بلغار ولبناني وأصوليّون على الخطّ: أين كانت سيّارة جبران قبل اغتياله؟


كان يجب أن ينتظر المرء أسبوعاً على مرور الذكرى الثالثة لغياب جبران تويني، قبل أن نعود لفتح الملف الممنوع: ماذا عن جريمة اغتيال جبران؟

أول خيط السؤال يعود إلى الثقب الأسود الكبير في بديهيات التحقيق: أين وضعت العبوة الناسفة؟ هل كانت خارج سيارة جبران؟ أم داخلها؟

نظرية سيارة «رينو ـــــ رابيد» الجانية والمفخّخة انطفأت سريعاً. يؤكد مطلعون أن أي تحقيق لم يتابعها، وأي محقق لم يسأل عنها وعن مصدرها وصاحبها وسائقها، بخلفية أنها أداة الجريمة. سقطت محاولة الإلهاء سريعاً وطويت، ما يفتح مجال السؤال على مدى أوسع: لماذا قدّر لعبوة بزنة طن، انفجرت إلى جانب سيارة رفيق الحريري المصفّحة في 14 شباط 2005، أن تُبقي السيارة المستهدفة على مسارها فوق الطريق الذي كانت تسلكه، فيما عبوة أقل بكثير قدّر لها أن ترمي سيارة جبران تويني، المصفّحة أيضاً، مئات الأمتار بعيداً عن مسارها؟ وعلى خلفية هذا السؤال، ينفتح الثقب الأسود الثاني في الملف: أين كانت سيارة جبران قبل عودته إلى بيروت؟

القريبون من جبران يعرفون تماماً أنه منذ محاولة اغتيال مروان حمادة، عمد «ديك النهار» إلى حماية نهاراته. فالتزم في شكل دقيق أسلوب السيارات المموّهة والمغفلة. وفق آلية سرية وشديدة التكتم والتعقيد، تأتي كل يوم أكثر من سيارة مستأجرة، يتم التسليم والتبديل خفية، ويستقل جبران مركبته. ولهذه الغاية اعتمد المسؤولون عن حمايته شركة معروفة لإيجار السيارات. هي للمصادفة الشركة نفسها التي كانت تزوّد لجنة التحقيق الدولية بسياراتها المستأجرة. وهي لمفارقة معروفة ومفهومة، الشركة نفسها التي كانت تملك السيارة المستأجرة منها، والتي تركها حسام حسام، قبل فراره إلى دمشق. والعودة إلى أرشيف هذه المسألة في الإعلام اللبناني، تؤكد مطابقة الأمر. وهو ما قد يعطي صدقية أكبر لرواية حسام، عن الجهة التي زوّدته بالسيارة المستأجرة، ثم وعدته بسيارة أخرى...

المهم، أنه بعد أشهر من هذا التكتيك الناجح، تمكّن أحد السياسيين من أقرباء جبران من إقناعه بالتخلي عنه، واللجوء بدلاً من ذلك إلى شراء... سيارة مصفّحة. استغرب كثيرون من محيط جبران الفكرة. رفضوها. وحذّروه منها، من دون جدوى. بعد أسابيع كانت السيارة المصفّحة مركبة وحيدة لتنقّل جبران، وبالتالي هدفاً ثابتاً وسهلاً للرصد والمتابعة والاستهداف.

لكن السر الأكبر كان وضع السيارة المذكورة، طيلة أسبوعين في تصرّف شخص آخر، وظلت معه حتى صباح الاثنين 28 ت2، يوم استردّها جبران واستقلّها لزيارة سمير جعجع في الأرز.

أين كانت طيلة هذه الفترة؟ مع شخص لبناني مقيم إقامة دائمة في بلغاريا. وهو كان أحد المسؤولين عن المواكبة الشخصية لمسؤول لبناني كبير سابق، يشغل حالياً رئاسة حزب مسيحي.

يؤكد العارفون أن القريبين من جبران يعرفون لماذا أعار سيارته إلى اللبناني ـــــ البلغاري. لكنهم يتكتّمون في المسألة، ويواجهونها بالنكران الكامل، وخصوصاً لناحية هوية مَن أقنع جبران بذلك.

أما ما هي حاجة الشخص الذي استعارها إلى سيارة مصفّحة، فإشكالية تحمل الكثير من الأسرار والألغاز، ذلك أن الشخص اللبناني المقصود، بعد انتهاء عمله إلى جانب المسؤول اللبناني الكبير أواخر الثمانينات، انتقل إلى فرنسا، حيث تردد أنه عمل لمصلحة أجهزة أمنية فرنسية. غير أن اسمه ظهر فجأة في العاصمة البلغارية، صوفيا، كأحد المتورطين في حروب مافيات تجارة الأسلحة والمخدرات، واستيراد حبوب الكابتاغون المصنّع في الشرق الأوسط، إلى دول أوروبا الشرقيةً.

حتى إنه سنة 1997، أعلن الاشتباه برجل الأعمال اللبناني المستجدّ، في ما سمّي «قضية أوبيتزفت»، وهو اسم ضاحية لصوفيا ضبطت فيها عملية تصنيع ضخمة لمخدرات كيميائية مركّبة. غير أن القضية لم تلبث أن أقفلت. ويومها راحت صحافة الدول المعنية تتحدث عن ارتباط اللبناني الشهير، بمافيات بلغاريا المنبثقة من انهيار الحكم الأحمر. وسالت أقلام كثيرة تربط بحبرها اللبناني نفسه بمافيا الإخوة غاليف، ومن ثم برجل الأعمال المثير للتساؤلات، البلغاري نيكولاي جيفوف.

والطرفان غالباً ما ذُكرا في قضايا فساد دولي ورشوة على مستوى زعماء دول، إضافةً إلى نشاطات غير قانونية عابرة للقارات.

هذا السجل الحافل للبناني الذي استعار سيارة جبران، تعمَّد أكثر من مرة بالدم. ففي ت2 2002، تعرّض الشخص نفسه لمحاولة اغتيال بإطلاق النار على سيارته في صوفيا. فغاب عن بلغاريا أشهراً، قيل إنه أمضاها في صربيا، حيث كان يتعاون مع «جماعات» ناشطة في مجالات عمله. والجهة الصربية ذاتها عادت فظهرت مع رجل مافيا بلغراد، سريتان يوسيتش، الذي قيل إنه تورّط في أيار 2004 في محاولة اغتيال الأمين العام لوزارة الخارجية البلغارية، في قضية لم تغب عنها أسماء اللبناني نفسه والإخوة غاليف وجيفوف وآخرين.

غير أن ما يزيد من خطورة الأمر، أن تلك «الجماعات البلغارية» على علاقة تعاونية وثيقة مع الجهات الأصولية والوهابية في صوفيا، وخصوصاً مع «مؤسسة الوقف الإسلامي»، التي تمثّل واجهة للنشاط الوهابي المموّل من دولة خليجية. ومن رموز هذه الشبكات أصولي سوري معارض بارز، يدعى موفّق أحمد الأسعد. حتى إن تقارير صحافية عادت سنة 2007 فربطت بين اللبناني نفسه والمجموعات الوهابية في بلغاريا، على خلفية إحدى المواجهات مع المافيا الدولية المتعددة الجنسيات، والممتدة من صوفيا إلى بيروت...

تعليقات: