«رايحين جايين»: كوميديا بورجوازية!

من بدايتها حتى نهايتها، تبدو «رايحين جايين» كمشهد ملؤه الفوضى، والصراخ، والانفعالات. كان يمكن تفادي حفلة التهريج الحاصلة على «مسرح مونو» وجعلها أكثر متانةً وعمقاً، لو سخّر المخرج برونو جعارة، أدواته الإخراجية وطاقات ممثلاته وممثليه، واختار نصاً أفضل. مسرحية مباشرة، واضحة لا ترمي سوى إلى الإضحاك المجاني. تبدو «رايحين جايين» أقرب إلى الكوميديا البورجوازية، التي تكون شخصياتها من هذه الطبقة، ومخصّصة للجمهور البورجوازي نفسه في مقابل جمهور آخر، يرى في هذا النوع، شيئاً من التفاهة أو الفظاظة.

تصبّ أحداث «رايحين جايين» في فلك الشخصية الأساسية، برنار (أداء: رودريغ سليمان). رجل أربعيني، أو بالأحرى «ذكر» يتباهى بقدراته الجنسية، ومصاحباته لثلاث مضيفات طيران: الأميركية جانيت، والألمانية جوديت، والفرنسية جاكلين. يُطلق عليهن التسميات بحسب خطوط الطيران التي يعملن فيها، ما يعطي انطباعاً بأنّهن سلع شركات رأسمالية ضخمة. هدف الشخصية الأساسية، برنار، التنسيق وجدولة أوقات عشيقاته، من دون أن تعلم إحداهن بالأخرى. يأتي ذلك بمساعدة مدبّرة المنزل، وداد (أداء: جوزيان بولوس)، التي تدير الخطة بإحكام. يسهم روبير (أداء: ساني عبد الباقي)، الآتي من إحدى القرى، لزيارة برنار، في إنجاح الخطة، بعد أن تشبكه مدبّرة المنزل باللعبة. روبير، شخصية قروية، لم يختبر شيئاً من ملذات الحياة. يستكشف المدينة بعد مجيئه من الريف. ترد «لطشة» على لسان مدبّرة المنزل، وداد، التي تطلق على نفسها صفة «صانعة» من خلال تذمّرها بأنّ «كل الضيع عم تصب هون». جملة تعكس، في سياقها، الشروخات الطبقية في المدينة وأحقية العيش فيها.

تترافق هذه الأحداث البسيطة مع تكريس الحوارات والإيحاءات الجنسية المجانية، فيما جاء فالديكور واقعياً، لا يحمل أي بعد تحليلي، يعطينا انطباعاً بأننا أمام ديكور «دراما تلفزيونية». فهل الهدف نقل الواقع كما هو على المسرح؟ الإضاءة، عامّة، ليس فيها أي سرد. الموسيقى، يُفتتح بها العرض، ويُختتم بها أيضاً، في حين أتت الملابس لتتناسب مع أداء الممثلين الغروتسك. فلماذا لم يلجأ المخرج، مثلاً، إلى تقليص العناصر السينوغرافية، التي ليس لها أي وظيفة، واستعاض عنها بتكثيف وظيفة الأدوات المستعملة، ما يعطي للمتفرج حرية التفكر، ويحفّز خياله؟

لا يمكن الاستهانة، بقدرات الممثلين هنا، أبرزهم ساني عبد الباقي، الذي تميّز بتقنيات الجسد. حركات مرنة، وليّنة، وصوت جهوري، واضح، وأداء متقن، في حين تميّزت جوزيان بولس، بخفّة ظلها، وقدرتها على تجسيد الدور بحس فكاهي عالٍ، ومرونة حركية. مرّ رودريغ سليمان، مرور الكرام، إذ لم يتميز أداء الشخصية بأي شيء. ربما لم يساعده النص على اللعب كثيراً في مساحة الشخصية. أما المضيفات الثلاث (سارة عطالله، ناي أبو فياض وكايتي يونس)، فقد لعبن على قدر مساحة الدور. من هنا نأتي على القول إنّ نظام الشخصيات، وحبكة الأحداث، في «رايحين جايين» مبنيان على أساس سطحي، بدون أي بنية استدلالية. بنية لم تحتج أصلاً، إلى أي دراسة، أو تفكيك، لا من قبل المؤدّين، ولا المتفرّجين حتى.

* «رايحين جايين»: حتى 28 أيار ــــ «مسرح مونو» ــــ للاستعلام: 70626200

العودة إلى الصفحة الرئيسية

تعليقات: