذي أرخته المصالحة بين الملك عبد الله والرئيسين مبارك والأسد والأمير حمد بن خليفة على أجواء القمّة ظهر الاثنين قد تبخر، وصارت الاتصالات تقوم بين هذا الجانب وذاك من دون التوصل إلى اتفاق».

وعندما دخل الجميع إلى الاجتماع الوزاري، ظهرت نتائج مشاورات ليلية وصباحية تفيد بأنه لا مجال لتبدلات في المواقف، إذ إن رئيس الحكومة وزير الخارجية القطري، حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، اقترح الأخذ بما جاء في مقررات قمة الدوحة، الأمر الذي جدد الجانب المصري رفضه. وقالت المصادر المطّلعة إن «أبو الغيط أصرّ على ورقته، رافضاً بأي شكل من الأشكال الأخذ بما ورد في لقاء الدوحة الذي لا يمثل اجتماعاً رسميّاً، إذ حضره ممثل غير شرعي للفلسطينيين وحضرته دولة غير عربية»، قاصداً رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل، وإيران.

فما كان من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلا أن اقترح ما اعتبره حلاً من خلال أن يأخذ بيان القمة «علماً بتقرير قطر عن أعمال قمة الدوحة»، الأمر الذي أثار بعض الارتباك. عندها انتقل أبو الغيط إلى قرب سعود الفيصل، وشاوره قبل أن يطلب الوزير السعودي الكلام، قائلاً: «نحن هنا لنتحدث بشفافية وصراحة، وأمس قدم الملك مبادرة انفتاحية، لكننا لا نريد بقاء الأمور على حالها». ثم قال كلاماً عن أنه يرفض البقاء في ظل هذه المناخات، قبل أن يقوم من مقعده ويغادر القاعة. ولحق به نظيره الكويتي لأجل إعادته فلم يفلح، فيما لم تحصل أي ردة فعل من جانب الآخرين، فكان ذلك إعلان انتهاء الاجتماع.

بعدها، بدا أنه من الصعب التوصل إلى صيغة توفيقية، فعقد أمير الكويت والرئيس السوري اجتماعاً دخل إليه أكثر من مسؤول عربي لأكثر من مرة، بينهم وزير خارجية مصر الذي تحدث بلغة هادئة وبصوت منخفض إلى درجة فاجأت عضواً رفيع المستوى في الوفد الكويتي الذي كان يسمعه بصوت مرتفع قبل قليل. وتحدث أبو الغيط عن أن «مصر تريد إقامة علاقة طيبة مع سوريا ومع الآخرين». وكان واضحاً أنه يصعب التوصل إلى غير بيان عام يتضمن المواقف الأساسية المتصلة بوقف العدوان من جهة، ودعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، علماً بأن الإشارة إلى المقاومة جرى سحبها من أرشيف الجامعة العربية، وخصوصاً البيانات التي كانت تعدّ وتصدر في ما يلي كل عدوان إسرائيلي على لبنان، والتي كانت مرفوضة من «دول الاعتدال» لكونها «تشكل مخالفة صريحة للتوصيف الغربي للمقاومة بالإرهاب»، على حد تعبير أحد الدبلوماسيين المشاركين.

■ إعادة الإعمار وملاحقة إسرائيل

إلا أن المناقشات كانت قد تناولت حيّزاً يتصل بملف إعادة الإعمار، وهو ملف تضمن النقاش حول مصير المعابر، حيث عادت مصر إلى إعلان تمسكها باتفاقية عام 2005 بين مصر والسلطة الفلسطينية بمشاركة إسرائيل والاتحاد الأوروبي. وتعتبر القاهرة أن العمل بهذه الاتفاقية «شرط حيوي، وهي لن تقبل بأن يتولى المعابر أشخاص لا توافق» سلطة رام الله على اختيارهم. ثم جرى التلويح بأن إسرائيل لن تسمح لأي مساعدات بالدخول إلى غزة ما لم تكن آتية بموافقة مصر أو سلطة رام الله أو تابعة لمنظمة دولية.

وحاول القطريون والسوريون الإشارة إلى أن واقع الأمر مختلف، وأن «الجميع يعرف حجم المشكلات القائمة الآن بين الفلسطينيين» وأنه «بانتظار حصول تفاهم فنحن سوف نمر بمرحلة انتقالية ولا أحد يعرف مدتها، ثم إن إسرائيل لم تعلن وقفاً دائماً لإطلاق النار ولم يجر بعد تثبيت وقف إطلاق النار، ويحصل كل ذلك فيما غزة تنتظر وصول كل أشكال الدعم إليها الآن وبأسرع وقت ممكن». ورأى الجانبان أن «على العرب الآن إصدار قرار يفتح باب المساعدات والتعاون مع الموجودين في غزة من هيئات رسمية وشعبية ومدنية ومنظمات عالمية وخلاف ذلك، وعدم رهن المساعدات بتغيير سياسي». كذلك حذر الجانبان القطري والسوري من «محاولة الضغط على الفلسطينيين لإجبارهم على تنازلات من خلال تحويل ملف المساعدات إلى ورقة ابتزاز».

بيان الكويت

دان «بيان الكويت» المتعلق بغزة «العدوان الهمجي الذي أوقع الآلاف من الشهداء والجرحى وأحدث دماراً هائلاً». ووجّه «تحية إكبار وإجلال للشعب الفلسطيني في مقاومته الباسلة لمواجهة العدوان الإسرائيلي».

وطالب البيان «بوقف العدوان الإسرائيلي والانسحاب فوراً من قطاع غزة وتثبيت وقف إطلاق النار ورفع الحصار الجائر». وحمّل إسرائيل المسؤولية القانونية عمّا ارتكبته من جرائم حرب واتخاذ ما يلزم نحو ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم. كذلك «أكد القادة عزمهم على تقديم كل أشكال الدعم لمساعدة الشعب الفلسطيني وإعادة إعمار غزة، ورحبوا بالمساهمات التي أُعلن عنها في هذا الإطار».

وذكر البيان أن «القادة كلفوا وزراء الخارجية والأمين العام للجامعة العربية بمتابعة التشاور حول مستجدات هذا الموضوع والدفع بالجهود العربية لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وتنقية الأجواء العربية بالبناء على مبادرة الملك السعودي عبد الله».

سليمان يدعو إلى تعزيز عناصر التوحّد

ألقى الرئيس اللبناني ميشال سليمان كلمة، في الجلسة الختاميّة لقمّة الكويت، حيث أشار إلى أنه رغم «هول المأساة التي حلّت بغزة وأهلها نتيجة العدوان الإجرامي والإرهاب الإسرائيلي، فقد سعينا بصورة موازية للتوافق على جوهر ما يجب علينا القيام به لنصرة غزة الصامدة المقاومة ووقف العدوان عليها وفك الحصار عن شعبها وتقديم المساعدات الفورية واللازمة لها».

وأعرب سليمان عن أمله الاستفادة «من الوقت الذي يفصلنا عن قمة الدوحة»، «للتعمّق في تقويم مجمل الأوضاع التي نمر بها ولتعزيز العناصر التي توحّدنا وتقرّبنا من بعضنا من منطلق استراتيجي شامل». وختم بالقول: «إذا كان علينا أن نعمل على فصل التنمية عن السياسة وتجاذباتها من أجل خير الإنسان، فعلينا مهما يكن أن نتذكر دائماً أن القاسم المشترك الذي يوحّد السياسة هو الرابط القومي بين الشعوب، وأعني هنا العروبة من أجل كرامة العرب».

تعليقات: