دراسات كثيرة تؤكد كارثة الليطاني ولا علاجات جديّة أوقريبة

مجرى الليطاني مرتع لنفايات المتنزهين
مجرى الليطاني مرتع لنفايات المتنزهين


مياه آسنة جنوبية تلاقي الليطاني المثقل بتلوثه البقاعي..

النبطية :

كأنه لا يكفي نهر الليطاني هجمة التلوث العاتية والمزمنة التي تجتاح الحوض الأعلى منه في منطقة البقاع منذ عشرات السنين، والتي مصدرها مياه المجاري والحفر الصحية والنفايات الصلبة ومخلفات المعامل والمصانع والمدابغ والمسالخ والمبيدات الزراعية. ابتلى الحوض السفلي للّيطاني وبالتحديد الممتد من بحيرة القرعون في البقاع الغربي حتى مصب القاسمية جنوباً، بمزيد من المجاري والجور الصحية التابعة لبعض القرى والبلدات المحاذية له، إضافة إلى مخلفات المتنزهين الذين يقصدون المنطقة ويتركون نفاياتهم وراءهم أو يرمونها في مياهه بشكل فوضوي وعشوائي. يتضافر كل ذلك مع الإهمال المزمن لنظافة النهر ومجراه من قبل الوزارات والمصالح والمؤسسات والبلديات المعنية. لا يوجد ولغاية اليوم أي مشروع جدي يتيح لمعرفة حجم التلوث ونسبته ووضع خطة لمكافحته، مما يضع النهر على لائحة الأنهار المهددة بالموت.

وتعتبر المناطق الواقعة في محيط جسر الخردلي بين قضاءي مرجعيون والنبطية، على ضفتي الليطاني من أكثر المحطات ارتكابا لفعل التلويث. هناك يرمي المواطنون القادمين للترفيه فضلات أطعمتهم ونفاياتهم في المياه مستفيدين من ندرة المنتزهات والمنشآت السياحية الخاصة التي أزيل معظمها في حملة مكافحة التعديات والمخالفات التي أزالتها الدولة في العام ،٢٠٠٣ مما جعلها مفتوحة للعامة ولمن يريد.

لا محاولات جدية لمعالجة مشكلة تلوث الليطاني في الوقت الحاضر، كما يقول رئيس الدائرة الفنية في مصلحة مياه الليطاني سابقاً الدكتور حسين رمال ما خلا إعداد دراسة لإنشاء ١٣ محطة تكرير للصرف الصحي في الحوض الأعلى من قبل مجلس الإنماء والإعمار و٨ محطات لوكالة التنمية الأميركية، إضافة إلى قيام فريق من الخبراء السويديين بمسح شامل لمجرى النهر في وقتٍ سابق وتحديد مصادر التلوث وتأثيرها على المياه. لكن هذه المحاولات بقيت وصفية وليست عملية، بانتظار الحل الجذري لمعالجة مشكلة تلوث مجرى الليطاني، وهذا يتطلب بحسب رمال تضافر جهود مصلحة مياه نهر الليطاني والوزارات والمؤسسات والبلديات المعنية والجهات الأمنية والقضائية المختصة، بغية اتخاذ الإجراءات الرادعة والصارمة ضد المتسببين والمشاركين في هجمة التلوث التي يتعرض لها النهر المذكور، لافتاً إلى أن ما يصيب الحوض الأعلى من التلوث حكماً يصيب الحوض الأسفل الممتد من القرعون إلى القاسمية مع جريان المياه الملوثة في هذا الجزء من النهر لا سيما في فصل الشتاء.

لا تصب شبكة الصرف الصحي التابعة لبلدة القليعة في مجرى الليطاني، كما يؤكد رئيس بلديتها بسام الحاصباني، مشيراً في الوقت نفسه إلى وجود محطة لتكرير مياه الصرف أسفل الحي الغربي قامت بإنشائها البعثة البابوية قبل أكثر من ست سنوات، غير أنها متوقفة عن العمل في الوقت الحالي لحاجتها لبعض التجهيزات الضرورية التي لا طاقة للبلدية على شرائها، وفي حال تأخر الحصول على التجهيزات، فقد يؤثر ذلك سلباً ويساهم في وصول مياه الصرف إلى مجرى الليطاني واختلاطها بمياهه، مطالباً المسؤولين في الدولة والحكومة بالعمل على مساعدة البلديات ومؤازرتها لمعالجة المسألة، كذلك على الصعيدين الإنمائي والخدماتي، وتعزيزها مادياً وليس بالتقطير عليها كما يحصل الآن، لما فيه مصلحة الإنماء والخدمات التي تنفذها هذه البلديات في نطاقها.

ويلفت رئيس بلدية دير ميماس سامي الغزي، إلى أن البلدية قامت في وقت سابق بالتعاون مع إحدى الجمعيات البيئية المعروفة بحملة لتنظيف ضفة نهر الليطاني في منطقة »قاطع دمياط« التابعة للبلدية، ووضعت لهذه الغاية عدداً من مستوعبات النفايات فيها، غير أن البراميل ما لبثت أن اختفت، ومنذ ذلك الحين لم تتمكن البلدية من القيام بأي مبادرة مماثلة.

وبالرغم من وقوع جزء من مجرى نهر الليطاني في المناطق العقارية التابعة لبلديات كفرتبنيت، أرنون، دير ميماس والقليعة في محيط جسر الخردلي، فإنها لا تستطيع بإمكانياتها المادية والبشرية المساعدة على اتخاذ الإجراءات الآيلة للتخفيف من تلوث النهر والحفاظ على نظافة ضفتيه، ولو من خلال توزيع براميل النفايات في المنطقة والقيام بإرشاد المواطنين وتحذيرهم من عواقب ترك نفاياتهم في أماكنها بطريقة مكشوفة أو رميها في مياه النهر، أو العمل على منع تسرب مياه المجاري والجور الصحية إلى مجراه، كما يوضح رؤساء هذه البلديات.ويؤكد ممثلو السلطات المحلية أن الحفاظ على نظافة حوض نهر الليطاني في نطاق بلدياتهم ليس من اختصاصهم فقط، بل هو مسؤولية مشتركة يجب أن تتولاها الوزارات والمصالح والمؤسسات والبلديات المعنية بالتكافل والتضامن، ولفتوا إلى ضعف الإمكانيات المادية للبلديات للقيام بهذا العمل، فضلاً عن افتقارها للعدد الكافي من الموظفين وعناصر الشرطة البلدية وعمال التنظيفات والآليات والتجهيزات المطلوبة، وأعربوا عن استعدادهم للمشاركة في مثل هذا المشروع ضمن الإمكانيات المتاحة، وبما يتناسب مع طبيعته.

بانتظار تحقيق مشروع للحفاظ على نظافة مجراه وهذا لا يبدو قريباً في الأفق، سيبقى نهر الليطاني معتمداً على تنظيف نفسه بنفسه من خلال فيضان مياهه كما حصل منذ عدة سنوات، وكلما استطاع إلى ذلك سبيلا.

تعليقات: