راشد شاتيلا: لبنان.. ما تبقّى من الحلم العربي


في قلب الشرق الأوسط، يقف لبنان كلوحة فنية متشابكة الألوان، يعكس تاريخاً حافلاً بالحضارات والأحداث، وطموحاً لا يموت للحلم العربي الجامع. رغم كل الأزمات والتحديات، يبقى لبنان رمزاً لحلم الوحدة والحرية والكرامة الذي ما زال ينبض في وجدان العرب.

لبنان ليس فقط مساحة جغرافية أو دولة بين دول المنطقة، بل هو تجربة إنسانية تجمع بين التنوع والاختلاف، حيث اختلطت الثقافات والأديان والأفكار في بوتقة واحدة. هنا، بدأت حركات التحرر، وكتب أدباء وشعراء عن قضايا الأمة، وانطلقت أصوات المقاومين من أجل كرامة الإنسان وحقوق الشعوب.

ولكن الحلم الذي شكل لبنان لم يكن سهلاً. فقد مر الوطن بمحن وانكسارات، تجلّت في الحروب والاحتلالات والصراعات الداخلية، غير أن جذور الحلم العربي بقيت متجذرة في نفوس اللبنانيين الذين يرفضون الانكسار ويؤمنون بالمستقبل. لبنان هو صوت ينبض بالأمل رغم الألم، ومرآة تعكس وجدان الأمة.

هذا البلد الصغير لم يكن يومًا عاديًا. فمنه انطلقت شرارة الوعي العربي، ومن جباله صدحت الأصوات الرافضة للاستعمار، ومن أحيائه الفقيرة خرج المثقفون والمناضلون الذين خطّوا بدمهم معالم المشروع العربي المقاوم. لبنان ليس تابعًا، بل مساهمٌ في صياغة الوجدان العربي، وفاعلٌ في تشكيل ضمير الأمة.

وإن كانت الطائفية قد مزّقت نسيجه، والفساد قد التهم مؤسساته، فإن الذاكرة الوطنية لا تزال تحفظ لحظات مشرقة من الوحدة والتكافل والتضحية. كان لبنان حاضن للقضية الفلسطينية، ومدرسة للنضال العابر للطوائف والحدود.

ليس المطلوب من لبنان أن يحمل وحده عبء الحلم العربي، بل أن يستعيد مكانته كمنارة فكر ونضال، وأن يجد العرب فيه شريكًا لا عبئًا، وأخًا لا هشيمًا. فالرهان على لبنان ليس ترفًا عاطفيًا، بل ضرورة استراتيجية في زمنٍ يتعرض فيه العالم العربي لمحاولات محوٍ وتشتيت.

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج لبنان إلى استعادة روحه الحقيقية، روح التضامن والكرامة والوحدة، ليكون مثالاً حيّاً على الحلم العربي الذي يرفض الانكسار. فليكن لبنان، رغم الصعوبات، ما تبقّى من حلم لم يمت، ونافذة للعرب نحو مستقبل أفضل.

* راشد خضر كمال شاتيلا

تعليقات: