كامل جابر: رحلة الأسر والحرية.. لبنانيون يكشفون ما جرى خلف قضبان إسرائيل


تل أبيب تتكتم في ملفات هؤلاء سواء كانوا مدنيين أو من مسلحي حزب الله

ما زالت إسرائيل وبعد أكثر من عام على إعلانها حرباً مباشرة، برية وجوية وبحرية وسيبرانية على لبنان في الـ23 من سبتمبر (أيلول) العام الماضي، تتكتم في ملف الأسرى اللبنانيين، من مسلحي "حزب الله" أو من مدنيين أسرتهم خارج القوانين الدولية في أماكن متفرقة من جنوب لبنان، في المناطق الحدودية الطرفية أو في الخطوط الخلفية في أثناء تقدمها البري خلال المعارك، أو في فترة الانسحاب التي أعلنتها إسرائيل بالتوافق مع الأميركيين مدة 60 يوماً انتهت، كما يفترض، في الـ18 من فبراير (شباط) الماضي، في هذه الفترة وقبلها أسرت إسرائيل لبنانيين اتهمتهم إما بالانتساب إلى صفوف مسلحي "حزب الله" أو من مناصريه أو بشبهة العمل لمصلحته.

ولم تعلن تل أبيب كذلك عن أرقام محددة لعدد الأسرى لديها أو أماكن احتجازهم والظروف التي تحوطها، كما تمنع اللجنة الدولية للصليب الأحمر مقابلتهم أو الاطلاع على ملفاتهم، وما يزيد الأمور تعقيداً أن عدداً من مسلحي "حزب الله" فقدوا في خلال المعارك المباشرة في قرى الحافة الأمامية ولم تعرف مصائرهم حتى اليوم، إذ تشير التقديرات المحلية والأمنية إلى إمكان أسر إسرائيل عدداً منهم، أو أنهم سقطوا في خلال المواجهات وتحللت جثثهم خلال أكثر من 66 يوماً من المعارك المباشرة، أو تناثرت جثثهم أشلاء بفعل القذائف الفتاكة والتدميرية.


أخبار مشوشة

تكشف تقارير إعلامية عن أرقام متفاوتة لعدد الأسرى من لبنانيين مدنيين أو من مسلحي "حزب الله"، وتحدثت معلومات عن خمسة أسرى من مقاتلي الحزب، وعن عدد إجمالي للأسرى اللبنانيين يقدر بـ11 أسيراً، لكن حتى هذا الرقم لم تؤكده الدوائر الأمنية الإسرائيلية الرسمية، مما يجعل الرقم الحقيقي غامضاً حتى الآن، فيما كشفت تقارير حقوقية لبنانية عن وجود 16 أسيراً لبنانياً لدى إسرائيل، منهم ستة من مقاتلي "حزب الله" أو العاملين في جهاز الاتصالات فيه.

وخلال يناير (كانون الثاني) الماضي، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر مقرب من الحزب قوله إن إسرائيل أسرت سبعة من مقاتليه خلال الحرب الأخيرة التي دارت بين الطرفين، وأن المقاتلين السبعة اعتقلتهم إسرائيل خلال المواجهات بين الحزب وإسرائيل في أكتوبر(تشرين الأول) عام 2023 واستمرت إلى حين سريان وقف إطلاق النار في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي. وقال مسؤول عسكري إسرائيلي في نوفمبر الماضي إن "قوات كوماندوس بحرية إسرائيلية اعتقلت عنصراً رفيعاً في ’حزب الله‘، في مدينة البترون الساحلية بشمال لبنان" ويدعى عماد أمهز، وبثت إذاعة "كان" العبرية تقريراً عن قسم سري في سجن "أيالون" الإسرائيلي بالرملة، يحتجز فيه أسرى من نخبة "كتائب القسام" و"قوة الرضوان" التابعة لـ"حزب الله".


روايات من الأسر والتعذيب

وإلى أن يتضح هذا الملف الإنساني والشائك، في الأقل لدى السلطات اللبنانية، نذهب إلى أسرار وظروف وتفاصيل اعتقال عدد من الأسرى المدنيين وما تعرضوا له من تحقيقات وتعذيب جسدي ونفسي من قبل الجنود الإسرائيليين وضباط التحقيق... وهي روايات ينقلها لـ "اندبندنت عربية" حصراً لبنانيون أسرتهم إسرائيل وأطلقت سراحهم لاحقاً.

حسين قطيش ابن بلدة حولا (جنوب) يروي ظروف اعتقاله مع عدد من أبناء بلدته، في الـ16 من فبراير الماضي، ويقول "وعدنا بالدخول إلى بلدتنا بتاريخ الـ27 من نوفمبر العام الماضي، دخلنا وجلنا في طرقات البلدة وبقينا هنا نحو ثلاثة أيام أو أربعة، بعدها أعلمنا أن هناك فترة 60 يوماً نمنع فيها من دخول البلدة، فعادرنا حتى الـ26 من يناير الماضي، وبعدها تداعينا كأبناء بلدة كي ندخل مجدداً، جئنا من ناحية شقرا وتخطينا حواجز للجيش اللبناني بعد محاولة منعنا من الدخول وإصرارنا نحن على أن نصل إلى القرية، وصلنا إلى مقربة من الساحة فواجهنا الإسرائيليون بالرصاص وسقط ثلاثة قتلى مدنيين وأكثر من 20 مصاباً، على رغم مما حصل، شيعنا قتلانا وأخذنا قراراً بالبقاء في البلدة، وبقينا حيث وصلنا من الـ26 من يناير حتى الـ14 من فبراير".

في هذا اليوم شعر الداخلون إلى حولا أن "هناك حركة غريبة لدى الإسرائيليين، وهي أن المراكز التي كانوا موجودين فيها، في محلة الدير أو المرج، فجروها وأحرقوا البيوت المجاورة واختفت تحركاتهم، رحنا نراقب في ذلك النهار، وفي اليوم التالي في الـ15 من فبراير وحتى الـ16 منه، تحمسنا وقررنا التجربة بالدخول إلى أحياء أخرى في حولا، طلبنا من الجيش اللبناني إفادتنا بما يعرفه عما إذا كان الإسرائيليون قد انسحبوا أم لا، فرد الجيش بأنه لم يرصد أي تحرك لقوات العدو خلال يومين، كنت في الطليعة وصعدنا إلى ظهر الساتر الذي كانوا خلفه ولم نجد أحداً، فأكملنا طريقنا باتجاه الضيعة، دخلنا إليها، وكان يوم اعتقالنا".


"أطلق الجنود نحوي فأصبت"

يضيف قطيش أن "أكثر من 450 شخصاً من أبناء البلدة والجيران دخلنا باتجاه الضيعة وجلنا في الأحياء والحارات وتفقدنا البيوت والأماكن، توزع الناس في أكثر من حارة، لكن في طريق عودة فريقنا كان الجنود الإسرائيليون قد تقدموا إلى الضيعة ووصلوا إلى الساحة، ففوجئنا بهم هناك، إذ قاموا على الفور باعتقال من وصلوا أولاً، وكبلوا أيديهم وطرحوهم أرضاً، كانوا ثمانية ومن بينهم أخي، حاولنا وكنا أربعة التقدم نحوهم، فوجهوا السلاح نحونا وأطلقوا الرصاص، أصيب ابن شقيقتي لكنه استطاع الفرار، أما أنا فالإصابة كانت تحت ركبتي ولم أعد أستطيع الوقوف، فاعتقلوني وأنا مصاب"، ويتابع قطيش "بعد إصابتي طلب مني أحد الجنود التقدم وكان يتحدث العربية، فأجبت بأنني لا أستطيع الوقوف، تقدم هو نحوي، وربط رجلي برباط ضاغط كي يوقف النزف وطلب مني المغادرة خلال خمس دقائق، فقلت لا أستطيع أن أمشي، طلب من شخصين آخرين أن يحملاني فلم يقدرا، إذ إن الطريق والساحة كانتا مطمورتين بردم البيوت المدمرة، حاولت لكن الجرح نزف بغزارة. نادى أحد الشباب ممن حاولوا نقلي على الجندي وأبلغه بعدم إمكان نقلي، إذ إن مسافة الطريق كي نصل إلى سيارة إسعاف تتجاوز ثلاثة كيلومترات من الردم، فطلب الجندي من زميلي الاستعانة بمدنيين، نادى على شابين من فريق إسعاف كشافة الرسالة الإسلامية، من بينهم عماد قاسم، وحاول من حولي حملي لكن وصلت في هذه الأثناء دورية إسرائيلية ثانية، وعلى الفور جرى نقلي إلى إحدى سياراتهم، واعتقلوا أربعة أشخاص كانوا حولي، بينهم مسعفان ونقلونا إلى موقع العباد (الحدود اللبنانية - الإسرائيلية)".


أسير من جبشيت

في ذلك النهار جرى اعتقال خمسة من ساحة حولا، في وقت حصل إطلاق نار باتجاه المدنيين وسقطت فتاة عمرها 14 عاماً تدعى خديجة حسين عطوي بعد إصابتها برصاصة في رأسها، وتمكن عدد من العالقين في البيوت القريبة من الساحة من الخروج تسللاً خلال ساعات طويلة.

ويوضح قطيش أنه "بعد وصولنا إلى موقع العباد أخذوا الشباب إلى ناحية، وأنا وضعوني في سيارة إسعاف ونقلوني إلى مستشفى زيف في مدينة صفد، أجروا لي هناك إسعافات أولية لوقف النزف وأبلغني الطبيب بأن رجلي تحتاج إلى جراحة، هل تريد أن نقوم بها هنا أم في لبنان؟ فقلت إذا عاد الخيار لي أريد أن أجريها في لبنان فرد ضابط كان هناك: على حساب من ستجريها في لبنان: ’حزب الله‘؟ وبعد نقاش بين الضابط والطبيب أمر الطبيب بإجراء العملية هناك"، ويلفت إلى أن الإصابة كانت بقصبة الرجل، جراء رصاصة مباشرة دخلت وخرجت وكسرت العظم "قبل الدخول إلى العملية أتى المحقق، وبقي معي نحو نصف الساعة، وأنا في ألم شديد، كنت أجيب بصعوبة، ثم أجريت العملية وتم تركيب جهاز من ظهري حتى قدمي، وأوصى الطبيب أن يبقى هذا الجهاز مدة سبعة أيام متواصلة، إلى أن يفك ويركب مكانه جهاز آخر، ثم جلس المحقق معي مرتين وثلاثاً مع ممارسة ضغط نفسي وجسدي".

الضغط النفسي تمثل بحسب قطيش "بأنني يوم دخلت الضيعة كان معي ابني وزوجته وأولاد ثلاثة، هم بحارة وأنا بحارة أخرى، وقبل أن أصاب بدقيقتين كان ابني يتصل بي ويبلغني بأن الرصاص فوق رؤوسهم، أبلغني المحقق بأن ابني معتقل لديهم، ربما سمعني وأنا تحت البنج أردد اسمه، وقال إن ابني وزوجته وأولاده هنا، وصار يردد أمامي أسماءهم، وقال تكلم واعترف كي يعودوا إلى بيتهم، ورددت أمامه أكثر من مرة تريدني أن أعترف بشيء لم أفعله؟ أو لا أعرفه؟ وصار يسألني عن علاقتي بـ’حزب الله‘، ونفيت أي علاقة لي بالحزب، فأنا موظف أخرج إلى عملي من السابعة صباحاً ولا أعود قبل الخامسة مساء".


"لماذا أتيتم إلى حولا؟"

"كان التركيز في التحقيق تحت سؤال: لماذا دخلتم إلى حولا، من أرسلكم أو طلب إليكم الدخول إليها؟ و90 في المئة من الاستجواب تركز على دخولنا إلى القرية، وسألني عن بيتي بواسطة خريطة جوية، وقال من المستحيل أن تصل إلى بيتك، فلماذا دخلت حولا؟ من دفعك وعلام كنت تبحث؟" يروي قطيش ويقول "أنا رأيت الجندي حينما وجه البندقية نحوي، حاولت أن أتحدث إليه، كنت أتوقع الرصاصة أن تصيبني بمقتل وليس برجلي، ثوان مرت ظننتها وقتاً طويلاً، ثوان قليلة بين توجيه بندقيته نحوي وإطلاق الرصاصة، لن أقول عن نفسي كنت قوياً لكن بلحظتها تبدد كل خوف، حتى عندما بدأ يقترب الجندي مني ليطلب أن أرحل، قلت له: إما أن تتركوني أنزف حتى الموت أو تنقلوني بسيارتكم إلى مكان قريب من حاجز الجيش اللبناني، فكان القرار أن أسرت".

جنود إسرائيليون في جنوب لبنان خلال الحرب الأخيرة (ا ف ب)
جنود إسرائيليون في جنوب لبنان خلال الحرب الأخيرة (ا ف ب)


اللبناني حسين قطيش متحدثاً عن أسره وثم إطلاق سراحه (كامل جابر- اندبندنت عربية)
اللبناني حسين قطيش متحدثاً عن أسره وثم إطلاق سراحه (كامل جابر- اندبندنت عربية)


تعليقات: