الجنوبيّون يعودون لبناء بيوتهم «على القديم»

 منزل في قرية طلّوسة الجنوبيّة
منزل في قرية طلّوسة الجنوبيّة


حلَم محمّد ترمس كثيراً بمنزل جدّه في قرية طلّوسة الجنوبيّة. لكن العودة لم تكن متاحة له. فالبيت الذي يفتقده ما عاد موجوداً سوى في ذاكرته. غير أنّ هذا الحلم الذي هجسه، دفع محمّد إلى بناء بيته في طلّوسة «تماماً مثل ما كان بيت جدّي مبنياً، وخصوصاً لجهة قناطر الدار المبنية من حجارة مقصّبة باليد».

هذه العودة إلى البناء القديم، لم تعد حكراً على محمّد ومن يشبهه في حنينه إلى الهندسة التقليدية الجميلة. فمعظم أهالي بلدة طلّوسة والمناطق الجنوبيّة يختارون هذا البناء، وخصوصاً القناطر الحجريّة التي تزيّن اليوم مداخل العشرات من المنازل. السبب غير معروف، لكنّ الثابت أن الناس هنا ترتاح إلى الهندسة القديمة: الحركة داخل البيت، تقسيم الفسحة الداخلية، ما يوفّره هذا النوع من البناء من برودة في الصيف الحار ومن حصر للدفء في الشتاء. لم يكتف أصحاب المنازل باستعادة القناطر الحجرية فقط، بل أحيوا النمط المعماري القديم في بعض غرف منازلهم، إضافة إلى اعتمادهم أسلوب أجدادهم في تأثيث الداخل. هكذا، انتشرت في زوايا الغرف على اختلافها أنواع «التراريح» للجلوس، بألوانها الزاهية وأشكالها المختلفة التي تتفنّن السيدات في تصميمها. أما لـ«سند» الظهر، فقد أعيد الاعتبار لـ«مساند القش». وفي الأكسسوارات، يتفنّن البعض باستعادة «جرار الطين»، وما سقط استعماله مع الأيام من أوان ركنت في المنازل القديمة المهملة التي استغنى عنها أصحابها. وقد ساعدت حرب تمّوز الأهالي على هذه العودة. ففي بلدة شقرا التي طالها التدمير، عمل هواة الطراز القديم على نقل حجارة المنازل القديمة المهدّمة للاستعانة بها في بناء منازلهم. أما اللافت في البلدة، فهو أن لا أحد يجيد هذا النوع من البناء سوى «جمال السوري»، كما ينادي أهالي البلدة المعمرجي الوافد إليها. فقد أصبح «السوري» خبيراً بكلّ ورش البناء في شقرا، وخصوصاً بأماكن الحجارة في البلدة ومحيطها.

وفي حولا، يستعيد المواطنون البناء القديم أيضاً. وقد اكتسبت منازل «حولا» شهرة واسعة، ولا سيّما منزل الدكتور عبد الله سليمان.

وفي بلدة عيترون، بات منزل حسين عباس مقصداً للأهالي ومحيط البلدة، يزورونه ويتأملون جماله. فقد حرص عباس على الدقّة في اختيار الأحجار لدرجة أنه لزمه 4 أعوام لجمعها من هنا وهناك. وعند مدخل المنزل، ارتأى عباس جمع «بعض معاصر الزيتون القديمة التي كان أهل المنطقة يستخدمونها، إضافة إلى جاروشات القمح ونير الحراثة» لمزيد من «الأجواء». لكن، مقابل هذا التهافت على البناء القديم، وربما أو على الأرجح بسببه، تعاني بعض القرى الجنوبيّة من اعتداءات على منازلها التراثية، إضافة إلى القلاع القديمة المنتشرة فيها، حيث يعمد بعض البنّائين إلى سرقة حجارتها لاستخدامها في بناء القناطر والجدران في منازلهم الجديدة.

منزل الصوانة

يستغرب الوافدون إلى المنطقة سخاء أبنائها على المنازل بعد تكرار تدمير قرى الجنوب على يد إسرائيل. فأحدهم أمضى سنيّ عمره يبني العقد القديم بتأنّ كلما توافر مبلغ من المال. كانت الأفئدة تذهب إلى البيت الجميل الذي لم يكن قد انتهى العمل به حين ضربت حرب تموز. في كل مرة وقع اعتداء هناك. لكن كان هناك دائماً من يتطوّع للمرور وطمأنة القلقين إلى أنّه «ما صار لو شي». عدوان 93 ثم 96. الاعتداءات تمر والبيت صامد في الجنوب، حتى ترسّخ في الأذهان أنه «محروس». لكن «خبره» جاء في حرب تموز. المنزل على الأرض. ويقال إن صاحبه عاد لبنائه.

تعليقات: