دمشق في انتظار الجنرال: استقبال رسمي وحوارات واحتفالات شعبية

عون منتصراً في 7 أيار (أرشيف)
عون منتصراً في 7 أيار (أرشيف)


■ سوريا تستعدّ لمصارحة «الزعيم الصادق» والاستماع إلى تقويمه..

■ ترويكا الشهابي ـ خدام ـ كنعان كانت وراء 13 تشرين ونفي عون..

■ لتفتح محاضر مجلس الوزراء وليعرف الناس من كان خلف 7 آب..

يقوم العماد ميشال عون في وقت قريب بزيارة الى سوريا تستمر عدة أيام، وقبل أن تحصل الزيارة كانت محور متابعة وتعليقات من جانب قوى عدة في لبنان وخارجه، مع سعي لافت من جانب فريق 14 آذار لوضع الزيارة في إطار تفترض أنه يفيدها في معركتها الانتخابية المقبلة. لكن ماذا عن البلد المضيف؟

دمشق ـ

كيف تنتظر دمشق ميشال عون؟ سؤال يكفي ليكون مدخلاً لحوارات لثلاثين سنة وأكثر، في العاصمة السورية.

الكل هناك يجمع على الإشادة بالرجل. كل الأوصاف التأليهيّة يستحضرها الراهن إزاء جنرال حرب التحرير: إنه الخصم الشريف سابقاً، والجار الصادق حالياً. المقاوم... هذا الرجل معدنه من ألماس وأكثر، يقولها أحد المسؤولين بلهجة حاسمة.

تسألهم متى اكتشفوا كل هذه الصفات في «سيادة العماد»، كما يسمونه، ولماذا لم يكتشفوها سابقاً، علّهم كانوا قد وفّروا على الطرفين الكثير... فتتعدد الإجابات.

بعضهم يسارع إلى إعادة قراءة ذاتية «تنصّلية» من الحقبة الماضية. بعضهم الآخر، يحاول التفسير بموضوعية أكثر، على طريقة «كلّنا أخطأنا، وكلّنا تطوّرنا وتغيّرنا». وبعضهم الثالث يغوص في تفاصيل المرحلة السابقة، وينبش الشواهد والقرائن... وبين الأجوبة الثلاثة، تعيد دمشق رسم تاريخ كامل، على نسيج انتظارها لجنرال أسهمت في نفيه.

أصحاب الجواب الأول يؤكدون أنهم لم يكونوا مسؤولين عن قرار العداء حيال عون، منذ عشرين عاماً. لا بل يجاهرون اليوم بأنهم كانوا يومها ضد ما حصل، وأصحاب رأي مخالف ومغاير. يروي مسؤول سوري كبير أنه منذ أن تسلّم عون رئاسة الحكومة الانتقالية، أوصى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بالتعاون معه، والانفتاح عليه، «لكن النصيحة لم تصل إلى سيادة الرئيس».

مسؤول آخر يكاد يجزم بأن قرار الاجتياح في 13 تشرين الأول 1990، لم يكن قراراً «مركزياً»، بل طُبخ في الدوائر المعروفة بين بيروت ودمشق، وقُدّم للقيادة على أنه الخيار الوحيد، والأفضل، في آنٍ معاً.

■ من اتخذ قرار 13 تشرين؟

تكاد تستغرب القراءة المذكورة، أو حتى تعدّها استخفافاً بعقلك... وماذا عن السياق الدولي آنذاك؟ وشهر العسل الأميركي ـــــ السوري؟ وحرب الخليج الأولى وعملية مدريد وكل السياق الذي يفسّر انتصار دمشق على حساب لبنان وسيادته وجنرالهما؟ يلوذ المعنيون بأجوبتهم الأولى: لم نكن مسؤولين، كان سوانا مَن يقرّر، عندنا، وعندكم.

هي «خبرية» ترويكا الشهابي ـــــ خدام ـــــ كنعان مجدداً؟ ليست مجرد خبرية، يجيبك المعنيون، بل حقيقة. لو أن القيادة تسمح بفتح الملفات وكشف الوثائق، لكانت أمور كثيرة قد تغيّرت. ليست رواية، بل وقائع. مشروع كبير لضرب نظام الدولة في سوريا، وضرب نظام التوافق والعيش المشترك في لبنان. نعم، كانوا يعملون لتوطين الفلسطينيين. هذا هو مشروع القريعة، هل تذكرونه؟ لدينا وثائقه كاملة، بخط يدهم، بكل ما يدينهم ويفضح مخططاتهم، لكن ممنوع علينا التشهير أو الكلام.

ولماذا صمتكم إذن؟ أليس الدليل على تورّط البعض هنا في كل ذلك؟ طبعاً لا. لكن نهجنا في كوننا دولة، لا يمكن أن يجاري نهج المفترين والمتجنّين علينا. كلّهم مكشوفون عندنا، وخصوصاً الصقور منهم. هذا الذي يشتمنا كل يوم، لدينا كل تقاريره الأسبوعية، بخط يده، عن حلفائه الحاليين، وعمالته وعمولاته. لكننا لن نرد عليهم بأساليبهم. فنحن مرتاحون، على عكسهم.

لكن ثمّة محطات لا يمكنكم التنصّل من مسؤوليتها، ماذا عن أحداث 7 آب 2001 مثلاً؟ هذه لا تحتاج إلى وثائقنا. تكفي العودة إلى الوثائق اللبنانية نفسها. فليفتحوا محاضر مجلس الوزراء. ليفتحوا محاضر اجتماعاتهم الأمنية. نتحداهم بالعودة إليها. لينشروها، وليعرف الناس مَن قام بالعملية، ومَن هاجم الجيش على دوره الذي وصف يومها بالمتخاذل، ومَن هاجم قائد الجيش في حينه، رئيس الجمهورية الحالي، إنها التركيبة نفسها، تقلّبت في مواقفها، لتحفظ مواقعها، على حساب البلدين.

■ من عارض عودة عون إلى لبنان؟

وحين تنتقل مع أصحاب تلك الإجابة الأولى، إلى زيارة عون المرتقبة إلى دمشق، ينتقلون إلى استطراد استرجاعي آخر: حتى عودة العماد عون من المنفى، اسألوهم مَن طرحها، وما كانت مواقفهم منها. القيادة في سوريا كانت أول مَن فاتح اللبنانيين في الموضوع، من زاوية إعادة التوازن إلى الشارع المسيحي. هناك شاهدان محايدان على هذه القضية: أولهما البطريرك الماروني. لقد أبلغ رسمياً عدم ممانعتنا في الموضوع. فماذا كان جواب القريبين منه اليوم، وأخصام الجنرال عون؟ هبّوا هبّة واحدة لإقناعه بعدم التجاوب في العملية، كذلك أشعلوا كل محركاتهم السورية لمنع الفكرة. أما الشاهد الثاني، فنائب رئيس الحكومة الأسبق عصام فارس. يوم زار وليد المعلم بيروت عقب التمديد لإميل لحود، كان شاهداً على بعض لقاءاته. كان لديهم مطلب واحد من المعلم: عدم السماح بعودة عون...

لكن ماذا عن زيارته الآن لدمشق؟ إنها زيارة تاريخية بكل معنى الكلمة، وسترون ذلك في كل تفصيل عنها، في كل لحظة، شكلاً وأجندة ومضموناً ونتائج...

لكنَّ بين انتظارات الشام، رأياً آخر. أكثر اعترافاً مكتوماً بالهفوات والأخطاء والمسؤوليات. يبادرك أصحاب هذا الرأي، عند محاولة استقراء الماضي، بالقول: من الأفضل عدم العودة إليه، والتطلّع إلى المستقبل. مَن منّا بلا أخطاء؟ مَن منّا لم يخطئ في تقدير أو تقرير أو موقف؟ كلّنا جرّبنا، وكلّنا تعلّمنا، وهذا ما يجب سكبه في علاقاتنا المقبلة. المهم ما نحن عليه الآن، وما صرنا كلّنا عليه بعد كل التجارب والعبر والدروس والاستخلاصات. اليوم هناك مرحلة جديدة، في لبنان وسوريا والمنطقة والعالم. نحن نعرفها ونندرج في سياقاتها. العماد عون أيضاً. وهو حقق بذلك زعامته المسيحية، لا في لبنان وحسب، بل في كل المنطقة. وهذا ما يتكرّس في زيارته لسوريا. لكن في المقابل هناك في بيروت مَن لم يدركها، أو أنه أدرك ويرفض الإقرار. وليد جنبلاط نموذج متقلّب كذلك. قبل مدّة قال إنه اقتنع. لكنه عاد قبل أيام إلى جنونه. أقنعه مروان حمادة بالذهاب إلى واشنطن، حاولوا جمعه برئيس أركان البيت الأبيض الجديد، رام إيمانويل. زيّنوا له أن اليهودي الجديد في الإدارة هو نقطة التلاقي والتنسيق بين الأميركيين والإسرائيليين. وبالتالي إذا تمكّن من إقناعه باستمرار سياسة واشنطن السابقة حيال بيروت ودمشق، يكون ذلك لمصلحة «بلديه» الاثنين معاً. لكن المهمة فشلت. أبلغوه أن انشغالات الإدارة الجديدة داخلياً، أهم من حساباته. كذلك فإن أولوياتها الخارجية مختلفة كلياً عمّا يطرحه ويسوّقه. الآن علينا ترقّب ردود الفعل الجنبلاطية. قد تكون مفيدة للبنان وإيجابية، وقد تكون العكس تماماً. لكن في الحالتين، ستكون سياستنا واحدة: دعم التوازن اللبناني، في كل جماعاته. وهذا ما كرّسه ويكرّسه العماد عون.

■ ماذا تنتظر سوريا من الزيارة؟

... وتبقى في دمشق إجابة ثالثة: ماذا تنتظرون من الزيارة؟ يقول مسؤول سوري آخر: ننتظر منها أن تعيدنا أعواماً قليلة إلى الوراء. نعم إلى الوراء. إلى مطلع هذه الألفية، يوم تسلّم الرئيس بشار الأسد قيادة البلاد فعلياً. بعد عام 2001، اتخذ قرار جدي وصادق، بالخروج من لبنان. وبدأ تنفيذه عملانياً. ولكن تدريجاً. في نطاق ما تسمح به حركة قواتنا الموجودة هناك، وما تفرضه مقتضيات الحفاظ على الاستقرار. يومها أرسلنا مَن ينقل هذا القرار إلى البطريرك الماروني. لم نسمع جواباً. كرّرنا الرسالة. مع أسقفين اثنين، ومسؤول روحي، وآخر عسكري. وفي الرسائل المتكرّرة، كان طرحنا واحداً: نحن نريد الخروج. تعالوا لنتّفق. وفي المقابل، قولوا لنا ماذا تريدون. لم يأت الجواب.

لكنكم ما لبثتم أن انقلبتم على سيد بكركي وهاجمتموه بعنف يومها؟

كان الوضع انتقالياً عندنا. وكانت الترويكا المتحالفة بين بيروت ودمشق، هي مَن انقلب على المبادرة وهاجمت البطريرك. حتى الوسيلة التي اعتُمدت للهجوم، كانت صحيفة عربية تابعة لمحورهم. ضاعت الفرصة. وعدنا إلى السياق النزاعي التصادمي نفسه.

اليومن نأمل من زيارة «سيادة العماد»، العودة إلى تلك المبادرة الإيجابية الأخوية. ونرى فيه زعيماً صادقاً وقادراً على ذلك. سنقول له كل شيء. سنروي له كل الحقائق، وسنكون جاهزين لنسمع منه كل شيء.

انتظار دمشق لزيارة الجنرال كبير. لكن انتظارات اللبنانيين لنتائجها، أكبر بكثير.

■ التسوية الثالثة

أوساط قريبة من عون تقرأ الزيارة على أنها التسوية التاريخيّة اللبنانيّة الثالثة التي يُقدم عليها العماد ميشال عون لإنقاذ لبنان في أقل من 3 سنوات. إذ إنه منذ عودته إلى لبنان في السابع من أيار 2005، كان يدرك أن مرحلة ما بعد الانسحاب السوري تقتضي 3 تسويات تاريخيّة:

الأولى: داخل كل جماعة من الجماعات اللبنانية (الطوائف)، والثانية: بين الجماعات في ما بينها، أما الثالثة: فبين لبنان وسوريا.

وفي هذا السياق، تقول الأوساط إن عون بادر إلى إنجاز ما يعنيه من التسوية الأولى يوم 18 أيار 2005 حين زار سمير جعجع في سجن اليرزة، طاوياً بذلك تلك الصفحة الخاصة بالساحة المسيحية، ومكرّساً التسوية النهائية بين المسيحيين على قاعدة عدم اللجوء إلى العنف والتسليم بما تقرره أصوات الناس في صناديق الاقتراع. أما التسوية الثانية، فبدأ عون العمل عليها منذ آب 2005 إلى أن أنجزها في 6 شباط 2006 عبر وثيقة التفاهم مع حزب الله التي أرست قاعدة التوافق اللبناني ـــ اللبناني على أساس التوازن والتكامل.

وبقيت التسوية الثالثة بين لبنان وسوريا على قاعدة السيادة والاستقلال الناجزين، وهذا ما يتطلع عون إلى إنجازه في زيارته المقبلة. لكن هذه الأوساط تأخذ في الاعتبار أن المرتين السابقتين شهدتا إطلاق نار سياسياً كثيفاً على مبادرتي عون، قبل أن يتأكد الناس من صوابية الخطوة.

■ جدول الزيارة

لا يزال موعد الزيارة موضع تكتم، لكن من شبه المؤكد أنها ستكون في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، وتستمر عدّة أيام قد تقارب الأسبوع، بحيث تنتهي عشية عيد الأضحى.

وهي تشتمل على عدة مواعيد سياسية، ويشارك العماد ميشال عون في أكثر من مناسبة، ثم يتنقل في عدد من المناطق السوريّة، وخصوصاً مناطق الانتشار المسيحي.

وهي، في هذا السياق، ستكون شبيهة بزيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى الشام عام 2000، فيسير العماد عون على خطى بولس الرسول من الجامع الأموي الكبير أو كنيسة مار يوحنا المعمدان سابقاً، وصولاً إلى مقام هامة مار مارون.

وسوف يكون له نشاط لافت وحفل استقبال شعبي في باب توما في قلب دمشق القديمة. وثمة تحضيرات كبيرة لاستقبالات شعبية حاشدة لم تشهد سوريا مثلها منذ زمن. أما على المستوى السياسي، فيُنتظر أن يكون هناك أكثر من محطة تكريميّة، وأكثر من لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد.

أبي نصر يؤيّد الزيارة بقوة

بعدما حاول فريق 14 آذار تصوير حدث زيارة عون الى دمشق على أنه عنوان للانقسام داخل فريقه ولمّح الى أن النائب نعمة الله أبي نصر سيستقيل احتجاجاً، أكد الاخير لإذاعة «صوت لبنان» أن هدف الزيارة هو الإسهام بتأسيس علاقات متوازنة معها، وقال: «لا أرى غرابة في أن يقوم العماد ميشال عون بزيارة سوريا وهو الذي كان رائداً في مقاومة الوجود السوري سياسياً وميدانياً على الأرض يوم كان هذا الوجود قوة احتلال ووصاية في لبنان، وخصوصاً أننا نعلم أن هدف الزيارة هو التأسيس أو الإسهام بتأسيس علاقات متوازنة في الحقوق والواجبات مع سوريا قائمة من الند الى الند». وأضاف أن الزيارة ستكون شفافة إن تمت في وضح النهار»، آملاً من النظام السوري أن يتفهم «مدلولاتها الوطنية اللبنانية»، ومشيراً إلى أن سوريا تسمع وتصغي لعون وخصوصاً أنه كان المعارض والمقاوم الاول للوجود السوري، يعني أن من قاد الحرب، يمكنه أن يحقق السلام أو بالاحرى أن يسهم بتحقيق السلام».

ملف المفقودين في سوريا

برغم المتابعة القائمة للجنة رسمية بين وزارتي العدل في البلدين حول مصير مفقودين يحتمل أن يكونوا معتقلين في سوريا، فإن أهالي هؤلاء المفقودين يعوّلون على زيارة العماد عون الى سوريا للحصول على أجوبة من النوع الذي يعالج مشكلتهم المزمنة، علماً بأن عون نفسه رفض الحديث عن أن زيارته ستفك هذا اللغز، علماً بأن اتصالات كانت تجري سابقاً بالواسطة ومن خلال قوى صديقة للطرفين بقيت من دون نتائج خاصة.

زيارة للتعارف وتأكيد احترام سيادة الدولتين

أكد مسؤول العلاقات الدبلوماسية في التيار الوطني الحر، ميشال دوشدرفيان أن العماد عون ثابت في وطنيته، ولم يبدّل في اقتناعاته وتوجهاته، مشيراً إلى أن زيارته لسوريا مخصصة للتعارف ولتأكيد احترام سيادة الدولتين. وقال إنه «إذا عادت سوريا إلى لبنان، فسنكون في طليعة المقاومين لها، كما عرفنا الشعب اللبناني».

تعليقات: