غازي العريضي: إمكانات الجيش وخطته

الوزير السابق غازي العريضي: الجيش يتسلم سلاح من الفصائل الفلسطينية في مخيم البرج في بيروت،  ويقوم بدوره على أكمل وجه، المهام على الحدود اللبنانية السورية، مواجهة الإرهاب، مواجهة صناعة المخدرات وتهريبها والاتجار بها
الوزير السابق غازي العريضي: الجيش يتسلم سلاح من الفصائل الفلسطينية في مخيم البرج في بيروت، ويقوم بدوره على أكمل وجه، المهام على الحدود اللبنانية السورية، مواجهة الإرهاب، مواجهة صناعة المخدرات وتهريبها والاتجار بها


تناقش الحكومة اللبنانية نهاية هذا الأسبوع بنداً أساسياً على جدول أعمالها متعلقاً بالخطة التي يعدّها الجيش لترجمة القرار بحصرية السلاح في يد الدولة، وبالتحديد سلاح حزب الله. تنعقد الجلسة بعد تطور مهم تمثّل بتبني الوفد الأميركي الذي زار بيروت الأسبوع الماضي الموقف الإسرائيلي، وخلاصته: "على لبنان أن ينفذ سحب سلاح حزب الله لتقابل إسرائيل ذلك بخطوة من جانبها". وهذا ما أقلق المسؤولين اللبنانيين وفتح الباب على نقاشات ساخنة وحادة أحياناً ، وعلى ترقّب ما ستقدم عليه الحكومة التي أقّرت الورقة الأميركية المعدّلة وتضمنت بنداً يقول : " لا تصبح هذه الورقة نافذة بكل بنودها إلا بعد موافقة سوريا وإسرائيل " !!

الجواب الإسرائيلي جاء مباشرة بعد صدور القرار، ثم بعد زيارة الوفد الأميركي إلى بيروت، ومنها انتقل إلى إسرائيل وعاد بالجواب السلبي الأكثر وضوحاً و"رسمية" إن صح التعبير، الذي سُلّم للوفد. في كل الحالات، أي نقاش حول هذا الموضوع يجب أن يكون مبنياً على الوقائع والحقائق، وعلى بنود اتفاق وقف الأعمال العدائية الموقّع بين لبنان وإسرائيل ، وعلى الجواب الإسرائيلي ، ودور الجيش ومهامه ، والواقع السياسي الداخلي اللبناني .

نبدأ بدور الجيش الذي نجدّد التحية له قيادة وضباطاً وجنوداً على ما قاموا ويقومون به، والتحية الخاصة للشهداء الذين سقطوا أثناء تنفيذهم مهامهم في الجنوب واستلام مواقع عسكرية وأسلحة وذخائر تعود لحزب الله. هنا تبرز أمامنا عوامل تقنية، بشرية، وسياسية. يجب أن نعرف أن الفرق المتخصّصة بهذا النوع من العمل في الجيش يبلغ عدد أفرادها ثمانين خبيراً. استشهد منهم 12. العدد قليل، ولتأمين البديل وزيادة العدد يحتاج الجيش إلى مال وتدريب ووقت، وقد تقع إصابات وخسائر في عمليات لاحقة. وبالتالي ينبغي دعمه ورعايته وتعزيز قدراته وإمكاناته البشرية والعسكرية والتقنية والفنية والمعنوية.

حتى الآن سمعنا بعض التصريحات تتحدث عن دوره الكبير وإنجازاته الهائلة التي حققت خلال أشهر قليلة ما لم يتحقق خلال سنوات. لكننا لم نر أي دعم فعلي له، بل يطلب إليه تنفيذ قرار الحكومة وخلال مدة معينة. هل انتهى عمله في الجنوب ؟؟ هل ما تحقق حتى الآن، وثمة من يشيد به، هو خارج اتفاق وقف الأعمال العدائية أم أنه يندرج في صلبه؟؟ ولماذا لم تنفذ إسرائيل أي بند، بل احتلت المزيد من الأراضي وتجاهر علناً بأنها تريد شن حرب واسعة على لبنان إذا قضت مصالحها بذلك؟؟ ولماذا إصرار البعض على التركيز الدائم على دفع الجيش إلى منزلقات خطيرة قبل أن ينهي عمله في المنطقة الجنوبية، مع إصرار إسرائيل على عدم التزام قرارات الحكومة " التاريخية " كما يحلو للبعض أن يسميها ؟؟

الجيش يقوم بدوره على أكمل وجه، استلام سلاح حزب الله، واستلام بعض السلاح الفلسطيني، والمهام على الحدود اللبنانية السورية، مواجهة الإرهاب، مواجهة صناعة المخدرات وتهريبها والاتجار بها، وقد حقق خطوات متقدمة في هذا المجال. وثمة تحديات كبيرة وأحداث كثيرة في المنطقة قد يؤثر بعضها على الداخل اللبناني. فماذا بإمكان الجيش أن يفعل أكثر من ذلك؟؟

ثمة من يدعو إلى الإسراع في تنفيذ القرار رغم التنكّر الإسرائيلي لمضمون اتفاق وقف الأعمال العدائية، وللورقة التي أقرّتها الحكومة اللبنانية، وثمة من يذهب بعيداً: الجيش قادر وحده على مواجهة إسرائيل، وفي ذلك مبالغة كبرى لأنه لا يمتلك الحد الأدنى من الإمكانات للقيام بواجبه ودوره. وهل ثمة سيادة في ما نسمع: على الجيش أن ينفذ ويثبت التزامه ودوره لنأتي إلى مساعدته؟؟ ولا يتحدث هؤلاء عن الموقف الإسرائيلي؟؟ الجيش فعل ويفعل، ولم يقدّم له شيء .

إسرائيل لم تفعل إلا استمرار الاحتلال والتوسّع والقتل والاغتيال والالتزام الدائم بعملياتها وفرض شروطها. ونجد من يبرّر أعمالها تحت عنوان: هذا هو ميزان القوى. نكرّر القول: ألم يكن ميزان القوى هذا موجوداً عند توقيع الاتفاق؟؟ فلماذا وقّع إذن؟؟ وهل يمكن أن نحمي أرضنا وسيادتنا ومسيرة إعادة بناء الدولة وتفعيل المؤسسات وعلى رأسها الجيش والقوى الأمنية وتنفيذ القرارات التي اتخذت بالتسليم بتفوق إسرائيل، وعدم القدرة على إلزامها بتنفيذ ما هو مطلوب منها؟؟ عند أي حد يمكن أن تقف الشروط الإسرائيلية في مثل هذه الحالة؟؟

لا بد من حصر السلاح في يد الدولة. الهدف نبيل. لكن طريقة الوصول إلى تحقيقه قد تضمن سلامة الوصول إليه ولبنان معافىً، وقد تشكل انتكاسة جديدة وترسّخ الإملاءات الإسرائيلية عن قصد أو غير قصد لدى هذا الفريق أو ذاك.

المطلوب حوار جدي هادئ وواقعية من قبل كل الأطراف المعنية من دون استثناء. لا أحد يمكنه كسر أو تجاوز أحد في لبنان. وأمام التسلّط الإسرائيلي ينبغي تكوين موقف لبناني موحّد، وحزب الله معني في خطابه وممارساته بمراجعة كل ما جرى وإبداء المرونة والواقعية في قراءة الوضع الداخلي، والذين يمارسون سياسة الانتقام والتشفّي والشماتة مطالبون بالإقلاع عنها، والمسؤولون في كل مواقعهم ملزمون بموقف جامع في إدارة هذه العملية الدقيقة وسيادة لبنان لا تتجزأ.

تبقى إسرائيل هي العدو، والاستقرار الداخلي والوحدة الداخلية هما ضمانة الوصول إلى حصر السلاح في يد الدولة، وما يهدّد هذا الهدف ويخلق اهتزازات في الاستقرار هو سوء التقدير والتدبير والإدارة. ننتظر خطة الجيش، وهو أدرى من الجميع بما عليه وما يمكنه القيام به وكيف ومتى.

تعليقات: