صبحي القاعوري: نزع سلاح المقاومة بين السيادة اللبنانية والإملاءات الخارجية

الكاتب الحاج صبحي القاعوري: لبنان اليوم أمام مفترق طرق
الكاتب الحاج صبحي القاعوري: لبنان اليوم أمام مفترق طرق


لم تكن دعوة فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزف عون إلى دولة الرئيس نبيه بري لمساعدة الحكومة في مسألة نزع سلاح المقاومة، سوى محطة جديدة في سياق سجالي مأزوم يعيشه لبنان منذ سنوات. الكلمة التي ختمها الرئيس بعبارة "لبيك يا لبنان" بدت مؤثرة وملهمة، لكنها في العمق طرحت أسئلة مشروعة حول توقيتها وأبعادها الحقيقية.

فالمطلب بنزع سلاح المقاومة ليس جديدًا. إنه مطلب متكرر تتبناه أطراف داخلية وخارجية على حد سواء. لكن السؤال المركزي يبقى: هل هذا القرار، إذا ما جرى تنفيذه، سيكون فعلًا في مصلحة لبنان وأمنه القومي، أم أنه سيخدم أولًا وأخيرًا إسرائيل والولايات المتحدة؟

وهل الورقة التي أقرتها الحكومة تمثّل إرادة لبنانية خالصة أم أنها نتاج ضغوط دولية صيغت في الخارج وأُلبست لبوسًا محليًا؟

نبيه بري: الثابت على الموقف

لا يحتاج الرئيس نبيه بري إلى دفاع أحد، لكن الوقائع تشهد على مسيرته السياسية. فمنذ رفضه الوجود السوري في لبنان في وقتٍ كان كثيرون يتسابقون إلى أبواب الضباط السوريين، مرورًا برفضه اليوم لكل أشكال الاحتلال الإسرائيلي والإملاءات الأميركية، يظهر بري كرجل المواقف الصلبة الذي لا يساوم على السيادة. المفارقة أن التاريخ يعيد نفسه: فمن كان يلهث وراء رضا غازي كنعان ورستم غزالي بالأمس، يسارع اليوم إلى استرضاء السفراء الأجانب، مبرهنًا أن ارتهان البعض للخارج بات نهجًا متجذرًا.

التحدي الدستوري والسياسي

إن ما يثير القلق في قرار الحكومة، ليس فقط مضمونه بل أيضًا آلية اتخاذه. فخطاب القسم الذي ألقاه الرئيس نصّ بوضوح على صون الدستور وحماية السيادة اللبنانية، كما أن القرار 1701 وضع الانسحاب الإسرائيلي والإعمار كأساس قبل أي بحث استراتيجي بالدفاع. فكيف إذن يُتخذ قرار استراتيجي بهذا الحجم بمعزل عن التوافق الوطني، وهو التوافق الذي يشكّل ركيزة النظام اللبناني القائم على التوازنات الطائفية الدقيقة؟

وللمفارقة، فإن أزمة "تغيير التوقيت" التي أحدثتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في شهر رمضان، أثارت ضجة كبرى لأنها لم تحظَ بالتوافق، فانتهى الأمر بإلغائها. فكيف يمكن أن يمرّ قرار يتعلق بالسلاح والسيادة – وهو أخطر بما لا يقاس – من دون توافق وطني شامل؟

بين خيارين

لبنان اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يذهب في اتجاه إضعاف مقاومته خدمةً لمشاريع خارجية، وإما أن يعيد ترتيب أولوياته الداخلية عبر حوار وطني صادق، يضع استراتيجية دفاعية تحمي البلاد دون أن تضعف مكوّناته.

فخامة الرئيس،

لا يزال أمامكم الوقت لتصحيح المسار. التاريخ لا يرحم، والأبواب لا تُفتح مرتين. إذا كان "لبيك يا لبنان" شعارًا، فإن ترجمته العملية تبدأ بقرار شجاع يضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار، ويقطع الطريق على من يحاولون استغلال اللحظة لإدخال الوطن في نفق مظلم جديد.

الحاج صبحي القاعوري

تعليقات: