الحملة اللبنانية على النازحين السوريين.. ابتزاز مالي


لم يشهد لبنان تضخيماً لمعاناته جراء النزوح السوري بالتحديد، كما هو حاصل الآن. ثمة قطبة مخفية، حولت جميع الأطراف السياسية ومعظم وسائل الإعلام باتجاه النزوح، وبأكثر الطرق فجاجة وعنصرية ولا-أخلاقية، رغم إدراك الجميع بأن حلّ أزمة النزوح ليس متاحاً حالياً، لأسباب موضوعية، رغم التقارب الأخير بين دمشق ودول اقليمية.

في الاسبوع الماضي، كان محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، أول المسؤولين الإداريين في الدولة اللنبنانية الذين يرفعون الصوت. جاء ذلك بعد حملات سياسية تصدرها "التيار الوطني الحر" منذ 10 سنوات، ولم تنجح سوى في إعادة نحو 20 ألف نازح الى سوريا، ضمن حملات العودة الطوعية.

انكسر القيد الأخير على مستوى الإدارة اللبنانية. المحرّم، إنسانياً وحقوقياً وحتى في المبالغة في الحالات والأرقام، لم يعد محرّماً. وعليه، انقلبت معايير وسائل الاعلام التي أعلنت في وقت سابق انحيازها للنازحين. حتى الأصوات التي كانت في وقت سابق تعلو تأييداً انسانياً للنازحين، لم تعد موجودة. ثمة شيء ما تغير. هي الأزمة الاقتصادية التي يعانيها اللبنانيون، والتغيرات السياسية التي تحدث في المنطقة، تأكيداً لفرضية أن ملف النازحين هو ملف ضغط على النظام السوري.

يُستدل الى تبدل المزاج اللبناني، من حجم السخط اللبناني في مواقع التواصل ضد نازح سوري له ثلاث نساء ظهر في فيديو نشرته جريدة "النهار"، وأعاد نشره تلفزين "الجديد". يقول في الفيديو أثناء مواجهة مع رئيس بلدية القاع في شرق لبنان، بشير مطر، إنه أنجب من نسائه 16 طفلاً، ولا يعاني مشكلة أمنية في بلاده، ويتقاضى من مفوضية اللاجئين 16 مليون ليرة شهرياً، ويقيم في لبنان لأن بلاده تفتقر الى فرص العمل. وقيل أن فريق "النهار" قد "صادف هذا الحوار" بين النازح رئيس البلدية، رغم أن أي مبتدئ أو متلقٍّ يشاهده سيفهم أنه أقرب إلى التنسيق بين فريق العمل ورئيس البلدية، وفُرص الصدفة فيه تقارب الصفر.

وانتشر الفيديو غداة تقرير بثته قناة "أم تي في" عن تضرّر محاصيل ومنشآت زراعية في البترون في شمال لبنان، جراء عبث مقصود بها من قبل سوريين، ويستعرض خسائر لكل منشأة تصل الى 800 دولار.

وإذا كانت وسائل الاعلام والقوى السياسية المؤيدة للنظام السوري، حافظت على خطابها طوال السنوات العشر الاخيرة، فإن المستجد هو في وسائل الإعلام الأخرى التي اضطرت لتبديل خطابها. هذا التبدل، لا يعود حكماً الى الايديولوجية السياسية، طالما أن التضامن والدعم للنازحين كان ينطلق من مقاربة انسانية. ما تبدل أن النازح اليوم لم يعد وسيلة لتحقيق الارباح، في ظل تراجع الدعم الدولي على خلفية الأزمة الأوكرانية، وفي ظل استفادة النازحين من دعم الدولة اللبنانية المنهارة أصلاً.

ما لم يُذكر كثيراً في وسائل الاعلام اللبنانية بمختلف أطيافها، أن وجود النازحين أعاد تشغيل الكثير من القطاعات في فترة الأزمة السورية. شركات الاتصالات اللبنانية، ازدادت مبيعاتها نحو 25% في تلك الفترة. أما الأفران التي كانت تخبز طناً من الطحين يومياً، باتت تخبز ضعف هذا الرقم. وبنى اللبنانيون آلاف المنشآت لاستيعاب الطلب على الايجارات في تلك الفترة. ثمة مليون ونصف المليون نازح حلوا في البلاد، ويحتاجون الى خدمات.

إزاء هذا الدعم، ارتفعت تقديمات الأمم المتحدة للبنانيين حتى وصلت الى 1.35 مليار دولار في العام 2018. أُنفقت على اللاجئين الذين ينفقون في البلد، وعلى المجتمع المضيف، وعلى قوى عاملة في منظمات ومجتمع مدني وما شابه من الوظائف الدائرة في فلك ملف النزوح. لكن هذا الدعم، لم يحمِ البنية التحتية اللبنانية من الاستنزاف، التي تحتاج الى صيانة دورية غير متاحة بسبب انهيار الدولة أكثر منه بسبب عبء النزوح، كما لم يعوض على شركة الكهرباء التي زادت حاجتها بمقدار 500 ميغاواط أكثر مما كانت عليه قبل ذلك، وتقول إن تأمين هذا الطلب كان بالمجان، حيث لم تتلقَ تعويضاً مالياً بديلاً.

استفاد اللبنانيون في تلك الفترة الى حدود كبيرة. هو اقتصاد الحرب، واقتصاد الأزمة، وخسرت الدولة اللبنانية. المؤيدون انسانياً للنازحين، لم يقاربوا الملف من زاوية الضغوط على الدولة، بل انطلاقاً من منافع خاصة. وحين تراجع الدعم الدولي الى مستويات معينة بفعل أزمة اوكرانيا، تراجعت المنافع، وهو ما بات يشجّع على تلك الحملات التي أخرجت الأسباب الوطنية للانتقاد والهجوم، وأخفت تراجع المكتسبات الشخصية.

يدرك جميع اللبنانيين أن ظروف اعادة السوريين غير متاحة، على خلفية اللوائح الأمنية أولاً، والاستدعاءات للخدمة الإلزامية في سوريا، وعجز النظام السوري عن تلبية متطلباتهم من الطاقة والمياه والتعليم والطبابة، وحتى الغذاء. ويدرك الجميع أن انفاق الأمم المتحدة على النازحين في بلادهم غير متاح حتى الآن، لأسباب سياسية لم تنتهِ منابعها. كما يدركون أن تحويل المبالغ المالية الأممية الى سوريا والتي يفترض أن ترافق النازحين، ستحرم لبنان من مليار دولار بالعملة الصعبة سنوياً، هو أكثر من يحتاجها في ظل تراجع عائداته المالية الرسمية.

وعليه، تصبح الحملات استدعاءً لدعم دولي إضافي للبنان، ودعم إضافي لجمعيات استحصل منها كثيرون على ثروات مالية. يستطيع اللبنانيون تحويل مطلب انساني الى مطلب شخصي، ويظهر ذلك أن هؤلاء البعض تجار، لا يؤمنون بقضايا، بقدر ما يسعون لتحقيق الثروات..على ظهر السوريين.

تعليقات: