تطل علينا مناسبة ذكرى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في وقت معقّد جدًا، خاصة بعد معركة “طوفان الأقصى” لحركة حماس في غزة و”إسناد” حزب الله لها.
في هذه السنة بالذات، في هذه الذكرى 16 أيلول 1982، يوم انطلاق بضعة شباب ليحرروا بيروت عاصمة لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، في غضون أيام من عمليات موجعة، قام على أثرها الاحتلال يترجّى أهل بيروت، أي مقاوميها الذين عدّوا على الأصابع، يترجاهم عدم إطلاق النار عليهم واعدين بالانسحاب منها بأسرع وقت!
ومن بيروت تعاظمت المقاومة الوطنية،لتضمّ عشرات الأفراد، وشملت في الجبل وإقليم الخروب والبقاع والجنوب، وبدأت تحت ضرباتها الموجعة تنسحب إسرائيل من الأرض اللبنانية إلى أن وصلت إلى حدود ما يُعرف بالشريط الحدودي وجزين في العام 1985.
ومن هذا العام بدأ المشوار الأصعب للمقاومة الوطنية حين سيطرت حركة أمل على الأرض المحررة واستلمت الأمن فيها، وتضاعف جهد المقاومين أضعافًا مضاعفة في هذه الفترة من خلال تجاوز الأراضي المحررة للوصول إلى الأراضي المحتلة، تجنّبًا لأي مشاكل احتجاز أو اعتقال أو قتل من خلال اصطدام مسلح عند القرى الأمامية.
معارك الداخل وإقفال الجبهات
من بعدها جاء العبء الأكبر الذي تمثّل خلال المعارك الدامية التي جرت في إقليم التفاح ما بين حركة أمل وحزب الله، والتي أثّرت سلبًا من كل النواحي على المقاومين الوطنيين في العبور والتخفي من قرى الإقليم، خاصة من جهة جباع، عين بوسوار، جرجوع، عين قانا. وأصبح هذا المحور مقفلًا أمام رجال المقاومة الوطنية وتوقفت هناك العمليات كليًا إلى حين تم تأمين البديل في العبور إلى المنطقة عبر منطقة الشوف، عين زحلتا، حيطورة، جزين، وأعيد النشاط في ضرب المحتلين الاسرائيليين، تحت أصوت القصف والاشتباكات بين أمل وحزب الله في منطقة إقليم التفاح وصولًا إلى النبطية.
في هذه الظروف التي وُجدت والتي ذُكرت، دفعت المقاومة كلفة باهظة وتكبّدت كثيرًا شهداء وأسرى، وفرضت خططًا عملانية صعبة. إلى أن وصلت “جبهة المقاومة الوطنية” (جمول) الى خواتيمها، بعد عقد صفقة إنهاء حرب أمل – حزب الله في دمشق عام 1989، وصولًا إلى اتفاق الطائف والسطوة الإيرانية السورية بالتفاهم الإقليمي مع أميركا.
تم القضاء على المقاومة الوطنية بتدخل سوري فاضح أثناء المفاوضات السورية – الإسرائيلية التي أرادها حافظ الأسد أن تكون أداة غبّ الطلب، ورفضها الشيوعيون (المقاومة الوطنية)
من الوطنية إلى المذهبية
تم القضاء على المقاومة الوطنية بتدخل سوري فاضح أثناء المفاوضات السورية – الإسرائيلية التي أرادها حافظ الأسد أن تكون أداة غبّ الطلب، وارفضها الشيوعيون (المقاومة الوطنية)، وقبلتها يومها المقاومة الإسلامية، لتبقى تحت حسابات غرفة التفاوض السورية – الإسرائيلية. ومن هذه اللحظة بدأ الانقلاب من مقاومة وطنية إلى مقاومة مذهبية ساهمت بتحرير الربع الأخير من الأرض المحتلة في سنة 2000، ولاحقًا أعلنت ولاءها وأهدافها للجهة الإيرانية وتطبيق برامجها خارج حدود الوطن لبنان، الأمر الذي كلّف لبنان أثمانًا لا تُعدّ ولا تُحصى، وآخرها في حربها المساندة لحماس التي أعادت الاحتلال إلى أراضٍ لبنانية بعد 22 عامًا من التحرير.
وهنا، في ذكرى “جمول”، خاصة في السنتين الماضيتين، تبيّن وانكشفت الورقة المستورة أمام الناس والشعب اللبناني، ما بين حقيقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وما بين وهم ووهن المقاومة الإسلامية عند المنعطفات الأخيرة حين جرى تفضيل الخيار الإقليمي على الخيار الوطني، وتحديدًا الخيار الإيراني .
ما بين البدايات والنهايات هناك خيط رفيع، لكن يبقى هو الأساس لأي انطلاقة مقاومة ولأي نهاية.
تعليقات: