المخابرات تؤكّد دولرة مساعدات النازحين: القرار اتُّخِذَ خارجياً

التوتّر يزداد بين النازحين والمجتمعات المضيفة بسبب تدهور قيمة الليرة (Getty)
التوتّر يزداد بين النازحين والمجتمعات المضيفة بسبب تدهور قيمة الليرة (Getty)


بكل هدوء، كانت تسير أمور المساعدات المالية التي تقدّمها الجهات الدولية للنازحين السوريين في لبنان. إلاّ أن المتغيّرات السلبية المتراكمة سياسياً واقتصادياً، جعلت ملفّ المساعدات أكثر سخونة، وتم ربطه بالأحوال المعيشية للأسر اللبنانية، وتحديداً بأسر موظّفي القطاع العام التي لا تقوى الدولة على تصحيح رواتبهم بالشكل المطلوب. وبدل تصحيح الخلل، يتم بشكل غير مباشر، تحضير الأرضية لزيادة التوتّر بين النازحين السوريين وأبناء البيئة الحاضنة لهم من العائلات اللبنانية، وتوسيع السجال نحو موظّفي القطاع العام، وذلك عبر دولرة مساعدات النازحين.


التمويل دولي والامتعاض لبناني

مع أن الخزينة العامة لا تُموِّل تقديم المساعدات للنازحين السوريين، إلاّ أن سرعة الاستجابة الدولية لمتطلّباتهم، تستفزّ بشكل كبير غالبية الشعب اللبناني الذي وجد نفسه فجأة، منذ 3 سنوات، بحاجة إلى مساعدات لا تصل بالشكل المطلوب، فراح يطالب المجتمع الدولي إما بوقف المساعدات للنازحين، أو بتقديم مساعدات مماثلة للأسر اللبنانية، أو إعادة النازحين إلى سوريا وإعطائهم المساعدات هناك.

لا شيء من الاحتمالات الثلاثة تحقَّق. فالمساعدات مستمرة والمبالغ المالية التي تدفع شهرياً لكل أسرة نازحة، أصبحت بالدولار، بعد التوافق على ذلك بين المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان عمران رضا، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بموافقة وزارة المالية ومصرف لبنان، حسب ما أكّده وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجّار في مؤتمر صحافي عقده يوم الجمعة 26 أيار، وأشار فيه إلى أن "وزارة الشؤون الاجتماعية لم تتبلَّغ بهذا القرار رسمياً"، بل إن عمران رضا يجزم أن هذا الملف "لا يحتاج إلى توقيعات، وتم التوافق عليه شفهياً مع كل المعنيين".

القرار اتُّخِذَ على مستوى رسمي دولي ولبناني، الذي أدّى إلى امتعاض حجّار وتحذيره من احتمال التصعيد بين النازحين واللبنانيين على خلفية القرار المفاجىء. ويسأل حجّار عن الجهة التي وقّعت بشكل رسمي على قرار الدولرة، لأن كل القرارات المتعلّقة بتعديل قيمة التحويلات المالية للتلاؤم مع تغيُّر سعر صرف الدولار في السوق، كانت تتم بشكل واضح وبتوقيع وزارة الشؤون الاجتماعية على الاتفاق، على عكس ما جرى أخيراً.


معلومات المخابرات

حسمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR وبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة WFP أمر إعادة إيصال المساعدات المالية للنازحين بالدولار، بعد أن جرى تحويلها من الدولار إلى الليرة. كما أيَّدَ رئيس الحكومة ذلك بالاستناد إلى أن المساعدات كانت في الأصل تُدفَع بالدولار. لكن ما يثير غرابة وزير الشؤون الاجتماعية، هو عدم التوافق على ذلك مع الوزارة، وعدم إعلان القرار بشكل رسمي. فحجّار نفسه، تبلَّغَ بالقرار عبر "اتصال هاتفي من المخابرات، يوم الأربعاء 24 أيار، يبلغ عن حركة غريبة على الصراف الآلي ATM التابع لبنك BLF في منطقة البقاع، ويبلغ عن مرَاسَلة تقول بأنه ابتداءً من 24 أيار، يمكن للنازح السوري الذي يحمل البطاقة الحمراء، سحب المساعدة المالية بالدولار. وستحصل كل عائلة على 25 دولار شهرياً، وكل فرد فيها سيحصل على 20 دولاراً، على أن لا يتجاوز عدد الأفراد المستفيدين الـ5 أشخاص". وكانت العائلات السورية تحصل شهرياً على "2.5 مليون ليرة كمساعدة أساسية للعائلة ومليون و100 ألف ليرة للفرد الواحد لغاية 5 أفراد كحدّ أقصى لكل عائلة، يعني ما يعادل 8 ملايين ليرة".

ويكشف الحجّار أنه "مع القفزة الكبيرة لسعر صرف الدولار في شهر آذار الماضي، تسلّمنا طلباً من المفوّضية برفع قيمة المساعدات وبدولرتها بحجّة صعوبة تأمين كميات كبيرة من الليرة اللبنانية نقداً داخل الـATM. بعدها، عقدنا عدة اجتماعات، وكان هناك خلاف جذري مع المفوضية، إذ طلبت، وبإلحاح أن تعطي 40 دولاراً للعائلة و20 دولاراً للفرد لغاية 5 أفراد، أي ما يوازي 140 دولاراً. وكان رفضنا لعدّة أسباب، أبرزها أن قيمة تلك المساعدات، أكبر بكثير من راتب موظّف فئة أولى في القطاع العام. كما أن الرأي العام اللبناني بأغلبيته يقارن بين المساعدات المختلفة التي يحصل عليها النازحون والمساعدات البسيطة التي يحصل عليها اللبنانيون، فضمن برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً، يستفيد نحو 70 ألف عائلة لبنانية مقابل 230 ألف عائلة سورية تستفيد من مساعدات الأمم المتحدة". علماً أن الاجتماعات بين الوزارة والـUNHCR وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP والـWFP كانت تعقد شهرياً منذ أيلول 2021 لتعديل المبالغ، حسب تطور سعر الصرف بالسوق السوداء، كي تحافظ المساعدات على الحد الأدنى من القدرة الشرائية للحصول على السلة الغذائية الأساسية، بعد أن كان قد تم التوافق على دفع المساعدات بالليرة بحسب سعر الصرف". ويؤكّد حجّار أن "التعديلات كان يجري التوقيع عليها بشكل رسمي، على عكس ما حصل في القرار الأخير".

كما علَّلَ الحجّار رفضه بأن "الدفع بالدولار يعزز بقاء النازحين في لبنان، وبالتالي دمجهم في المجتمع اللبناني، لأن العدد الأكبر من النازحين هم نازحون اقتصاديون". لذلك "نطالب في المحافل الدولية، أن تكون التحركات تجاه النازحين باتجاه تعجيل العودة، وبدفع المساعدات النقدية لهم في سوريا. كما أن الدولرة ستزيد من توتّر الأجواء بين النازحين واللبنانيين".

ويلفت الحجّار النظر إلى أن ما حصل من تعديل والبدء بالتنفيذ، جاء بعد "انقطاع التواصل بين الوزارة والمفوّضية، ولم نكن قد وصلنا بعد عدد كبير من الاجتماعات، إلى قرار رسمي بهذا الخصوص".

بالتوازي، تؤكّد مصادر مقرّبة من ميقاتي لـ"المدن"، أن رئيس الحكومة "يكتفي بما قاله عمران رضا حول التوافق على الملف مع المعنيين. ولا مجال للدخول في أي سجالات أخرى".


محاولة إلغاء القرار

"لم يكشف الوزير كل أوراقه"، أي أنه يحضِّر لمحاولة إعادة الآلية إلى الدفع بالليرة، لكنه لم يفصح عمّا في حقيبته من أوراق تفيد مسعاه. وفي حديث لـ"المدن"، لم يستبعد حجّار اللجوء في الوقت نفسه إلى اللجان النيابية المختصة في الملف، أي لجنة المال والموازنة ولجنة الإدارة والعدل. كما سيثير الملف في جلسة مجلس الوزراء ليرى ردود الفعل.

ويحاول الوزير الحصول على إجابات من الجهات المعنية بشكل مباشر بالقرار، أي وزارة المالية ومصرف لبنان، إلا أن لا إجابات حتى الآن. لكن من غير المؤكّد الوصول إلى إعادة عقارب الساعة، خصوصاً وأن المباركة الدولية لهذه الخطوة موجودة. ولبنان يحاول تهدئة الأصوات الدولية التي تحذّره من السقوط في تصنيفات عالمية سلبية تتعلّق بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، فيأتي ملف دولرة المساعدات كنوع من ترطيب الأجواء والاستجابة لمطالب الأمم المتحدة التي تقدّم هي التمويل، وربما تعتزم عدم إفادة لبنان من الأوراق الدولارية التي يحتفظ بها لبنان ويبدِّلها بليرات تعطى للنازحين.

تعليقات: