كامل جابر: سكان جنوب لبنان يسألون أين نحن من زيارة البابا لاوون الرابع عشر؟

يزور البابا لاوون الرابع عشر لبنان من دون أن يتوجه إلى أية بلدة أو مدينة جنوبية  (ا ف ب)
يزور البابا لاوون الرابع عشر لبنان من دون أن يتوجه إلى أية بلدة أو مدينة جنوبية (ا ف ب)


4 زيارات باباوية سابقة إلى هذا البلد الصغير لم تشمل واحدة منها المناطق الجنوبية

ملخص

سكان جنوب لبنان كانوا يأملون أن تشمل زيارة البابا لاوون الرابع عشر منطقتهم التي أنهكتها الحرب وخلفت آلاف الضحايا والنازحين، لكن البرنامج لم يتضمن أي محطة جنوبية على رغم مطالبات شعبية ودينية واسعة. ويرى الجنوبيون في الزيارة فرصة لبركة سلام تعيد الطمأنينة وتخفف مخاوف تجدد المواجهات مع إسرائيل.

بعد عامين من حرب متقطعة ومتواصلة تفرض إسرائيل حيثياتها منذ عام على لبنان، وتحديداً جنوبه، على رغم قرار وقف إطلاق النار الساري منذ الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، يبحث سكان الجنوب على مختلف طوائفهم ومذاهبهم الدينية عن بارقة أمل وسلام تخرجهم من دوامة الحرب هذه وتعيد الهدوء والطمأنينة إلى قلوبهم وقلوب أطفالهم، بل تعيدهم إلى بيوتهم التي نزحوا منها ودمرت آلة الحرب معظمها.

لذلك وجدوا في زيارة الحبر الأعظم لاوون الرابع عشر إلى لبنان فسحة سلام وباباً ربما يدفع باتجاه وقف الحرب، فيما لو قام بابا روما بزيارة أرض الجنوب وباركها مثلما باركها المسيح عيسى ابن مريم يوم زار أرضها وقدم معجزاته في قانا (صور)، وعند جبل حرمون المطل على مناطق حاصبيا وراشيا وقرب صيدا.

ورغبة سكان الجنوب بزيارة البابا أرضهم لم تكن محض دينية مسيحية، إذ أجمعت معظم الفاعليات من مختلف الأطياف على رغبتها في أن يكون جنوب لبنان إحدى محطات زيارة البابا، ورفعوا عبر عدد من الشخصيات الدينية والسياسية والنيابية كتاباً قدموه إلى السفارة الباباوية لدى لبنان يعبرون في مضمونه عن رغبتهم هذه ويتمنون على الحبر الأعظم أن يشملهم برعايته وزيارته.

حرب تحت الرماد

لكن زيارة البابا إلى جنوب لبنان لم تتم ولم يتضمن برنامجها أي إشارة تخصص أبناء الجنوب ولو بكلمات تمسح عنهم هذا القلق من حرب لم تنتهِ فصولها على رغم قرار وقف إطلاق النار، واستمرار التهديدات الإسرائيلية بتفعيل هذه الحرب ورفع منسوبها بهدف نزع سلاح "حزب الله" والقضاء على بنيته العسكرية والأمنية، ومنها تهديدات أخيرة أربكت سكان الجنوب تدور حول إمكان تصاعد الحرب بعد انتهاء زيارة البابا إلى لبنان، مما دفع عدداً كبيراً من سكان الجنوب إلى مغادرة بيوتهم وقراهم ومدنهم خشية اندلاع الحرب وخضوعهم لحيثياتها التي أودت منذ نشوبها وخلال عامين متواصلين وحتى اليوم إلى سقوط ما لا يقل عن 6000 قتيل وأكثر من 20 ألف جريح ومعاق وتدمير آلاف البيوت تدميراً كاملاً وبقاء نحو 90 ألف نازح جنوب خارج قراهم وبيوتهم.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي اشتعلت التعليقات التي تأسف لعدم زيارة البابا لاوون أرض الجنوب، تعليقات لا حصر لها تعبر في مضمونها عن رغبة حقيقية من مختلف أطياف سكان الجنوب في أن تشملهم زيارة بابا الفاتيكان.

وعلق الكاتب الجنوبي علي يوسف نور الدين "من المؤسف ألا يكون في برنامج لاوون الرابع عشر زيارة إلى أرض القداسة، التي وطئها السيد المسيح وجال في قراها، ليقف على الأوجاع والآلام التي يسببها اليوم، قتلة الأنبياء، لأبناء الجنوب وهي آلام السيد المسيح عينها التي قام عليها اللاهوت المسيحي".

الجنوب أرض قداسة

يقول المطران إلياس كفوري (راعي أبرشية صيدا وصور وتوابعهما للطائفة الأرثوذكسية)، "لا أخفي إن قلت إننا نحن المطارنة مع مجموعة من نواب البرلمان نبلغ نحو 50 شخصية وبمبادرة من النائب إلياس جرادة بعثنا برسالة إلى الفاتيكان وإلى قداسة البابا نطالبه بزيارة الجنوب، مع تقديرنا لظروفه الخاصة المحيطة بالزيارة والأوضاع الأمنية والعامة بالمنطقة. الزيارة هي بركة، وبخاصة أن شعارها ‘طوبى لصانعي السلام‘، والسلام نعمة من ربنا وليس من البشر، السلام المقرون بالعدل والحفاظ على كرامة الإنسان وحقوقه، التي نسمع دويها في المحافل الدولية، لكنها باتت شعارات فارغة لا مضمون لها على الإطلاق".

ووجه المطران كفوري سؤالاً إلى "المسؤولين في لبنان، أصحاب القرار وفي المراكز السياسية العليا، ومن يقرر في الفاتيكان: لماذا يستثنى الجنوب الذي يعد أرض قداسة ليس عند المسيحيين وحسب، بل لدى جميع سكانه، وقد زاره السيد المسيح وباركه، من زيارات الحبر الأعظم؟ نحن وصلنا في ما مضى حقنا من البابا يوحنا بولس الثاني حينما زار بلدنا عام 1997، إذ اعتبر لبنان رسالة، ورسائل الفاتيكان والمراجع المسيحية الكبرى في العالم، والأرثوذكسية كذلك ونحن منها، تشدد دائماً على الوجود المسيحي في هذا البلد الصغير".

أين الأمم المتحدة؟

وأضاف المطران كفوري "ولا ننسى أن السيد المسيح زار الجنوب شخصياً وقبله الأنبياء والرسل، ومنهم مار إلياس. تراب هذا البلد وهذا الجنوب مغمس بدم أبنائه، وما زلنا إلى اليوم نقدم ضحايا بسبب غطرسة المسؤولين في العالم وتجاهل عدد منهم للوقائع التي تحصل في بلادنا، والتعديات علينا مستمرة بصورة يومية".

وتابع الأرشمندريت كفوري حول زيارة الحبر الأعظم "مما لا شك فيه أن زيارة البابا إلى لبنان تهم جميع الطوائف وفيها بعدان روحي وسياسي، ولا ننسى أن الفاتيكان دولة مستقلة، ونتمنى على قداسة البابا لاوون الرابع عشر أن يكون صوته عالياً في علاقاته مع الدول الكبرى ودعوتها إلى التدخل لإيقاف الحرب والاعتداءات على الناس، لا سيما أننا سمعنا منه تصريحات إيجابية مشجعة على إحلال السلام في الموضوع الفلسطيني وحقوق الإنسان في المنطقة ولبنان وسيادته".

وسأل "البطريرك بشارة بطرس الراعي والسفير البابوي لدى لبنان المونسنيور باولو بورجيا لماذا لم تشمل زيارة البابا مثلاً مغدوشة قرب صيدا التي تقدست بزيارة السيدة مريم العذراء حينما انتظرت وحيدها المسيح هناك، وهي بعيدة من الحدود وعن الحرب القائمة؟".

رغبة شعبية لزيارة الجنوب

وعن مضمون الرسالة وغايتها نسأل النائب عن منطقتي مرجعيون وحاصبيا الطبيب إلياس جرادة، فيقول "من المؤكد أن الرسالة (التي أعدوها) سلكت الدرب التي يجب أن تسلكها، الرسمية والبروتوكولية بعدما أطلعنا عليها الرئيس جوزاف عون وسلمناها إلى السفير الباباوي وأعلمنا أنها أرسلت إلى قداسة البابا، لكن السؤال هل هي سلكت إلى قلوب وعقول مراكز القرار؟ لا أعتقد".

وينفي جرادة "أن تكون موانع الزيارة أمنية، فالهاجس الأمني لا يتشكل في مثل هذه الزيارة بل يؤخذ في منحى آخر وإذا كانت ثمة دولة إقليمية تغضب لزيارته لا يأتي الاعتراض بخربطة أمنية، بل في مكان آخر. أما عن برنامج الزيارة المقرر وأنه لا يمكن تغييره لكثافته بحسب ما أعلموني، فلم يكن مقنعاً لي خصوصاً وأننا نعلم أن هذا البرنامج غير منزل ويمكن تعديله. لمسنا أن موجة عارمة شعبية ووطنية من مختلف الأديان والطوائف والفئات تطالب بالمنحى نفسه، بزيارة البابا جنوب لبنان... كان يجب اقتناص هذه الفرصة، لكن لماذا تم تجاهلها؟ لا نعلم".

الدولة تستثني الجنوب

يقول الباحث السياسي والأستاذ المحاضر في الجامعات اللبنانية نسيب حطيط "هناك ثلاثة أسباب لعدم زيارة باباوات الفاتيكان السابقين والحالي جنوب لبنان، الأول هي أن زيارة أي بابا للبنان هي ذات هدف سياسي وليست رعوية دينية، ولا تهدف إلى زيارة الأماكن المقدسة التي أثبتت الوقائع والوثائق التاريخية أنها صحيحة سواء في بلدة قانا ومعجزات المسيح الأولى أو سيدة المنطرة (العذراء) في بلدة مغدوشة أو مناطق في كوكبا وجبل الشيخ قرب حاصبيا وراشيا. والأمر الثاني أن أي بابا، وبخاصة الأخيران السابقان، لم يهاجما الصهيونية واليهود".

الأمر الثالث بحسب حطيط "وهو غير معروف لدى الناس، أنه في الثقافة السياسية للدولة اللبنانية سواء قبل إنشاء الكيان الإسرائيلي أو عند احتلال فلسطين، لا يؤخذ الجنوب كجزء فعلي من هذا البلد، وتجلى ذلك بإصدار الدولة اللبنانية الدليل السياحي الجميل في الأربعينيات من القرن الماضي، بعد الاستقلال، ولم يتضمن الجنوب. وعندما تم إنشاء ما يسمى الدفاع المدني التابع في حينه لوزارة الدفاع كل المنطقة من الزهراني وحتى الحدود اللبنانية الجنوبية استثنيت من جميع شروط وموجبات الدفاع المدني وبناء الملاجئ، ولم يزل قائماً حتى الآن، مما يعني أن الجنوب مستبعد من الاهتمامات الرسمية الأساسية، ومنها زيارة الحبر الأعظم".

الجنوب أرض تعايش

يضيف حطيط إلى ما سبق شرطاً رابعاً "هو أنه بمجرد زيارة البابا إلى الجنوب معناه اعتراف باباوي بما يمثل من المسيحية العالمية أن الجنوب ذو سيادة لبنانية وأرض لبنانية في وقت تهدد فيه إسرائيل بضم الجنوب إلى كيانها بالحرب النفسية أو الواقعية، والحديث عن شركات تبيع العقارات في الجنوب أو منطقة ترمب الاقتصادية أو جنوب نهر الليطاني، وفيما قانا تقع في جنوب الليطاني، وهذا يعني أن الزيارة إلى الجنوب تعطي موقفاً سياسياً ضد المشروع الإسرائيلي".

وفي التحليل الأمني والعسكري يجد حطيط أن "هناك هدفاً آخر مرحلياً يقول إنه إذا البابا زار الجنوب معناه أن الجنوب منطقة آمنة وليست إرهابية وهذا ما سيسلب إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ورقة تقر بأن الجنوب منطقة آمنة، وإلا فمن غير الممكن أن يأتي البابا إلى منطقة تقع فيها حرب".

وحول القلق من تجدد الحرب بعد انتهاء زيارة البابا، ومن الثوابت الميدانية برأي المحلل حطيط ولا تحتاج إلى تنبؤات "أولاً مصطلح أن تبدأ الحرب أو تشن إسرائيل حرباً جديدة هو مصطلح خاطئ، فالحرب لم تتوقف، لكنها كانت بوتيرة متفاوتة، كبيرة ومتوسطة وخفيفة، من جانب واحد هو الإسرائيلي، لكن السؤال يجب أن يكون هل تتطور الحرب؟ ثانياً هناك مشكلة مع الإسرائيلي والأميركي وبعض الجهات اللبنانية هي بيئة (حزب الله)، ما يمنع حتى الآن القضاء عليه تماماً".

حلم جنوبي بالسلام

ثلاثة باباوات زاروا لبنان تضاف إليهم محطة توقف البابا بولس السادس في مطار بيروت بينما كان عائداً من "الأراضي المقدسة" في فلسطين عام 1964 متوجهاً إلى الهند، ولم تعد زيارة رسمية. ومن زيارة البابا يوحنا بولس الثاني في مايو (أيار) 1997 التي اكتسبت بعداً استثنائياً، إذ حملت إلى اللبنانيين رسالة رجاء وأمل بأن الخروج من زمن الظلم ممكن (أتت بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية) وأن إعادة بناء الدولة ليس مجرد مشروع سياسي، بل مسار يرتبط بكرامة الإنسان وحريته. ولعل أبرز ما رسخته الزيارة هو إطلاق السينودس الذي حمل عنوان "رجاء جديد للبنان".

إلى زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر عام 2012 وتركزت أهدافه على تثبيت الشهادة المسيحية والحفاظ على الحوار بين الأديان، خصوصاً بين المسلمين والمسيحيين، وتوقيعه خلال الزيارة، الإرشاد الرسولي: "الكنيسة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة".

إلى زيارة البابا لاوون الرابع عشر، يبقى ثمة حلم يراود سكان الجنوب بأن يحط بابا روما رحاله ذات مرة في الأرض التي وطئتها قدما السيد المسيح وأمه مريم العذراء، حينما زارا قانا وصيدا وحاصبيا وراشيا، فلعل هذه الأرض التي لم ترتح يوماً من الحروب الإسرائيلية المتجددة كل سنوات عدة منذ عام 1948 يحل فيها السلام وتتوقف مجازر الدم التي تحصد الكبار والصغار والنساء، وينتهي القلق والخوف من النزوح والدمار وفقدان مصادر العيش والأمن والأمان.

لم تتوقف الغارات والضربات الإسرائيلية على جنوب لبنان حتى بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار قبل سنة (ا ف ب)
لم تتوقف الغارات والضربات الإسرائيلية على جنوب لبنان حتى بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار قبل سنة (ا ف ب)


رغبة سكان الجنوب بزيارة البابا أرضهم لم تكن محض دينية مسيحية (ا ف ب)
رغبة سكان الجنوب بزيارة البابا أرضهم لم تكن محض دينية مسيحية (ا ف ب)


تعني بلدة قانا الواقعة في الجنوب الكثير لمسيحيي لبنان (كامل جابر - اندبندنت عربية)
تعني بلدة قانا الواقعة في الجنوب الكثير لمسيحيي لبنان (كامل جابر - اندبندنت عربية)


تعليقات: