الدولة تحارب الفقر بقرض جديد: المساعدات هرطقة يحتاجها الفقراء

مستوى الفقر المتعدّد الأبعاد في لبنان وصل إلى 82 بالمئة (Getty)
مستوى الفقر المتعدّد الأبعاد في لبنان وصل إلى 82 بالمئة (Getty)


كما سعر صرف الدولار في السوق الموازية، لم يعد ممكناً حصر معدّلات الفقر والبطالة الآخذة بالتزايد. وفي ظل غياب الإحصاءات الرسمية تشير تلك غير الرسمية إلى توزُّع معدّلات الفقر بين 50 إلى 60 بالمئة من السكّان. لكن التدقيق في احتياجات الأسر، يرفع مستوى الفقر "المتعدّد الأبعاد"، حسب توصيف الإسكوا، إلى 82 بالمئة. ومع تزايد سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار المواد الغذائية وكلفة الطبابة وأسعار الخبز والمحروقات، يزيد الحاجة لدعم الأسر الفقيرة والأكثر فقراً، وتلك التي ما عادت المؤشّرات الدولية قادرة على حصرها في تصنيف محدَّد نظراً لفداحة وضعها.

وما يمكن للدولة تقديمه، هو انتظار قروض إضافية من المجتمع الدولي.

نتائج مشروع شبكة "أمان"

في آذار 2022 أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بدء دفع المساعدات الاجتماعية للأسر التي تسجّلت على المنصة الالكترونية الخاصة للمشروع. وأكّد يومها وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجّار أنه "تم اختيار 150 ألف أسرة من أصل 200 ألف أسرة استوفت الشروط للاستفادة من المساعدات المالية الشهرية بالدولار لمدة سنة". علماً أنه تقدّم 580 ألف أسرة على المنصة للحصول على المساعدة.

بعد عام من بدء دفع المساعدات المموّلة بقرض من البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار، "وصل عدد الأسر اللبنانية المستفيدة من برنامج أمان خلال العام 2022 إلى 76 ألف أسرة. وسيتمّ تمديد الاستفادة لهذه الأسر لمدة 6 أشهر إضافية، وستحصل هذه الأسر على دفعة واحدة عن شهري كانون الثاني وشباط 2023 إبتداءً من 15 آذار 2023، على أن تستمرّ الحوالات شهرياً لحين الحصول على 6 أشهر إضافية كاملة". ما يعني أن هناك 74 ألف أسرة لم تحصل على المساعدات خلال العام 2022. لكن سيتم استهداف تلك الأسر خلال العام الجاري، وسيتم التجديد للمستفيدين القدامى، وفق ما جاء في بيان لوزير الشؤون الاجتماعية.


قرض جديد

لمزيد من التغطية الاجتماعية، ستزيد الوزارة عدد الأسر المستفيدة من البرنامج، والتي كانت قد تسجّلت سابقاً على المنصة، وذلك من خلال "زيارات منزلية تبدأ خلال شهر نيسان المقبل، وتستمر لمدة 5 أشهر. بعدها ستخضع الأسر لعمليّة تقييم ممكننة لاختيار الأكثر فقراً منها للإستفادة من برنامج أمان لمدّة عام واحد مع مفعول رجعيّ من شهر كانون الثاني 2023، على أن يتمّ الدفع للمجموعة الأولى في نهاية شهر أيار 2023".

وبما أن تمويل برامج المساعدات الاجتماعية هو العقدة الأساس، تنتظر الوزارة قرضاً جديداً من البنك الدولي بقيمة 300 مليون دولار "لدعم الفئات التي لامست مستوى الفقر بشكل غير مسبوق". وفق ما أعلنه رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فريد بلحاج.

هذا القرض شكَّلَ "محور اجتماعات مكثّفة طيلة أسبوعين مع فريق عمل البنك الدولي"، حسب ما تؤكّده مصادر في وزارة الشؤون الاجتماعية في حديث لـ"المدن"، ومع ذلك "لا يمكن إعطاء تفاصيل نهائية عن الاجتماعات، قبل الأسبوع المقبل، لأنها ما زالت مستمرة".


شبهات فساد؟

تبيّن وزارة الشؤون الاجتماعية أن الأسر المستهدفة لم تحصل جميعها على المساعدات، الأمر الذي يراكم حاجة تلك الأسر للتغطية المادية. وفي ظل الرغبة في الحصول على تمويل إضافية لتغطية المزيد من الأسر، تُطرَح علامات استفهام حول شفافية توزيع المساعدات. فهناك إشارة إلى أن مشروع القرض الجديد سيتضمّن "قاعدة معلومات تمكِّن من تفادي الفساد والتغيير في وجهة التمويل". فضلاً عن أن منظّمة "هيومن رايتس ووتش" ذكرت في تقريرها في نهاية العام 2022 أن "أقل من 5 بالمئة من الأسر في لبنان تلقت أحد أشكال المساعدة الحكومية. وينبغي للحكومة اللبنانية والبنك الدولي اتخاذ إجراءات عاجلة للاستثمار في نظام حماية اجتماعية قائم على الحقوق ويضمن مستوى معيشياً لائقاً للجميع".

تنفي مصادر الوزارة وجود أي شبهات حول العمل في برنامج أمان "فما تم تنفيذه خلال العام 2022 جرى تحت إشراف تقني من البنك الدولي. وهو ما دفع بالبنك إلى الموافقة على تقديم قرض جديد بقيمة 300 مليون دولار".

المعلومات حول الأسر المستفيدة من المساعدات الاجتماعية "تشملها السرية. وهذا أمر طبيعي لضمان خصوصية تلك الأسر"، على حد تعبير عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي صادق علوية. لكن بشكل عام، يوكّد علوية لـ"المدن" أن المبلغ المدفوع للأسرة "لا يغطّي نصف ثمن السلّة الغذائية الأساسية". فقيمة المساعدة تبلغ 20 دولار شهرياً عن كل فرد في الأسرة، على أن لا يتعدّى عدد الأفراد 6 أفراد كحدّ أقصى. أي أن الأسرة تحصل على 40 دولار في حال تألفت من أب وأم فقط، وعلى 120 دولار في حال تألّفت من 6 أشخاص. يعني أن أصغر عائلة عليها العيش بنحو 1.3 دولار يومياً وأكبرها بنحو 4 دولار. وعلى تلك الأسر تأمين الأكل والشرب والنقل والطبابة والكهرباء، بتلك المساعدة.

من هنا، يأسف علوية للآلية التي اعتمدتها الدولة في تقديم المساعدات للأسر، بدءاً بدعم السلع. وبالنسبة إليه، كان الأجدى "تأمين خدمات عامة مثل مشاريع النقل والتغطية الصحية. لأن التحويلات النقدية هي مشروع مؤقّت ولا يمكنه أن يكون مستداماً".

البلاد دخلت في المجهول. والبحث عمّا كان يفترض انجازه، لم يعد مجدياً، خصوصاً وأن الأرضية التي انطلقت منها الدولة لبحث تقديم المساعدات تختلف عن مصلحة الأسر التي لا غنى لها عن أي مساعدة يمكن تقديمها، وإن كانت مجحفة أو "هرطقة" تُغيِّر الوجه الأمثل للمساعدات الصحيحة. علماً أن "كلفة القضاء على الفقر" في لبنان يمكن تأمينها بلا حاجة للقروض، التي بدورها تتحوّل إلى أكلافٍ على اللبنانيين دفعها بوصفها التزامات تترتّب على الدولة، وذلك في حال "تقديم العُشر الأغنى من اللبنانيين، مساهمات سنوية لا تتعدّى نسبة 1 في المئة من ثرواتهم التي قاربت 91 مليار دولار في العام 2020"، وفق ما أوردته الأمينة التنفيذية للإسكوا، رولا دشتي، في أيلول 2021، خلال دعوتها لإنشاء صندوق وطني للتضامن الاجتماعي بهدف التخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية في البلاد.

تعليقات: