تثبيت الساعة يقسّم لبنان طائفيا ويلغي جلسة الحكومة

الانقسام الطائفي انفجر بأبشع وجوهه
الانقسام الطائفي انفجر بأبشع وجوهه


ما كان ينقص البلاد إلا الإنقسام على تقديم الساعة أو تثبيتها. صراع أخذ كل أبعاده المقيتة مذهبياً وطائفياً، فوضع لبنان مجدداً خارج الزمن وخارج السياق. أدى هذا القرار إلى تكريس الإنقسام اللبناني، بين من يريد اعتماد التوقيت الصيفي ومن يريد البقاء على التوقيت الشتوي، فيما الإنقسام سيكرس إرباكاً في مختلف القطاعات، على الرغم من ابتداع مصرف لبنان لصيغة اعتماد التوقيتين. بغض النظر عن الإنقسام، فإن العودة إلى الفيديو الذي تسرّب قصداً عن لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، يثبت "الجاهلية" التي يعيشها اللبنانيون، وما يتعرضون له من استهزاء ومن إهانات. خصوصاً في كيفية مقاربة المسألة والتي اختصرها بري بالقول:" مشيلهم اياها". وفيما كان ميقاتي بالفيديو المسرّب يشير إلى صعوبة الأمر نظراً لتضاربه مع مواقيت الطيران إلا أن المفاجئ كان إصدار المذكرة بمجرد وصوله إلى السراي الحكومي فالتزم بتعليمات رئيس المجلس حرفياً.

البطريركية والأبرشيات

سريعاً بدأت الردود على هذا القرار، فانقسم البلد إسلامياً ومسيحياً. وأعلن المكتب الاعلامي في الصرح البطريركي في بكركي التزام تقديم الساعة ساعة واحدة منتصف هذه الليلة، ليل السبت-الاحد 25-26 آذار 2023. واعتبرت بكركي في بيان أن هذا القرار المفاجئ الصادر عن رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ارتجالي ومن دون التشاور مع سائر المكونات اللبنانية ومن دون أي اعتبار للمعايير الدولية.

في السياق أعلنت مطرانية بيروت المارونيّة، أنه "بناء على البيان الصادر عن المكتب الإعلامي في البطريركية المارونية، نلتزم في رعايا أبرشية بيروت المارونية ومؤسساتها كافة باعتماد التوقيت الصيفي العالمي في مواعيد احتفالاتنا الليتورجية وفي دوامات مدراسنا والجامعة والمؤسسات كافة، وعليه يتمّ تقديم الساعة ساعة واحدة اعتبارًا من من ليل السبت – الأحد 25-26 آذار 2023".

كذلك، وجهت مطرانية أنطلياس المارونية كتاباً "إلى الآباء الأجلاء الكهنة الأبرشيّين، والرهبان، الذين يخدمون رعايا أبرشية أنطلياس المارونية" جاء فيه "عطفًا على المذكرة رقم 28/م الصادرة عن رئاسة مجلس الوزراء، والمُتعلّقة بموضوع تأجيل بدء العمل بالتوقيت الصيفي حتى منتصف ليل 20-21 نيسان 2023 وبما أن لهذا القرار إنعكاسات على الحياة الكنسية، لذا، جئنا بكتابنا هذا نطلب منكم اعتماد التوقيت الصيفي لتحديد مواعيد القداديس والصلوات اعتبارًا من ليل السبت الأحد 25 - 26 آذار 2023".

وصدر عن المكتب الاعلامي في أبرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك البيان الآتي: "بعد اللغط الحاصل حول موضوع التوقيت الصيفي، يعلن سيادة المطران ابراهيم مخايل ابراهيم التزام ابرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك التوقيت الصيفي العالمي فيما يتعلق بمواعيد الصلوات والقداديس والاحتفالات الدينية، حرصا منا على استمرار التزامنا الانفتاح ليس فقط على محيطنا العربي، بل على المجتمع الدولي بأسره في لحظة يحتاج فيها لبنان إلى عودته السريعة إلى حضن هذا المجتمع الدولي. لذلك نطلب من الكهنة الاجلاء تقديم مواعيد الصلوات والقداديس ساعة واحدة اعتباراً من منتصف ليل السبت - الأحد 25 - 26 آذار 2023".

المصرف المركزي: توقيتين

وقد وصلت رسالة الى المصارف، مفادها أن مصرف لبنان المركزي، لن يطبّق تغيير التوقيت على أنظمته بسبب المخاطر العالية الناتجة عن التعديلات في اللحظة الأخيرة. ولكنه سيلتزم بقرار الحكومة المتعلّق بالحضور وساعات العمل. وأضافت الرسالة أنّه "في جميع الحالات، سيقوم مصرف لبنان بإبلاغ كل واحد منكم بذلك شفهياً ولن يصدر أي توجيهات مكتوبة في هذا الصدد". ووفقاً لرأي مصرف لبنان، لا حاجة لتغيير أي شيء في النظام لأنه سيتبّع تغيير الوقت الطبيعي بدلاً من قرار الحكومة.

جعجع: للعودة عن القرار

ولفت رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، إلى "أنني أستغرب قرار الحكومة بعدم اتباع التقليد المتبع في لبنان، منذ عشرات السنين، بتقديم الساعة ساعة واحدة في آذار من كل عام، والذي ما زال حتى الساعة، معتمدًا في معظم دول العالم". واشار إلى أن "هذا التدبير الذي اتخذته الحكومة سيعرقل الكثير من الأعمال، خصوصًا على مستوى حركة الطيران والشركات العالمية، التي لها علاقة مع الشركات اللبنانية والأسواق وسواها من القطاعات. إن الحكومة مدعوة الى العودة عن قرارها قبل فوات الآوان، اي قبل مساء الغد وقبل ان تضع الكثير من قطاع الأعمال في لبنان، أمام مصاعب إضافية جمة".

نموذج عن إدارة البلد

غرّد النائب وضاح صادق عبر حسابه على "تويتر": "تغيير التوقيت هو نموذج صارخ عن كيف يدار البلد منذ سنوات. قرارات تتخذ وفق أهواء وخيارات شخصية في مجلس النواب ومجلس الوزراء، كلها خفة وانتقائية وعشوائية ومن دون أي دراسة علمية، يعتقدون أنّهم يستطيعون فعل كلّ شيء دون أي رادع أو اعتبار للعواقب العملانية والإرباك الذي يتسببون به".

لهم لبنانهم...

وكتب النائب نديم الجميّل في تغريدةٍ على حسابه عبر "تويتر": "لن نلتزم بتوقيتهم… لهم توقيتهم… لنا توقيتنا… لهم دويلتهم… لنا لبناننا". وأضاف، "لن نطبق توقيتكم، بل سنلتزم بالتوقيت العالمي واللبناني الطبيعي". ووجّه الجميّل تحية "لكل مؤسسة لم تلتزم بالقرار".

المدارس الكاثوليكية

فيما أّكّد الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر أنّ "المؤسسات التربوية الخاصة واتحاد مؤسسات المدارس الخاصة ملتزمة بقرار مجلس الوزراء حتى صدور أي قرار معاكس"، يرجح الأ تلتزم المدارس الكاثوليكة بتثبيت التوقيت انسجاماً مع قرار البطريركية والأبرشيات التي تتبع لها عدد من المدارس.

واعتبر نصر أن "قرار المدارس الخاصة الالتزام بتأجيل العمل بالتوقيت الصيفي هدفه منع إحداث بلبلة في المؤسسات التربوية الخاصة وعدم تضييع الأهل".

الكتائب الالتزام بقرار "الصيفي"

وصدر عن الامانة العامة لحزب الكتائب اللبنانية البيان التالي: "يطلب من جميع الرفاق العاملين في البيت المركزي الالتزام بالحضور الى العمل بحسب التوقيت العالمي المعتمد وعدم التقيد بتأجيل اعتماد التوقيت الصيفي الصادر عن رئاسة الحكومة اللبنانية. كما وان جميع الاجتماعات الحزبية سوف تعقد بالمواعيد المحددة بحسب التوقيت الصيفي الجديد".

كما أعلن تجمّع رجال وسيّدات الأعمال في لبنان (RDCL) التزامه بالتوقيت الصيفي العالمي، تماشيا مع مصلحة القطاع الخاص بعلاقاته مع شركائه العالميين، وحفاظا على انتظام العمل في أجهزة الكمبيوتر والبرامج الإلكترونية والعمليات المصرفية، كما وتوفيرا لاستهلاك الطاقة على الشركات والعموم. كفى امعانا في عزل لبنان عن العالم!

بيان ميقاتي:الغاء جلسة الحكومة

فيما بعد أصدر ميقاتي بياناً قال فيه:"نشهد محاولة لجر البلاد الى انقسام طائفي لتأجيج الصراعات، واعطاء اجراء اداري بحت منحى طائفيا بغيضا. ونظرا للظروف المستجدة المتعلقة بمحاولة البعض جر البلاد الى انقسام طائفي لتأجيج الصراعات، ولاننا نتحمل المسؤولية الدستورية بقناعة وطنية ولكن من دون ان نسمح بجرنا الى الانتحار او الى ما لا يشبه قناعاتنا، لكل هذه الاسباب نعلن الغاء جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة الاثنين، فأمام السادة النواب والقيادات السياسية والروحية المعنية مسؤولية انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة . فليتحمّل كل طرف مسؤوليته. وللبحث صلة".

وأعرب ميقاتي عن أسفه "للمنحى الطائفي الذي تتّخذه مسألة تأخير التوقيت الصيفي والذي لا علاقة له بالموضوع". وتابع:"هل المطلوب هذه التعبئة الطائفية بدل الحرص الضروري على العيش الواحد فيما كان يتوجّب تفعيل اجتماعات الطوارئ والاهتمام بمناقشة كيفية الخروج من المخاطر التي عبّر عنها صندوق النقد الدولي؟ وأضاف ميقاتي:أرسلت كتاباً لوزير الأشغال العامة لدراسة موضوع تأخير التوقيت الصيفي منذ 6 أشهر وكان الردّ أن قطاع الطيران هو الذي يتأثر وطرحنا الموضوع على رئيس "طيران الشرق الأوسط" الذي أشار إلى أنه لا مشكلة إذا اقتصرت المسألة على 3 أسابيع".

تعليقات: