تفعيل معادلة «التوسيع بالتوسيع»: مُسيّرات المقاومة إلى «ما قبل حيفا»

موقع اغتيال الشهيد عزقول في منطقة عدلون أمس (أ ف ب)
موقع اغتيال الشهيد عزقول في منطقة عدلون أمس (أ ف ب)


بعد 200 يوم من «حرب حقيقية» وفق المعلّق العسكري في قناة «كان» العبرية، عمّق وصول مُسيّرات حزب الله إلى شمال عكا، أي «ما قبل حيفا»، المأزق الذي يواجهه الكيان في مجمل الساحات، ومن ضمنها جبهة لبنان، حيث فشل تماماً في فك الارتباط بينها وبين جبهة غزة، أو في فرض وقائع ميدانية جنوب الليطاني بهدف تقييد عمليات المقاومة وردعها. ولعل أبرز الرسائل التي حملها استهداف حزب الله أمس مقر قيادة لواء غولاني ووحدة إيغوز في ثكنة شراغا، شمال عكا، رداً على اغتيال الشهيد حسين عزقول في منطقة عدلون في الجنوب، «إطلاع» العدو على عيّنة مما ينتظره من ردود، وفقاً لمعادلة «بتوسّع منوسّع» التي أكّدها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.في أكثر من محطة منذ اندلاع الحرب الحالية، حاول العدو إحداث خرق في المعادلة القائمة مع لبنان، وفي كل مرة كان حزب الله يُقابل هذه المحاولات بردود تُحبط أهدافها وتحافظ على وتيرة الاشتباك الدائر على الحدود. ويبدو أن العدو الذي وسّع اعتداءاته أمس باستهداف عزقول، كان يستند إلى رهان على أن يكون الرد ضمن السقف الذي سبق أن أرسته المقاومة رداً على ضربات شكَّلت تجاوزاً للقواعد. غير أن حزب الله فاجأه باختيار هدف عسكري نوعي لا سابق له منذ نحو سبعة أشهر. وعلى وقع هذه المفاجأة، رأت جهات إعلامية في كيان العدو أن إدراج هجمات حزب الله على أنها خاضعة لمنطق مُحكم أصبح من الماضي بعد السابع من تشرين الأول، وبعد الهجوم الإيراني الضخم على إسرائيل.

وقد انطوى رد حزب الله، في هدفه ومكانه وسياقه وأسلوبه، على رسائل عدة وفي اتجاهات متعددة، إذ بدَّد أي رهان يمكن أن يكون قد راود العدو (وهو المرجّح ذلك بعدما انكشف حجم القصور الاستخباري الإسرائيلي في فهم من يواجهون العدوان من غزة إلى إيران مروراً بلبنان واليمن)، بأن حزب الله قد يكتفي بالسقف الذي أرساه في ردود سابقة، تجنباً للتدحرج إلى سيناريوهات دراماتيكية. وفي هذا الحال، فإن ذلك يمنح العدو هامشاً أكبر لتوسيع نطاق الاستهداف، وهو ما أحبطه الردّ السريع.

كذلك، أكّد حزب الله بالأفعال ما سبق أن تعهّد به بأن تجاوز العدو لخطوط محددة في قواعد الاشتباك، سيُقابل بتوسيع نطاق الردود في العمق الإسرائيلي. في ضوء ذلك، شكّل الاستهداف نوعاً من المفاجأة التي تتيح لمؤسسة القرار السياسي والأمني في تل أبيب تصوّر مروحة من سيناريوهات التصعيد التي يمكن أن تطاول العمق الإسرائيلي رداً على أي تصعيد للعدو، ما يضعه أمام خيارات ضيقة ومُكلفة. أضف إلى ذلك أنها ترسّخ حضور إرادة حزب الله وقدراته في حسابات جهات التقدير والقرار في تل أبيب، وهي من أهم العوامل التي مكَّنت الحزب حتى الآن من إسناد غزة وتوفير الحماية لعمق لبنان وكبح أي محاولة لتوسيع نطاق المعركة بدون أثمان.

أبرز الرسائل التي حملها استهداف شمال عكا «إطلاع» العدو على عيّنة مما ينتظره من ردود


والمؤكد أن الارتقاء في الردود، الموازي للعمليات اليومية، يُفاقم الضغوط على القيادتين السياسية والأمنية. وإذا كان استهداف مقر قيادة لواء غولاني وإيغوز في ثكنة شراغا، أتى رداً على ما سبق من اغتيالات، فإنه يعني بالنسبة إلى قيادة العدو أن هذا المسار سيتواصل ويتكرر في مقابل أي اعتداء مشابه بما يماثله في العمق الإسرائيلي. ويعني ذلك أيضاً، أنه بات على العدو أن يوطِّن نفسه لما هو أبعد مدى إن اقتضى الميدان ذلك.

في الخلاصة، تساهم هذه المحطة من المواجهة في تعميق المأزق الإسرائيلي إزاء جبهة لبنان وتقدّم لقيادة العدو عيِّنة ملموسة من النتائج التي تنتظره في حال عمد إلى توسيع نطاق المعركة في عمق جنوب لبنان. الموقع الجغرافي للاستهداف وعنصر المفاجأة فيه يفرضان على العدو أن يأخذ في الحسبان أن قفزة نوعية إضافية قد تصل إلى حيفا، وأن ذلك يمكن أن يتحقق في سياق اعتداء وتوقيت لم يُحسب له حساب.

تعليقات: