في أحد المقاهي، جلس مجموعة من الشبان، يتوسط كلٍّ منهم نرجيلة، وأمامهم فناجين القهوة، يتبادلون الأحاديث حول ما يدور في العالم من حروب ومآسٍ. نقاشات حادة، تتقاطع فيها الآراء، وتختلف فيها الزوايا، ويتفق الجميع فقط على أن لا اتفاق.
بدأ النقاش من السويداء، حيث قال أحدهم إن مشايخ الدروز أخطأوا حين رفضواإخضاع المدينة لسلطة دمشق وتسليم السلاح، مما تسبب بسقوط الضحايا ودمارالممتلكات.
رد عليه آخر قائلاً: "وهل تريدهم أن يلقوا مصير العلويين الذين سلّمواسلاحهم للحكومة، فصاروا تحت رحمة الميليشيات الخارجة عن القانون؟ هكذا وصفتهم الحكومة لتبرر تقاعسها عن حماية المواطنين ، السلاح في يد الأقليات، للأسف، بات ضرورة لحماية النفس والعِرض والكرامة، حتى ولو وصفته السلطة بالسلاح غير الشرعي".
ثم تحوّل النقاش إلى غزة، فقال أحدهم: "حركة حماس أخطأت حين أطلقت عملية طوفان الأقصى، فقد كانت نتيجتها تدمير البيوت والمساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات، وسقوط ما يزيد عن خمسين ألف شهيد، ومئة وخمسين ألف جريح".
ردّعليه صديق قائلاً: "وبهذا المنطق، هل كان على بريطانيا وروسيا أن تستسلما لهتلر، تجنّبًا لدمار المدن وملايين الضحايا؟ وماذا عن الوطن؟ عن الكرامة؟ عن الشرف؟"
تدخّل ثالث وقال: "حتى فتح جبهة دعم من لبنان، كان قرارًا خاطئًا من المقاومة الإسلامية، كان الأجدى أن تتوجه مباشرة إلى الجليل!"
ردّ أحدهم بنبرة هادئة: "دعونا نطرح الأمر بشكل مختلف... لنفترض أن تلك المركبة ، تمثل الواقع، ووقف أحدكم أمامها، والآخر خلفها، واثنان على الجانبين، ثم ضربهاأحدهم من طرف ما. هل سيرى كل منكم نفس المشهد؟"
أجابوا: "لا".
قال: "أنتم جميعًا ترون الواقع، لكن الحقيقة لا تتضح إلا لمن يقود المركبة... لمن يمسك بالمقود."
المؤلم في هذا كله أن أحدًا من الحاضرين لم يوجّه أصابع الاتهام إلى إسرائيل، لم يُدن جرائمها، ولم يتحدث عن مسؤوليتها في هذه المجازر والدمار. وكأن العقول قد خضعت لغسيل ممنهج، لم نعد نرى فيه سوى أخطائنا.
وفي النهاية، وبعد كل هذا الجدل، علّق أحدهم قائلاً:
"إذا كثرت القباطنة... غرقت السفينة".
الحاج صبحي القاعوري
تعليقات: