ظاهرة المساكنة: بين العوز المادي والحميمية الجنسية

المساكنة:عوز مادي أم حميمية جنسية؟
المساكنة:عوز مادي أم حميمية جنسية؟


ظاهرة المساكنة تنتجها المجتمعات المأزومة والأمركة الثقافية والعولمة..

وأسبابها تمتد بين العوز المادي والحميمية الجنسية وانفراط منظومة القيم الأخلاقية..

بين تلك الظواهر التي تتدرج مؤخرا في مجتمعنا ظاهرة المساكنة، وهذه الظاهرة اصبحت اليوم واضحة للعيان اكثر من اي وقت مضى والذين يقدمون على ركوب هذا الفعل، يعللون اقدامهم بقناعات ومفاهيم ذهنية وفكرية ذاتية محض.

بينما الواقع الموضوعي لصيرورة المجتمع لا يجد اي تعليل لهذه المفردات والمفاهيم الا في ذهن من يفكر بها ويقولبها وفق ايديولوجيته الذاتية لان للمجتمع مفاهيم ثابتة لا تعترف بالتغيير او التحول عندما تتعلق الامور بهويته الاجتماعية التي تكونت وتفاعلت وتجذرت على امتداد الزمان والمكان وكونت قيما واحكاما لها علاقة بحياتنا الانسانية في اختلاف مجالاتها.

كيف ينظر المتساكنون لهذا الموضوع؟ ماذا يقول علم الاجتماع في المساكنة ما هو رأي القانون وكيف ينظر الدين الى هذه المسألة.

هيلدا ووليد

لم يكن يخطر ببال وليد البالغ من العمر 24 عاما والموظف في احدى الشركات الخاصة براتب 500 دولار اميركي شهريا من ان الحل لمعضلته المالية سيأتي من خلال السكن في بيت واحد مع هيلدا المديرة في احد الشركات الكبرى.

يقول وليد تعرفت على هيلدا والتي تكبرني بسبع سنوات من خلال ترددي على الشركة التي تعمل فيها بحكم عملي. كنت ادخل مكتبها لاسلمها اوراقا معينة مرسلة معي من قبل مديري في العمل. وفي احدى المرات سالتني عن وضعي المادي وما اذا كان راتبي يكفيني فاخبرتها اني ارسل نصفه الى والدي لمساعدته في القيام باعباء اسرتنا وكما ادفع منه ما يتوجب عليّ من المشاركة في ايجار المنزل الذي اسكنه مع اثنين من اصدقائي والباقي يذهب لتشريج الهاتف ومصاريف الانتقال من والى العمل اما الطعام فنتشارك فيه جميعا اذ كل منا يحضر قسما منه من منزله عندما يذهب الى بلدته في عطلة نهاية الأسبوع. اعتقد وليد ان هذه الاسئلة مردها الى ان هيلدا ترغب في ايجاد فرصة عمل افضل له. ولكن اعتقادي هذا لم يطل يقول وليد اذ بعد يومين اتصلت بي ودعتني للعشاء في احد المطاعم التي لم اكن احلم بدخولها الا للعمل فيها كنادل وليس قطعا كزبون. وفي سياق الحديث اخبرتني انها لا تؤمن بالزواج ولا تحب انجاب الاولاد وانها عاشت فترة في اوروبا حيث كانت تدرس وانها كانت تسكن مع صديق لها في الشقة نفسها.

تقاطعت حاجة وليد المادية مع رغبات هيلدا الجسدية، ويقول: لم اتردد لحظة في قبول عرضها للسكن معها في شقتها حيث نعيش حياة زوجية كاملة ولكن من دون عقد زواج ومن دون انجاب اولاد طبعا. يتابع وليد نحن نخرج معا نسهر معا ونذهب احيانا كثيرة الى السوق سوية ونلبي الدعوات من الاصدقاء معا ايضا. ولكن الاهم بالنسبة لوليد ليس كل هذا الاهم بالنسبة اليه ان هيلدا تصرف عليه بسخاء، هي تنقدني كل شهر مبلغ يوازي راتبي في العمل وتشتري لي الثياب واشياء اخرى يحتاجها كل شاب في سني وهي احيانا كثيرة تضع سيارتها تحت تصرفي كما انني من خلال ما تعطيني اياه استطيع الاستمرار في مساعدة اهلي. وبالرغم من كل ذلك، لا يبدو وليد سعيدا بهذا النمط من الحياة رغم الراحة المادية التي توفرها هيلدا له ورغم انه من خلالها تعرف الى اشخاص لهم مكانة بارزة في المجتمع وهذا كان حلما دائما له. انا تعرفت اليهم وهم لم يتعرفوا عليّ، يقول وليد، فأنا لست متعلما مثلهم ولا أتكلم مثلهم لغات اجنبية والتي تغلب على طابع الحديث فيما بينهم، مما يجعلني اجلس اكثر الاحيان متل <الاطرش بالزفة بينهم. حتى هيلدا في هذه السهرات تنسى وجودي وتندمج في هذه الاجواء التي هي جزء من طبيعتها.

ويصعقك وليد بقوله <لقد سلبت مني هيلدا الرجل الذي في داخلي وابقت الذكر الذي له وظيفة محددة يمارسها لقاء اجر يتقاضاه كل شهر>، وعما سيكون موقفه فيما لو عرف اهله وابناء قريته بحياته هذه، يتجهم وجهه ولا يجيب ولكن من خلال تعابير وجهه لك ان تقرأ الجواب، وعما سيكون شعوره اذا التقى بفتاة احلامه وهل سيكون قادرا على مواجهتها بهذه الحقيقة يجيبك <احسن شي السفر هو سيحل لي كل هذه المشاكل>.

ريتا ورمزي

تخبرنا ريتا البالغة من العمر 27 عاما انها تتشارك مع رمزي الذي يبلغ الـ 35 من العمر في السكن في شقة يدفعان اجارها سوية ويتقاسمان كل مصاريف الحياة فيها. انا احب الحياة المريحة بكل تفاصيلها ولكن مدخولي لا يسمح لي بالوصول الى هذا الهدف. مع تقاسم المصروف مع رمزي اصبح الامر ممكنا بنسبة جدا معقولة، ولكن ليس المصروف هو ما تتقاسمه ريتا مع رمزي فقط هما يتقاسمان تجربة الزواج الفاشل لكل منهما. تقول ريتا استمر زواجي 3 سنوات كانت بدايته سعيدة ومريحة الى ان تورط زوجي السابق في تعاطي المخدرات ودخلت علاقتنا في جحيم لا يطاق إلى أن اضطررت في النهاية للابلاغ عنه وانتهى الامر بيني وبينه الى الطلاق.انا ورمزي متفقان الان على عدم رغبتنا في خوض هذه التجربة من جديد اقله في المدى المنظور ولكن عدم رغبتي بالزواج لا يلغي احساسي بالحاجة الى رجل في حياتي، وعما سيكون موقفها في حال قرر رمزي في نهاية الامر الذهاب الى من لم يقبل <تمها الا امها> في حال عادت مشاعر الرغبة بالاستقرار الزوجي لتتحرك في داخله، تجيبك ببساطة كلية انا لم اسقط من حسابي اصلا هذا الاحتمال فنحن نعيش في مجتمع شرقي حيث يفضل الرجال بالنهاية الفتيات الذين يطلق عليهن صفة <العاقلات> لذلك انا اتعايش اليوم مع اللحظات التي تتفق ورغباتي الانية. ولكن بالرغم من تحدي ريتا لتقاليد هذا المجتمع وخروجها عن كل الضوابط والمحرمات التي تحكم الاطار الذي يجب ان يربط بين الرجل والمراة في هكذا علاقات. فهي لا تخفيك القول انها تعيش حالة من القلق والرعب الشديدين مردها الى احتمال حدوث ما ليس بالحسبان مما قد يؤدي الى افتضاح امرها امام عائلتها ومجتمعها المحافظ بالرغم من كل الاحتياطات التي اتخذتها في هذا الشان.

انا هنا اعيش تحت اسم مستعار والايجار هنا باسم رمزي اضافة الى ذلك انا اعطيت اهلي عنوان صديقة لي تسكن في شقة وحدها. في حال رغبوا في زيارتي استقبلهم هناك حيث وضعت بعض الاغراض الخاصة بي كنوع من التمويه.

اعتاد اسعد رجل الاعمال الثري هذا النوع من الحياة منذ ان توفيت زوجته واستقر اولاده في الخارج. الحقيقة انا احب هذا النوع من العيش لانه يمنحني احساسا باني ما زلت مرغوبا ومحبوبا من الفتيات والنسوة اللواتي لا يمانعن في السكن معي ولا سيما الصغيرات منهن نوعا ما بالسن.

وكأن اسعد يدرك ما يجول في خاطرك من سؤال فيسبقك بالقول> قد تقول لي انهن يرغبن ان يستثمرن ثرائي للاستفادة الشخصية هذا ممكن ولكن يا أخي اعتبرها صفقة انا اقدم لهن كل ما تحتاجه الفتيات التي في سنهن وهن يشبعن احساسي بالتمتع بمباهج الحياة وهذا امر مهم لمن هو في سني>.

الاسباب الاجتماعية لظاهرة المساكنة

بالرغم من ان معظم الذين يتبعون هذا النمط من العيش يبررون اقدامهم على هذه الخطوة هي من اجل تخفيض كلفة المعيشة من خلال السكن في شقة واحدة، لكن حقيقة الامر ان معظم الراشدين الذين يتساكنون تكون غايتهم الاساسية هي الحميمية الجنسية والعاطفية دون التزامات مؤسسة الزواج، تقول الباحثة الاجتماعية والاستاذة الجامعية الدكتورة <نبيلة غصن>

اضافة الى ذلك هم يعتقدون ان العيش معا يوفر لهم معرفة افضل بعادات بعضهم البعض واختبارا اكثر عمقا لشخصية بعضهم البعض ايضا مما يؤدي مستقبلا الى تجنب مخاطر الطلاق او مازق الزواج غير السعيد في حال اتخذوا قرار بالارتباط الزوجي. ولكن هذا الاعتقاد في غير محلة تتابع الدكتورة غصن لان الدراسات قد اثبت ان نسبة الطلاق لدى المتساكنين الذين تزوجوا فيما بعد كانت مرتفعة جدا. اذ ان نسبة الطلاق لديهم تصل نسبتها من 35 الى خمسين بالمئة حسب الاحصاءات التي اجريت في هذا المجال، ذلك لأن الذين لديهم القدرة على المساكنة دون زواج هم اكثر تفلتا من التقاليد من غيرهم ويكونون اقل التزاما بالزواج كمؤسسة، وبالتالي فانه من السهل لديهم ترك هذه المؤسسة في مرحلة لاحقة اذا ما اصبحت تشكل مصدر عدم راحة لهم.كما ان هناك نسبة عالية من الذين يقدمون على هذه الخطوة هم من الاشخاص الذين لاسباب كثيرة منها نفسية ومنها اجتماعية يخافون من الالتزام او من العلاقة الدائمة، فبالنسبة لهم فان الجاذب الاكبر لهم بالمساكنة هو الخروج السهل من العلاقة دون اية مسؤوليات.

وعن الفترة التي من الممكن ان تعمرها هكذا علاقات تجيب الدكتورة غصن ان علاقات المساكنة قصيرة العمر، فبعد مرور خمس سنوات، فقط 10% عادة من المتساكنين الذين لا يتزوجون يستمرون معا.

وعن سبب تنامي هذه الظاهرة في مجتمعاتنا الشرقية فان الدكتورة غصن تعزو ذلك الى عدة اسباب منها الغزو الثقافي الذي نتج عن ثورة المعلومات وتركيز مراكز القرار على نشر ثقافة واحدة في العالم الا وهي الثقافة الاميركية، وبالتالي فلقد اصبحت وسائل الاعلام بمختلف انواعها هي مصدر منظومة القيم التي توجه سلوكنا. وبالتالي فان اي نظام اجتماعي كنظام المساكنة او غيره يلقى رواجا في بيئتنا الشرقية ضمن الفئات الاجتماعية التي تعيش ازمة قيم او صراع قيمي بين ما هو تقليدي وما هو جديد وطبعا ليس جديدا بما يتناسب مع حاجات المجتمع او الافراد بل بما يبدو وكأنه يتناسب مع هذه الفئات.

ومن هي الفئات الاجتماعية الاكثر تقبلا لهذه الظاهرة فان الدكتورة غصن ترى ان انتشار هذه الظاهرة عادة ما يتركز بين افرد الفئة الاجتماعية الغنية اكثر منها بين الفئات الاخرى، وبين افراد الفئة العمرية المراهقة اكثر من غيرها من الفئات العمرية الاخرى، وبين افراد التجمعات المدينية اكثر منها في التجمعات القروية.

ماذا يقول القانون؟

لا يوجد تعريف قانوني واحد لظاهرة المساكنة يقول الاستاذ في القانون <الدكتور خليل خيرالله> والمساكنة هي عبارة عن وجود رجل وامرأة يعيشان مع بعضهما البعض خارج اطار مؤسسة الزواج بما فيها من التزامات وهما يعيشان كما يعيش الازواج. اما في لبنان فان علاقة المساكنة غير منظمة قانونا كما انها غير مقبولة عندما يتعلق الامر بالاداب والاخلاق العامة، لان عيش رجل وامراة في لبنان كزوجين يشترط ان يكون هناك عقد زواج والذي له شروط ثلاث هي العلنية واختلاف الجنس كما يشترط عقده من قبل رجل دين لذلك فان قانون الاحوال الشخصية لدى الطوائف في لبنان يعتبر ان مخالفة احدى هذه الشروط تنزع عن المساكنة صفة الشرعية. ولكن ايضا ليس هناك نص واضح في قانون العقوبات اللبناني يفرض عقوبة واضحة المعالم على الذين يسكنون مع بعضهم من دون عقد زواج يقول الدكتور خيرالله الا فيما خلا من اشارات الى الاخلال بالاداب العامة للذين يقومون باعمال منافية للحشمة.

ماذا يقول الدين؟

المطران جورج خضر

يرفض الدين المسيحي هذه الظاهرة يقول المطران جورج خضر مطران جبل لبنان في طائفة الروم الارثوذوكس لان الزواج بنظر الدين المسيحي هو عقد وعهد وهذا غير متوفر في ظاهرة المساكنة، ويضيف المطران خضر قائلا وهذه الظاهرة لا تتفق مع اداب الدين المسيحي لان المعاشرة بين الرجل والمراة في ديننا سر مقدس من اسرار الكنيسة والذي رفع الى مرتبة الالهيات كالصلاة والصوم.

والمسيحية شبهت ارتباط الرجل بالمرأة كارتباط السيد المسيح بالكنيسة ونحن نرى المساكنة تعرض مبدأ الحياة الزوجية للخطر، كما انه يرى فيها انها من انواع الزنا والزنا هو نوع من انواع الرذيلة فيما الاديان جمعيها سواء كانت مسيحية او اسلامية تحض على الفضيلة ويرى المطران خضر ان بعض من يقدم على المساكنة يقدم دون ان ينظر الى العواقب الوخيمة لهذه الظاهرة.

الشيخ زكريا غندور

اما قاض شرع بيروت الشيخ زكريا غندور فانه يقول ان الاسلام يشترط لاجتماع الرجل والمراة تحت سقف واحد ان يكون بينهما عقد شرعي هو الزواج وغير ذلك بنظر الدين الاسلامي هو نوع من انواع الزنا، لذلك الدين الاسلامي يمنع هكذا لقاء حفظا لسلامة المجتمع.

والمساكنة يضيف الشيخ غندور تهدد انقراض صفة الاسرة في المجتمع وصفة الامومة، يرفض الشيخ غندور النظرية القائلة ان الاوضاع الاقتصادية هي احد الاسباب التي تؤدي الى انتشار هذه الظاهرة لان الاسلام كما يقول الشيخ غندور اعطى حلولا لهذه المسألة وهذه الحلول ميسرة والامور فقط تحتاج الى ضبط العلاقة بموجب عقد حسب احكام الشريعة، ويضيف الشيخ غندور ان المجتمع الاسلامي في مصر مثلا اوجد حلا للمسالة الاقتصادية التي قد تقف عائقا امام مسالة الزواج الشرعي وذلك من خلال ايجاده ما يعرف بالاسلام بزواج المسيار وهذا لا يكلف الرجل تبعة مالية اذا انه يتيح لهما اللقاء ولكن هي لا تعاشر غيره وهو لا يعاشر غيرها واذا كان هناك حمل فان الجنين ينسب الى اباه وامه ولا يكون لقيط، فيما المساكنة هي زنا كامل وهي عملية ليس فيها رباط او اي شرعية.

المطران جورج خضر:

المساكنة عملية غير شرعية ولا تقرها المسيحية وهي نوع من انواع الزنا تحض على الرذيلة، وتعرّض مبدأ الحياة الزوجية للخطر.

الشيخ زكريا غندور:

اجتماع الرجل والمرأة يشترط عقداً شرعياً هو الزواج وغير ذلك هو زنا بكل المواصفات. والإسلام يمنع اي لقاء من هذا النوع حفظاً لسلامة المجتمع.

الدكتورة نبيلة غصن:

قسم كبير من المتساكنين يخافون من الالتزام والعلاقة الدائمة. أما علاقات المساكنة فقصيرة العمر. والظاهرة برمتها نتجت عن ثورة المعلومات وانتشار الثقافة الاميركية.

الدكتور خليل خير الله

ليس هناك نص واضح في قانون العقوبات اللبناني يفرض عقوبة واضحة على الذين يسكنون مع بعضهم من دون عقد، الا في ما خلا من إشارات إلى الاخلال بالآداب العامة.

المطران جورج خضر
المطران جورج خضر


الشيخ زكريا غندور
الشيخ زكريا غندور


تعليقات: