عائلات متوسطة الدخل تتعرف إلى حياة التقشف

يراجعان الفاتورة... (عباس سلمان)
يراجعان الفاتورة... (عباس سلمان)


كمال حمدان: فئات محددة تستفيد من النمو ووقف التدهور بتغيير نمط الاقتصاد..

اضطرت السيدة فرح، وهي من بيروت، للعودة إلى العمل، بسبب تردي وضع الأسرة الاقتصادي، وذلك بعد انقطاع استمر ثلاثة عشر عاما، تفرغت خلالها لتربية أبنائها. واعتمد السيد جورج أبو رجيلي من منطقة الدورة دفترا خاصا لتسجيل المصاريف الشهرية، على مدار العام، في محاولة لضبطها، بينما خفضت السيدة عفاف اسماعيل، من الضاحية الجنوبية، من أصناف المأكولات وقطع الملابس وألغت النزهات، على الرغم من أنها تعمل هي وزوجها. أما عماد سعد، من الحدث، فيحاول تعويد أولاده، بصعوبة، على تناول المأكولات المطبوخة بالزيت والحبوب، بدل الاعتماد على اللحوم.

تسعى تلك العائلات، وقد جرى اختيارها عشوائيا، مع آلاف العائلات اللبنانية الأخرى، الى التكيف بصعوبة مع التراجع السريع في أوضاعها الاقتصادية، وتجد نفسها مضطرة، منذ سنتين على الأقل، للتخلي عن متطلبات كانت وظائفها ومردودها المادي تمكنها من الحصول عليها.

ولا يبدو في الأفق ما يشير الى وقف التدهور في قيمة المداخيل الثابتة للبنانيين، لأن تصحيح الاجور لا يحل المشكلة إلا بشكل جزئي ومؤقت، كما أنه هذه المرة جاء متأخرا كثيرا.

ويوضح الخبير الاقتصادي كمال حمدان، الذي يعمل بشكل دوري على مؤشر ارتفاع الاسعار، أن المؤشر ارتفع خلال فترة ثمانية أشهر من العام الحالي، ما يقارب الاثنتي عشرة فاصل خمسة بالمئة، ومعه تراجعت القدرة الشرائية لأصحاب المداخيل الثابتة بنسبة عشرة بالمئة ضمن الفترة نفسها، بينما يقول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إن الأسر خسرت أكثر من عشرين في المئة من قدرتها الشرائية منذ الفصل الرابع من العام .٢٠٠٧

وبذلك يكون ارتفاع الاسعار خلال ثمانية اشهر فقط، قد قضى على نسبة عشرة بالمئة من تصحيح الأجور، ومن المتوقع، كما درجت العادة لدى التجار وأصحاب الرساميل، زيادة الأسعار مرة جديدة بعد قرار التصحيح.

واستناداً إلى تقديرات البنك الدولي يبلغ متوسط دخل الفرد السنوي في لبنان، ما يقارب الخمسة آلاف وسبعمئة وتسعة وسبعين دولاراً، وبعد إعطاء مقطوعة مالية بقيمة مئتي ألف ليرة لأصحاب المداخيل الثابتة، تصبح نسبة الزيادة على الراتب ما يقارب سبعة وعشرين فاصل سبعة بالمئة، وذلك باستثناء أصحاب الحد الادنى للاجور الذين سوف يزيد راتبهم بنسبة أربعين بالمئة، مع العلم أن دخلهم سوف يكون مع الزيادة، شديد التدني.

ينقل كمال حمدان تقديرات لدى البنك الدولي والمصرف المركزي والمصارف بوصول نسبة النمو في لبنان هذا العام إلى ما يقارب الاثنين ونصفاً بالمئة.

لكن المسألة، كما يقول حمدان، إن تلك النسبة من النمو لا تصل الى جميع فئات الشعب اللبناني مثلما يشيع اصحاب الرساميل دائما، وإنما إلى فئات تعمل في قطاعات محددة، مثل المصارف وشركات الاستيراد الكبرى التي تستورد المواد الغذائية والالكترونية والتقنيات والادوية، والقطاعات الخاصة بالخدمات، أما أصحاب المداخيل الثابتة فإنهم يستفيدون اسميا من تصحيح الأجور، ولا ترتفع القيمة الفعلية لأجورهم إلا بشكل بسيط، وبالتالي فإن المسألة ليست في النمو، بل أي فئات تستفيد من ذلك النمو.

ويشرح حمدان إن المشكلة الكبرى هي في تركيبة الاقتصاد اللبناني القائم على وجود ما يقارب الثمانية وتسعين بالمئة من المؤسسات والمعامل التي تستوعب ما دون العشرة عمال، ووجود مؤسسات متشابهة في أنواع النشاطات الاقتصادية التي تمارسها، وذلك يؤدي الى تخفيض قيمة المردود، مثلاً إذا وصل عدد أفران صناعة المناقيش إلى ما يقارب المئتي ألف محل، ماذا ستكون نسبة البيع والربح لدى أصحابها؟ بينما يوجد بالمقابل ما بين ثلاثة آلاف واربعة آلاف مؤسسة »تأكل البيضة والتقشيرة«، معتبرا هنا أن وقائع السوق دلت على أن المؤسسات الكبرى هي التي تعطي قيمة مضافة للاقتصاد.

ويرى حمدان أن تحقيق النمو الفعلي، يجب أن يبدأ بتغيير نمط الاقتصاد، وتلك مسألة صعبة، لكن لا بد من إجراء دراسات، من أجل العمل على إيجاد مؤسسات تعطي للاقتصاد قيمة مضافة، مثل مؤسسات متخصصة بتصدير خدمات خاصة بالتعليم والصحة، مشيرا إلى وجود كفاءات كبرى لدى عدد من المتخصصين اللبنانيين في هذين المجالين، لكن لا تجري الاستفادة منهم، أما عندما تجري إعادة إنتاج مؤسسات متشابهة، فذلك يعني أننا نعيد الاقتصاد المتخلف.

من »الليسيه« إلى الجامعة اللبنانية

تسأل فرح وهي من منطقة رمل الظريف لماذا لا يفكر الناس بتأليف أحزاب أو جمعيات تطالب بحقوقهم في الاقتصاد والتعليم والصحة، بدلاً من الأحزاب السياسية التي تتقاتل على السلطة؟ لكنها لا تعرف كيف وبأي طريقة يمكن تأليف تلك الجمعيات أو الأحزاب.

توقفت فرح التي رفضت ذكر اسم عائلتها، عن عملها في إحدى شركات التأمين، بعد فترة قصيرة من زواجها، لكي تتفرغ لتربية ابنتيها. كان راتب زوجها الذي يعمل في مؤسسة خاصة بالادوات الكهربائية، يكفي لمتطلبات العائلة، لكن الزوج وجد نفسه منذ سنتين عاجزاً عن الاستمرار في تأمينها، على الرغم من ارتفاع راتبه عن السابق، ووصوله الى ألف وخمسمئة دولار، فاضطرت فرح لاستئناف عملها، بعد انقطاع استمر ثلاثة عشر عاماً.

لم تعد المشكلة تكمن في ارتفاع المصاريف المترافق مع بداية العام الدراسي، والذي يتزامن هذه السنة مع شهر الصيام، وإنما في التدني المستمر لمستوى العائلة المعيشي منذ خمس سنوات، حتى وصل هذا العام، كما تقول فرح، إلى ما يقارب السبعين بالمئة.

تملك العائلة منزلاً اشترته عن طريق قرض الإسكان، وهي توفر بذلك بدل الايجار، لكنها بدأت بالاستغناء عن بعض مقتنياتها وحاجياتها، من أجل التوفير في المصاريف.

باعت فرح هاتفها الخلوي وأبقت على خلوي واحد تحمله ابنتها الكبرى يمكنها من الاطمئنان عليها عندما تكون خارج المنزل، لا سيما وأنها بدأت تعليمها الجامــعي. تــلح فرح على ابنتيها دوما عدم إطالة التحــدث عبر خط الهاتف الثابت، قائلة إنها كانت تخجل في السابق طلب ذلك منهما، لكنها مرغمة الآن على القيام به.

بدلت العائلة في نوعية الملابس التي تشتريها، من النوعية الجيدة إلى الأقل جودة. كما ألغت النزهات في أيام العطل، وأصبح الذهاب الى المزين النسائي في المناسبات فقط.

علمت فرح ابنتيها اللتين أصبحتا في الخامسة عشرة والتاسعة عشرة في مدرسة ليسيه عبد القادر، لكن الابنة الكبرى انتقلت من عبد القادر الى الجامعة اللبنانية، لكي تدرس اختصاص الصيدلة.

تقول فرح إن ابنتها استوعبت التحول الذي حصل في حياتها، بمساعدتها هي وأبيها، وتعتبر أصلاً أن الاختصاصات العلمية في الجامعة اللبنانية ذات مستوى جيد.

حاول زوجها المطالبة بزيادة الراتب، لكنه لم يفلح. تعتبر فرح أنه ربما لو ألح في طلبه، لاستغنى صاحب المؤسسة عن خدماته واستقدم موظفاً جديداً براتب أقل. كانت عودتها إلى العمل هي الخيار الوحيد المتاح أمامها للحد من التدهور الاقتصادي لعائلتها.

جدول شهري لضبط المصروف

يبدأ جورج أبو رجيلي من منطقة الدورة كلامه بين الجد والمزاح قائلاً: هنا الناس فقراء، أما في الضاحية الجنوبية فإن أحوالهم أفضل، لأنهم يتقاضون رواتب من حزب الله.

يحاول أبو رجيلي الحفاظ عل مستوى عائلته المعيشي عبر قيامه بعملين: محل صغير للسمانة في الحي، ومخلص معاملات لدى مصلحة تسجيل السيارات.

يضع دفتراً خاصاً بمصاريف العائلة، يسجل فيه مصروف كل شهر بالتفصيل، وقد أظهرت اللوائح التي أعدها معدلات الارتفاع والانخفاض في متطلبات العائلة على النحو التالي: خلال شهر كانون الثاني الماضي بلغت قيمة المصاريف مليوناً وثمانمئة وخمسين ألف ليرة. في شهر شباط بلغت مليوناً ومئتي ألف ليرة، وذلك أدنى معدل تبلغه بين أشهر السنة. في آذار بلغ المصروف مليوني ليرة. في نيــسان مليوني ليرة. في شهر أيار مليــونين وثمانمئة وخمــسين ألف ليرة. في حزيران بلغ ثلاثة ملايــين ومئتي ألف ليرة بسبب تسديد بقية الاقساط المدرسية لابنتيه، في نهاية العام الدراسي. في تموز بلغ مليونين ومئتين وخمسين ألف ليرة، وفي شهر آب بلغ مليوني ليرة. يستثنى من ذلك بدل إيجار المنزل لأنه ملك.

يقول أبو رجيلي إن كل عائلة تتقاضى راتباً يقارب الألف دولار هي عائلة فقيرة، إذا يلزم لكل عائلة متوسطة عدد الأفراد، ما يقارب الثلاثة ملايين شهرياً، ويرتفع ذلك المبلغ إلى أربعة ملايين مع بداية العام الدراسي.

هو يدفع خمسة ملايين ليرة بدل أقساط مدرسية لابنتيه، يقسطها على دفعات كل شهرين. تبلغ قيمة كل دفعة خمسمئة ألف ليرة، يضاف إليها مبلغ خمسة وسبعين ألف ليرة شهرياً، أجرة الحافلة التي تقل ابنتيه إلى مدرستهما.

يعطي زوجته كل اسبوع مبلغ مئة دولار، من أجل شراء الطعام اليومي من خضار وفاكهة ولحوم، ويدفع خمسين ألف ليرة بدل وجبة غداء يوم الأحد، وثلاثين ألف ليرة كل أسبوع، بدل شراء وقود السيارة، لأنه لا يتنقل فيها كثيرا لقرب محله من المنزل، كما يدفع خمسة وسبعين ألف ليرة بدل فاتورة الكهرباء ومئة ألف ليرة بدل الاشتراك بمولد الحي، وخمسين ألف ليرة بدل الاشتراك بالانترنت، وسبعين ألف ليرة بدل فاتورة هاتف المحل الثابت.

يضاف إلى كل ذلك مبلغ مئتي ألف ليرة شهريا، لشراء الملابس.

كان دخل أبو رجيلي من المحل يقارب الألف دولار شهريا، لكن نسبة المبيع تراجعت ما يقارب الاربعين بالمئة، لذلك يحاول تعويض التراجع في المدخول عبر زيادة العمل في تخليص المعاملات.

يعتبر أنه لا أمل بالتغيير في الحكم في لبنان، حتى لو جرت الانتخابات ألف مرة، بسبب فساد الإدارة.

حاجيات تلغى لمصلحة التعليم

تعمل عفاف اسماعيل، من الضاحية الجنوبية، على خفض المصاريف اليومية لعائلتها، لمصلحة احتفاظها هي وزوجها بتعليم أولادهما في المدارس والجامعات الخاصة. يعلم زوجها من أجل ذلك الهدف في مدرستين خاصة ورسمية، وتعلم هي في مدرسة رسمية، فيصل دخل الاسرة إلى ما يقارب الالفين وخمسمئة دولار.

بدأ ابنها الثاني هذا العام بدراسة اختصاص إدارة الاعمال في الجامعة اليسوعية، لكنه يعود أحياناً كثيرة من الجامعة الى منزله مستاء وسائلاً والديه: »لماذا تعلمونني في اليسوعية؟ إن زملائي من أبناء الاغنياء وباستطاعة أهاليهم تلبية متطلباتهم«، فتحاول عفاف مع والده تذكيره دائماً أن الهدف من تعليمه في تلك الجامعة هو الحصول على مستوى تعليمي جيد، وليس العيش برفاهية.

أما إبنها البكر فيحتاج إلى عناية مستمرة، لأنه مصاب بإعاقة دائمة، ولديها ابنة تبلغ الثالثة عشرة من العمر تدرس في ثانوية الشرق الاوسط في الشويفات، حيث يعلم والدها.

يعمل زوج عفاف بدوامين من الصباح حتى المساء، بينما تعود هي من المدرسة لكي تستأنف الاهتمام بابنها الذي يتطلب عناية خاصة ومصاريف طبابة منتظمة تبلغ شهرياً تقارب المئتي دولار.

تقول عفاف »كان وضعنا جيدا، لكنه تغير الآن: ألغيت اصنافاً كثيرة من الطعام، فأصبحت اشتري صنفا واحدا من الفاكهة بدل ثلاثة في السابق، كما خفضت كميات اللحوم، مع العلم أنها رئيسية بالنسبة لنا في وجبات الطعام«.

كانت تشتري كل موسم ثلاث بزات نسائية، لأنها مدرسة ويترتب عليها ترتيب مظهرها، وأصبحت تشتري بزة واحدة وتستعين بالقديم. كما تشتري حقيبة نسائية واحدة كل موسم. واختصرت في الأحذية فبدلاً من الاحذية الرسمية اخذت تشتري زوجين من أحذية الكروزر، خلال موسم التخفيضات يبلغ ثمن الزوج الواحد منهما مبلغ ثلاثين ألف ليرة، وتترك الاحذية الغالية الثمن للمناسبات فقط.

وأخذ زوجها بدوره يخفض من تنوع ملابسه، يشتري سترة أو اثنتين مع قميصين وكنزتي صوف كل موسم، بعدما كان لديها هي وزوجها جاكيتات من الجلد والشاموا، انتهى زمن شرائها، لأنها لم تعد تستطيع تحمل كلفتها.

تحولت اهتماماتها مثل جميع الامهات تقريبا الى أولادها، تفضل شراء ملابس لابنتها على الشراء لنفسها، لكنها خفضت أيضا من تنويعة الملابس لابنتها، سروالان من الجينز مع بلوزتين، بدل الاربعة والخمسة سراويل والبلوزات العشر.

ارتفعت فاتورة الكهرباء ضعفين إن لم يكن أكثر من ذلك. لم تستخدم العائلة طريقة التعليق على الخطوط، وهي تدفع بدل فاتورة الكهرباء الرسمية شهرياً مئة ألف ليرة، وبدل الاشتراك في المولد الكهربائي مئة ألف ليرة، وقسط السيارة مئتين وخمسين دولارا، وقسط الاشتراك بالانترنت خمسين دولارا شهريا.

وقبل ذلك كله، بدل الاقساط الجامعية لابنها التي تبلغ ثمانية آلاف دولار خلال العام الدراسي، ما عدا مصروفه اليومي.

لدى ابنها وزوجها هاتفَي خلويين وتقول عفاف إنها تفضل الاستغناء عن أمور كثيرة ضرورية، والاحتفاظ بالخــلوي، لأنه يشكل لها صلة الوصل مع عائلتها في حال حصـول أي أمر طارئ.

اختصرت العائلة عدد المرات التي تخرج فيها سوية، وترك الزوجان المجال لابنهما وابنتهما الخروج مع أصدقائهما من أجل تخفيف المصروف.

مع ذلك يبقى المستوى الاقتصادي الذي تعيش فيه عفاف وعائلتها أفضل من مستوى أصدقائها، ومن بينهم من أصبح وضعه أسوأ بكثير، تعتبر نفسها برجوازية مقارنة بهم، فهم يعيشون مشاكل حقيــقية، لأن لدى أزواجهم وظيفة واحدة. يجب، برأيها، أن تحصل عائلتها على راتب بقيمة أربعة آلاف دولار لكي تستعيد وضعها السابق.

عماد يعوّد أولاده على طعام مختلف

أبلغت طفلة عماد سعد من منطقة الحدث وعمرها ثماني سنوات، والدها أنها لن تشتري حقيبة مدرسية جديدة هذا العام، وإنما ستصلح حقيبتها القديمة وتعيد استخدامها، ولن تشتري أقلاماً جديدة، إنما سوف تستخدم ما تبقى لديها من أقلام من العام الماضي، وهي ترضى بشراء كتب مستعملة بدل الجديدة.

بدأت الطفلة، كما يقول والدها، تتفهم تراجع قدرات أهلها على تلبية متطلبات أولادهم وتريد إبداء التضامن معهم.

لدى سعد أربعة أولاد: ثلاث بنات وصبي، ألغى نهائياً فكرة تعليمهم في الجامعات الخاصة، فلا مجال غير الجامعة اللبنانية. يعمل في شركة مقاولات وتدرس زوجته في إحدى المدارس الخاصة، وقد استطاعت الزوجة من خلال وظيفتها تعليم ابنائها في المدرسة التي تعلم فيها، فتوفر بذلك سنوياً ما يقارب العشرة ملايين ليرة من الأقساط المدرسية، بالاضافة الى النقليات، لأنها تقلهم معها هي وخالتهم التي تعلم في المدرسة نفسها.

اشترى منزله عبر قرض الإسكان، ولا يزال يترتب عليه دفع مبلغ ثلاثين مليون ليرة لتسديد القرض، لكنه بدأ منذ الارتفاع الكبير في الأسعار يسدده بصعوبة.

تراجعت قدرته على تلبية حاجيات أسرته، بنسبة تتراوح بين أربعين وبين خمسين بالمئة، ويعني ذلك أنه أصبح يذهب مرة واحدة في الشهر الى السوبر ماركت، لشراء المواد الغذائية، بعدما كان يذهب مرة كل أسبوع، ويستعين بشراء باقي المواد التي يحتاجها خلال الشهر بمحلات الحي، كما وفر في الكمية التي يشتريها من أصناف المواد الغذائية، مثلا نصف كيلو لبنة بدل كيلو، ونصف كيلو جبنة بدل كيلو للفترة نفسها، وأخذ يطلب من أولاده التخلي تدريجيا عن عادات الطعام السائدة لدى الشبان والقائمة على استهلاك اللحوم، واستبدال العديد من وجبات اللحم البقري والدجاج، بالمأكولات المطهوة بالزيت والمصنوعة من الحبوب.

يقول سعد إن اولاده رفضوا في البداية بشدة تغيير عاداتهم الغذائية، لكنهم أخذوا يقبلون بها على مضض، وتبلغ نسبة تجاوبهم حالياً، ما يقارب الثلاثين بالمئة.

ومن الامور التي يوفر فيها تقليص عدد مرات الخروج بالسيارة من أجل استهلاك كميات اقل من البنزين، والتخفيض في شراء قطع الملابس للاسرة، وإلغاء الذهاب إلى المطاعم، إلا في حالات نادرة.

يملك هاتفاً خلوياً، لكن الشركة التي يعمل فيها تدفع بدل الفاتورة، كما يوجد لدى ابنته الكبرى هاتف آخر، بينما ألغى الاشتراك في خط الهاتف الثابت، لأن الفاتورة بلغت في إحدى المرات خمسمئة وخمسة وثمانين ألف ليرة، ويعتبر أنه تعرض لســرقة المخابــرات الهاتفـية، وقد حاول دفع الفاتورة على دفعات، لكن مركز تقاضي الفواتير رفض تقسيط المبلغ، فألغى الخط.

يعمل سعد أحياناً حتى السابعة ليلا، لكي يحصل في نهاية الشهر على راتب بقيمة ألف دولار، بينما تتقاضى زوجته راتب خمسمئة وخمسين ألف ليرة، أصبح يوازي، بعد تصحيح الأجور، الحد الادنى للرواتب، وهو يعلق على قيمة راتب زوجته قائلا: إن الفائدة الاساسية بالنسبة للعائلة من عمل زوجتي، هو تعليم الاولاد باقساط مخفضة.

مع ذلك يريد شراء منزل في قريته، عن طريق الحصول على قرض جديد، سوف يتحمل الضغط المادي الذي يرتبه القرض، لأنه لن يجد فرصة أخرى لشراء المنزل.

تعليقات: