تنظيم \"جند الشام\"

لديه انتقادات على المذهب الشيعي ولا يعترف بالديانة المسيحية

تنظيم "جند الشام" على علاقة تحالفية وثيقة بـ"فتح الاسلام"

نشاطاته الملتبسة في مخيم عين الحلوة تطرح اشكاليات أمنية معقدة... فهل من حلّ؟

شكّل مخيم عين الحلوة، الذي يقع بالقرب من صيدا، التجمع الاساسي للجماعات والتنظيمات الاصولية. وهذا المخيم بات في مثابة الخريطة الامنية السياسية المتداخلة والمعقدة، تختلط فيه الافكار الثورية بكل انواعها المتطرفة والمعتدلة، الاصولية والعلمانية. ويطلق البعض على هذا المخيم لقب "عاصمة الشتات الفلسطيني" بحيث ان مصير هذا الشتات يتقرر في شوارع هذا المخيم الذي بات ساحة صراعات، وساحة لحروب الاخرين. وكانت ظاهرة "جند الشام" من ابرز الظواهر التي ما زالت حتى اليوم موضع جدل، وطرحت اشكالية امنية معقدة، وخصوصا بعدما تبين مدى ارتباط "جند الشام"، بتنظيم "فتح الاسلام".

شكلت ولادة تنظيم "جند الشام" في شهر ايار 2004 دلالة على استمرار تعاظم مبدأ "التكفير والهجرة"، الذي نشأ في مصر، مستمداً طروحاته وافكاره من نهج المفكر الاسلامي سيد قطب ومن مؤسس الاخوان المسلمين الشيخ حسن البنا، ودلالة على امتداد هذا المفهوم الديني الذي لاقى الارض الخصبة في المناطق الاسلامية السنية الفقيرة في عدد من الدول الاسلامية.

عبء على مخيم عين الحلوة

ومنذ ولادة تنظيم "جند الشام"، بدا انه يشكل عبئاً على الوضع الامني في مخيم عين الحلوة، وفي لبنان. لا بل ان ظهور هذا التنظيم عام 2004 اثار شكوك كثيرين من المسؤولين في التنظيمات الفلسطينية عن خلفيته والجهات التي تحركه، وخصوصاً بعد ارتباط اسم "جند الشام" بتفجيرات واغتيالات حصلت في مخيم عين الحلوة وفي خارجه. واعتبر بيان صدر عن "فتح"، ومنظمة التحرير الفلسطينية خلال اجتماع طارىء عقدته في تموز 2004 لمعالجة اشكالات امنية بين "جند الشام" و"الكفاح المسلح" "ان "جند الشام" عبارة عن مجموعة صغيرة لديها ارتباطاتها باسرائيل، وهي موتورة جاءت من خارج المخيم وتقوم بأعمال تخريبية. وكان العميد سلطان ابو العينين قد اتهم "جند الشام" بـ"العمل لمصلحة الموساد الاسرائيلي، مؤكداً ان تاريخ ابو يوسف شرقية (مسؤول "جند الشام" وقتذاك )، معروف للجميع، وهو من المشكوك في ولائهم...".

ان ظهور تنظيم "جند الشام" بدأ مع وصول الفلسطيني محمد احمد شرقية (ابو يوسف) الى مخيم عين الحلوة من مخيم نهر البارد مع عائلته عام 1988، وكان شرقية من كوادر حركة "فتح – المجلس الثوري" (جناح صبري البنا – (ابو نضال) – الذي انتحر في ظروف غامضة في صيف 2002 في العراق ايام حكم الرئيس السابق صدام حسين). وبعد انفصال شرقية عن "فتح – ابو نضال" عمل مع جهات اسلامية عدة، ليعلن بعدها تأسيس تنظيم "جند الشام" الذي ضم كوادر وعناصر كانت تنشط تحت اسم "عصبة النور"، التي خرجت من احضان "عصبة الانصار". ولكن "عصبة النور" ضعف نشاطها بعد اغتيال مسؤولها عبدالله هشام الشريدي، ليقوم على انقاضها تنظيم جند الشام، الذي ضم عناصر سابقة من حركة "فتح – المجلس الثوري". ومنذ الاعلان عن تنظيم جند الشام، انضمت اليه العناصر الاصولية اللبنانية المعروفة بـ "جماعة الضنية"، وهي عناصر مطلوبة من السلطات اللبنانية لجأت الى عين الحلوة بحماية "عصبة الانصار"، لمشاركتها في حوادث الضنية ضد الجيش اللبناني في اوائل العام 2000 ، وكان يقودها اللبناني غاندي سعيد السحمراني ( المعروف بأبي رامز الطرابلسي). وبدأ تنظيم جند الشام ينشط في احياء الصفصاف والصفوري والسكة والطوارىء في عين الحلوة، وتلقى اسلحة متوسطة ومدافع هاون، وبدأ مسؤولوه في اصدار بيانات تضمنت انتقادات لاذعة لحركة "حماس"، وللشيخ احمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ولايران، والسيد حسن نصرالله، و"حزب الله". وتنظيم "جند الشام" من الجماعات المتطرفة التي لها معتقداتها الاصولية التي تكفر الشيعة، ولديها ملاحظات وانتقادات على المذهب الشيعي، ولا تعترف بالديانة المسيحية وتسمي اتباع هذه الديانة بـ "الصليبيين" وتعتبرهم من "الكفار واعداء الله"...

هذه الظاهرة المتطرفة دفعت بحركة "فتح – جناح ابو عمار" الى محاربتها، وباشرت حملاتها العسكرية لطرد عناصرها من المخيم. هذا الضغط العسكري المستمر ادى بمسؤول "جند الشام" ابو يوسف شرقية الى اعلان استقالته من مسؤولية التنظيم متذرعاً بوضعه الصحي المتردي، والى التوقف عن ممارسة اي نشاط سياسي او عسكري.

الا ان تنظيم "جند الشام" استمر في نشاطه بعدما اصبح الشيخ اسامة الشهابي في مثابة امير التنظيم، وعماد ياسين ياسين المسؤول التنظيمي واللبناني غاندي السحمراني المسؤول العسكري وهو مسؤول "جماعة الضنية" التي انضمت الى "جند الشام”. كما برزت اسماء لمسؤولين في هذا التنظيم منها بلال العرقوب، شحادة توفيق جوهر، انور صيداوي...

لمحة تاريخية

وترسم الزميلة فاطمة حوحو لمحة تاريخية عن تأسيس "جند الشام" بقولها: "في العام 1999 انطلق ابو مصعب الزرقاوي الى افغانستان مع أسرته ومجموعة من اتباعه ليقيم معسكراً تدريبياً في هيرات لمن اطلق على تجمعهم "جند الشام"، والذين اتوا من فلسطين ولبنان وسوريا والاردن. واعتمد الزرقاوي على عبد الهادي دغلس وخالد العاروري لاستقطاب المتدربين الاسلاميين من بلدانهم والمهجر. اختفى العاروري في ايران على ما قيل، وانقطعت صلته بالزرقاوي، بينما قتل دغلس في معارك العراق، ليعلو اسم الطبيب السوري سليمان درويش المسمى بأبو الفادية الشامي، ليصبح القائد التنفيذي للتنظيم في العراق. عاد الخليط الشامي كل الى بلاده، ومنها الى مخيمات اللاجئين في شمال لبنان وجنوبه يحملون معهم مشروعاً "جهادياً". واتخذت هذه المجموعة من منطقة التعمير التحتاني في صيدا مقراً لها، والتي اصبحت مركزاً لمنظمات "الجهاد" المتشددة لارسال متطوعين الى العراق يحملون وثائق مزورة ويتمتعون بقدرات مادية ولوجستية كبيرة. ولا شك في ان الجميع تسلل براً الى لبنان من طريق سوريا. وبرز اسم "جند الشام" الى الواجهة السياسية بحدة عندما اغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اذ ظهر المدعو "ابو عدس" ليعلن مسؤوليته عن الجريمة مع تسرب انباء من دمشق عن القبض على شبكة مسلحة من "جند الشام". وفي العام 2005 تكشفت معلومات عن مجموعات من "جند الشام" تنشط في لبنان وسوريا هدفها القيام باعتداءات تهز اوروبا، تعمل لمصلحة تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" الذي يرأسه الزرقاوي، وقد تدربوا على يد ابو حفصة اللبناني. ومن الشعارات التي طرحوها ضرب فرنسا بسبب تدخلها في سوريا ولبنان واستصدارها "القرار الاستعماري" 1559، الذي سيكون مقدمة لاحتلال سوريا ولبنان. ... وكان لافتاً وصف "جند الشام" في احد بياناتها الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ديتليف ميليس بأنه "ضابط موساد اسرائيلي وكاذب" وانها "لن تتورع عن حفر قبور الغرباء".

الوجه الآخر لـ"فتح الاسلام"؟

وكانت معظم التقارير الامنية اكدت ان تنظيم "جند الشام" في مخيم عين الحلوة في مثابة التنظيم المكلف بإعداد وتدريب "المجموعات الجهادية" التي كانت تنتقل بعد انتهاء دوراتها التدريبية للقتال في العراق، وتجري التدريبات باشراف مدربين عسكريين من جنسيات مختلفة، من بينهم خضر الآغا الملقب بـأبي خالد الجزائري والمقيم في مخيم عين الحلوة منذ سنوات. وكانت هذه "المجموعات الجهادية" تضم عناصر فلسطينية من مخيم عين الحلوة، وسقط عدد منهم في المواجهات العسكرية في العراق من بينهم الشيخ صالح قبلاوي، الذي كان يعتبر احد مساعدي "ابو مصعب الزرقاوي" ومحمد الهيتي، ومحمد البرشلي، ونجل الشيخ جمال سليمان مسؤول "انصار الله" وغيرهم.... حتى ان الاوساط تقدر عدد الذين قتلوا من ابناء مخيمي عين الحلوة والرشيدية في العراق بزهاء عشرين شاباً حتى اليوم، من بينهم ابناء او اشقاء لمسؤولين في احزاب وتنظيمات اسلامية فلسطينية.

واللافت ان تنظيم "جند الشام" تمتع بوجود جهاز لوجستي لديه، من مهماته اعداد الوثائق والهويات وجوازات السفر المزورة، التي كان يستخدمها العناصر في مهمات امنية في لبنان وعدد من الدول العربية والاسلامية. وتشير تقارير امنية الى تحويلات مالية يتلقاها الاصوليون من مشايخ وشخصيات اصولية مقيمة في لندن والدانمارك والمانيا وعدد من دول الخليج العربي، تصل الى ارقام حسابات مصرفية سرية، فضلاً عن تحويلات مالية يتولاها عدد من كبار المسؤولين الاصوليين من تنظيم "القاعدة". وخلال التحقيقات مع اليمني معمر العوامي (ابن الشهيد) في وزارة الدفاع اللبنانية، المتهم بتفجير مطعم "ماكدونالدز" في الدورة في نيسان 2003، اكد ان الفلسطيني امين انيس ديب (ابو عبدالله)، من الممولين لمعظم العمليات الارهابية التي يقوم بها الاصوليون في لبنان وعدد من الدول، وهو أرسل اموالاً لعدد من التنظيمات والخلايا الاصولية، استخدمها في شراء سلاح وفي اعداد وثائق وهويات وجوازات سفر مزورة.

انتشار الجيش اللبناني اخيرا في منطقة التعمير التحتاني، دفع بعدد من كوادر "جند الشام" وعناصره الى الالتحاق بتنظيم "فتح الاسلام" في مخيم نهر البارد، وبدا واضحاً ان هناك ما يشبه التحالف بين "جند الشام" و"فتح الاسلام"، لا بل ان البعض ذهب الى اعتبار "فتح الاسلام" بمثابة الاسم الحركي لـ"جند الشام". وكانت تقارير امنية قد رصدت ومنذ الخريف الماضي قيام شهاب خضر قدور، المسؤول العسكري الحالي في "فتح الاسلام"، بنقل اسلحة ومتفجرات الى مخيم نهر البارد، ونقله كميات من مادة الـC4، وهو من اللبنانيين المطلوبين للسلطات اللبنانية، (من منطقة مشمش في عكار – مواليد 1970). وتتردد معلومات اليوم عن اصابته او مقتله خلال الاشتباكات في مخيم البارد مع الجيش اللبناني، وهو الرجل الثاني في "فتح الاسلام".

فهل يكون تنظيم "جند الشام" في عين الحلوة الجزء الثاني من مسلسل "فتح الاسلام"، ويكون للجيش اللبناني مهمته الوطنية الثانية، والتي تقضي بالقضاء على هذا التنظيم "المشبوه"؟

والسؤال: الى متى سيظل لبنان ساحة لحروب الآخرين، و"مكباً" لارهابهم؟

تعليقات: