لم تهدأ بعد مفاعيل القرار رقم 13729 الصادر عن مصرف لبنان في الأول من تموز الحالي، المُستند إلى التعميم الأساسي رقم 169 والذي يطلب "من جميع المصارف العاملة في لبنان، الإمتناع عن تسديد أيّة مبالغ من الحسابات بالعملة الأجنبيّة المكوَّنة لدى أي منها قبل تاريخ 17/11/2019، سواءً كانت مكوَّنة لدى المصرف المعني أو تم تحويلها إليه بعد هذا التّاريخ، بما يتجاوز السّقوف المحـدَّدة في النّصوص التّنظيميّة الصّادرة عن مصرف لبنان، وذلك دون الإستحصال على موافقة مصرف لبنان الخطيّة المسبقة".
فإلى جانب الجدل الحاصل حول قانونيته، وتحضير أكثر من جهة حقوقية للطعن فيه أمام مجلس شورى الدولة، ثمة مفاعيل أخرى للقرار على الطلاب الذين يدرسون في الخارج بعد العام الجامعي 2020 -2021، ويحوّل ذويهم مصاريف دراستهم من حسابات محجوزة يملكونها في المصارف، أسوة بالطلاب الذين يستفيدون من قانون الدولار الطالبي الصادر في العام 2022، الذي أقره مجلس النواب وأدخل تعديلات عليه في العام 2022، وأهمها إستفادة الطلاب طيلة سنوات الإختصاص من مندرجات القانون، الذي ينصّ على إلزام المصارف بتحويل مبلغ لا يتعدى 10 آلاف دولار أميركي للطلاّب في الخارج، بالعملة الوطنيّة على سعر الصرف الرسمي 1505 أو بالدولار الأميركي، ويسري الأمر على أولياء الأمور ممن يمتلكون أو لا يمتلكون حسابات مصرفيّة.
جوهر المشكلة هو أن العديد من أهالي الطلاب ، غير المؤهلين للإستفادة من أحكام القانون رقم 283/2020 الآنف الذكر، إستفادوا من هذا القانون (بتساهل وتعاون وتفهّم مع بعض المصارف)، حتى ولو أن أبنائهم إنتسبوا إلى جامعات أجنبية خارج لبنان بعد العام 2021، نظرا لظروفهم المعيشية. لكن بعد قرار المركزي، لم يعد بإمكان المصارف التساهل في هذه التحويلات مع ذوي الطلاب الذين لا تنطبق عليهم شروط القانون، مما أوقع الاهالي والطلاب بورطة حقيقية على حد تعبير علا -ش، التي يدرس إبنها في إحدى جامعات فرنسا منذ سنتين، وكانت تتكل في دفع مصاريف إقامته البالغة (1000 يورو شهريا) من حسابها المحجوز بأحد المصارف، والذي كان يتساهل معها في تحويل المبلغ المطلوب لإبنها، لأن المسؤولين فيه يعلمون بأن زوجها (موظف الدولة) الذي كان راتبه قبل الازمة 4000 دولار، لا يتجاوز حاليا 600 دولار ولا يمكنه تغطية مصاريف دراسة إبنه. تؤكد غدير لـ"ليبانون ديبايت" أنها "تدور حول نفسها، منذ أن قرأت البريد الإلكتروني الذي يخبرها فيه المصرف، أنه لم يعد يستطيع تحويل أموال من حسابها المحجوز بسبب قرار المركزي، خصوصا أنها منذ الأزمة تتكل على راتبها في تسيير أمور البيت (تعمل في قطاع خاص) لأن راتب زوجها لا يكفي بالتأكيد".
تضيف:"المركزي لا بيرحم ولا بيخلي رحمة الله تنزل، كان عليه الأخذ بالحسبان أن هناك فئة من الأهالي تغطي مصاريف دراسة أولادها من حساباتها المحجوزة. كان عليه إتخاذ إجراء إستثنائي خاص بنا، لأنه يعلم بهذا التساهل الذي يحصل، علما أننا في هذا الوضع الصعب بسبب ممارسات المصارف والطبقة السياسية التي تحكمنا".
تبريرات المركزي للقرار
تجدر الإشارة إلى أن تبريرات القرار بحسب المركزي، هي "تأمين المساواة بين المودعين، حيث أن الأزمة المصرفية التي اندلعت في لبنان في تشرين الأول ٢٠١٩ قد أدت إلى وضع قيود على الودائع المصرفية، مما حال دون قدرة المودعين، من مقيمين وغير مقيمين على السواء، على التصرف بأموالهم بحرية، سيما تلك المودعة بالعملات الأجنبية، وبما أن بعض المودعين قد طلب من المصارف العاملة في لبنان تسديد كامل وديعته فورًا، إما نقدًا او عبر تحويل الى خارج لبنان، ومنهم من لجأ في بعض الاحيان الى القضاء الأجنبي بهدف تحصيل حقوقه، وحيث ان هذه المطالب، في حال كونها صحيحة ومحقّة في مبدئها، غير أنه لا يمكن إعتبارها كذلك في الأزمات المصرفية إذ تُحدث تمييزًا غير عادل بين المودعين، بحيث يتم تفضيل المحظيين الذين يملكون مميزات خاصة بهم مقابل بقية المودعين في لبنان الذين لا تتوافر لهم ذات المعاملة التفضيلية".
بحسب المادة المادة 174 من قانون النقد والتسليف، للمصرف المركزي صلاحية إعطاء التوصيات واستخدام الوسائل التي من شأنها أن تؤمن تسييرعمل مصرفي سليم. يمكن أن تكون هذه التوصيات والوسائل شاملة أو فردية. وللمصرف المركزي،خاصة بعد إستطلاع رأي جمعية مصارف لبنان، أن يضع التنظيمات العامة الضرورية لتأمين حسن علاقة المصارف بمودعيها وعملائها. كما أن له تحديد و تعديل كلما رأى ذلك ضروريا، قواعد تسيير العمل التي على المصارف أن تتقيد بها حفاظا على حالة سيولتها وملاءتها.
كما توضّح المادة 70 من قانون النقد والتسليف أن مهمة المصرف المركزي العامة هي المحافظة على النقد لتأمين أساس نمو اقتصادي واجتماعي دائم وتتضمن مهمة "المصرف" بشكل خاص ما يلي:المحافظة على سلامة النقد اللبناني والإستقرار الاقتصادي وسلامة أوضاع النظام المصرفي، و تطوير السوق النقدية والمالية".
ضاهر: سنطعن بقرار الحاكم لتجاوزه حد السلطة
مقابل هذه التبريرات يشرح الأستاذ المحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، المحامي كريم ضاهر ل"ليبانون ديبايت"، أنه "جاري التحضير للطعن بالقرار المتخذ من قبل المصرف المركزي من قبل عدة أطراف، تحت عنوان "تجاوز المركزي لحد السلطة"، لأنه لا يحق له إصدار تعاميم أقرب إلى "كابيتال كونترول" خارج إطار مجلس النواب"، لافتا إلى أنه "سبق أن قدم طعوناً أمام مجلس شورى الدولة بعدة قرارات للمجلس المركزي وأهمها، التعميم رقم 151 الذي صدر قرار بوقف تنفيذه وإنما "تسوية سياسية" هجينة وغير دستورية أبقته نافذاً. كما وضد قرارات لمجلس الوزراء حاولت التمييز بين الودائع، أو فرض قيود عليها مثال القرار رقم 22 تاريخ 18/4/2023 الذي إرتكز على نفس مواد قانون النقد والتسليف المفصلة أعلاه"، و يشير إلى أنه "يمكن أيضاً إجراء نوع من المقارنة مع قرار مجلس الوزراء، الذي زاد الرسوم على المحروقات لتمويل الزيادات على رواتب العسكريين، وتم وقف تنفيذ القرار، ما يعني أنه يوجد حظوظ كبيرة بالطعن بقرار الحاكم 169 ووقف تنفيذه ومن ثم إبطاله لكونه يشكل تجاوزا لحد السلطة excès de pouvoir واغتصاباً للسلطة، وهو معيوب بعيب البطلان كونه صادر عن مرجع غير مختص، لأن الإختصاص في التشريع بحالات كهذه هو لمجلس النواب عملا بمبدأ فصل السلطات المنصوص عليه في الفقرة (ه) من مقدمة الدستور، وأنه منعدم الوجود لهذه العلة، ويقتضي إعلان ذلك سنداً للمادتين /105/ و/108/1 و4 من نظام مجلس شورى الدولة".
يرى ضاهر أنه "إذا حصل ذلك يمكن للمصارف تتحرر من القرار وإكمال التسديد من جديد، وإذا لم يحصل ذلك، يبقى متاحاً لصاحب الشأن، وفق ما هو ملحوظ في المادة الأولة من التعميم الأساسي رقم 169 اللجوء إلى المصرف المركزي والحصول على موافقته الخطيّة المسبقة على أساس الحجج وأسبقية الإستفادة وإنعكاسات القرار على مستقبل شباب لبناني كفوء يتابع تحصيل علمه ويعتبر قيمة مضافة مستقبلية للبلاد"، موضحا أن "المصارف تستند في تحويلاتها إلى القانون رقم 283 الصادر عن مجلس النواب بتاريخ 12/4/2022 ، والذي يسمح إجراء تحويل مالي لا تتجاوز قيمته عشرة آلاف دولار أمريكي من الحسابات المحجوزة لكل طالب من الطلاب اللبنانيين الجامعيين المسجلين في الجامعات والمعاهد التقنية العليا خارج لبنان قبل العام الجامعي 2020 – 2021 وذلك، لمرة واحدة في كل سنة من السنوات الدراسية ولغاية التخرّج الجامعي للطالب، على أن لا يتجاوز مجموع سنوات الاستفادة من هذه المبالغ عدد السنوات المقرّرة لاختصاص واحد، بالاستناد إلى أنظمة كل من الجامعات والمعاهد التقنية العليا المخصوصة، أي على سبيل المثال والبيان ليس إلا: محاماة (4 سنوات) والطب 7 سنوات والإقتصاد 3 سنوات، أما نيل شهادة الماجستير بعد إنتهاء الإختصاص الأول فلا يسري عليها مبدئياً هذا القانون".
ويختم:"التعميم الذي صدر عن مصرف لبنان، لحظ في متنه أن مفعول القانون الصادر عن مجلس النواب لا يزال ساريا وفقا لشروط التي ذكرناها، لكن هناك مصارف سمحت لمودعيها بتحويل أقساط أبنائها من حساباتهم المحجوزة على سبيل التسامح ، وهذا التعميم الذي صدر عن المركزي إلزامي للمصرف ولايمكنهم تجاوزه إلا بموافقته الخطية المسبقة، مما ولّد هذه المشكلة عند عدد من الأهالي".
تعليقات: