اللبنانيون وصدمة المئة ألف للدولار: كوميديا سوداء ورعب

مستوى غير مسبوق من الاضطراب أمام محال الصيرفة (المدن)
مستوى غير مسبوق من الاضطراب أمام محال الصيرفة (المدن)


استيقظ اللبنانيون اليوم الثلاثاء على أجواء ملبدة بالإرباك والقلق. وتضافرت معالمها بالأمس، وسط تضارب لجهة التزام المدارس الخاصة بالإضراب الذي دعت إليه نقابة معلميهم، احتجاجًا على تدني قيمة رواتبهم، فيما الليرة كانت تسلك مسار انهيارها المدوي، تزامنًا مع استئناف إضراب المصارف اللبنانية.


القعر المستحيل

ومع تراجع الليرة إلى مستوى قياسي أمام الدولار بكسرها عتبة 100 ألف ليرة في السوق السوداء. وهو رقم كان نفسيًا مع بداية الأزمة من غير المتوقع الوصول إليه، لا بل أنه كان بالنسبة إليهم قعراً مستحيلاً، يقفز اللبنانيون نحو ذروة جديدة من العبثية بمختلف مفاصل عيشهم.

ولعل أكثر ما يلفت الانتباه بدخول مرحلة خمسة أصفار لليرة، هو تعاطي بعض اللبنانيين معها بسخرية مطلقة، كنوع من الكوميديا السوداء. فانتشرت الكثير من الفيديوهات التي تحتفي استهزاءً برقم المئة ألف، ناهيك عن النكت من منطلق "طال انتظار هذا الرقم". بينما عمد كثيرون إلى عدم الاكتراث بالذروة الجديدة لانهيار الليرة، رغم خطورتها ورمزيتها!


اضطراب الناس

ميدانيًا، يبدو المشهد مختلفًا، وتحديدًا أمام محال الصيرفة، التي تشهد مستوى غير مسبوق من الاضطراب، وانعكس غضبًا وقلقًا واضحين على وجوه الصرافين، لدى تعاملهم مع الناس أو لدى ردهم على استفسارات سعر صرف الدولار. ووضع الكثير من الصرافين هامشًا واسعًا بين سعري المبيع والشراء للدولار، تجاوز لدى البعض الألف ليرة، خوفًا من تقلبات مفاجئة.

وأمام أحد محال الصيرفة شمالًا، تقف مجموعة من المواطنين، بعضهم يحمل قليلًا من الدولارات لتصريفها، بينما تقول إحدى السيدات لـ"المدن": "كنت أنوي تصريف 200 دولار لتسديد أقساط متراكمة، لكنني تراجعت وتمهلت، لأن زوجي اتصل بي للتمهل حتى الغد، وأخبرني أن الليرة ستسجل مزيدًا من الانهيار في الساعات المقبلة".

أم أحمد، سيدة أخرى تخبرنا عما واجهته الثلاثاء مع سائق أجرة متجول، إذ صدمها بطلب دولار ونصف لتوصليها إلى منطقة أخرى ضمن طرابلس، أي يريد منها 150 ألف ليرة، فأكملت جزءاً من المسافة سيرًا على الأقدام. وتقول غاضبة: "الناس تأكل بعضها البعض في كل مرة نشهد فيها انهيارًا حادًا لليرة، وأسعار الطعام والخضار ترتفع بلحظات بشكل جنوني، وأنا متأكدة أنهم يسعرون بأكثر من 100 ألف".


داخل المتاجر وأمام المحطات

تبدو الأجواء داخل المتاجر الغذائية ومحال التجزئة أكثر تعقيدًا وضبابية. فمن كان يواصل التسعير بالليرة لترك هامش واسع للتلاعب العلني، نزع ملصقات التسعير عن كل الرفوف، حتى يترك للزبائن مفاجأة الأسعار الجديدة عند صندوق الدفع. في حين يشكو مواطنون من تلاعب الكثير من المتاجر باحتساب سعر صرف الدولار لديها، إذ تجاوز عند الدفع عتبة المئة ألف، فيما يعمدون إلى رد ما تبقى من المبلغ للزبون وفق سعر صرف أقل من السوق السوداء.

في هذا الوقت، اكتظت بعض محطات الوقود بالسيارات، التي كانت تتسابق لملء خزاناتها بالبنزين قبل صدور اللائحة الجديدة لأسعار المحروقات، وهي مرشحة للارتفاع، خصوصًا بعدما تجاوز سعر صفيحة البنزين المليون و800 ألف ليرة. يقول عصام، عامل في متجر، لـ"المدن": "نشعر بالإهانة، وكأننا نعمل بالسخرة. أفكر جديًا بترك عملي إن لم يسدد لنا صاحب المحل نسبة لا تقل عن 300 دولار نقدًا إضافة إلى راتبنا بالليرة، الذي لم يعد يغطي كلفة التنقل".


الدولرة الشاملة

توازيًا، يعبر المواطنون عن قلقهم الشديد من ارتفاع أسعار بطاقات تشريج الهواتف، خصوصًا مع رفع مصرف لبنان المركزي سعر صرف الدولار على منصة صيرفة لأكثر من 75 ألفاً للدولار، إضافة إلى توجسهم من فواتير الكهرباء وفقاً للتسعير الجديدة لها.

وينسحب هذا الواقع المتأزم على مختلف مرافق عيش اللبنانيين، إذا يتحدث طلاب جامعيون وأهالي طلاب المدارس عن تبلغهم هذا الأسبوع رسائل إلكترونية حول التسعيرات الجديدة لاستيفاء الأقساط، سواء للفصل المقبل أو للسنة الدراسية المقبلة التي سيسجلون فيها تسعيرات مرتفعة جدًا بالدولار الأميركي.

كل ذلك، في سياق الدولرة شبه الكاملة، مقابل استفادة التجار والمستثمرين وأصحاب المصالح من الفوضى العارمة وغياب الرقابة الرسمية، في حين يظهر جليًا -مع مواصلة الليرة لسقوطها الحر- أن عجز الناس فاق التصور، وهم غير قادرين عن التحرك في الشارع تعبيرًا عن مجرد استنكار أو غضب من سلطة تتفرج على تداعيات كل تلك "الجرائم" بحق شعبها.

تعليقات: