مزروعات الجنوب ستعطش صيفاً وأوكسجين بحيرة القرعون يتراجع

الأسماك مهددة كما المزروعات (مصلحة الليطاني)
الأسماك مهددة كما المزروعات (مصلحة الليطاني)


ليس التلوّث جديداً على بحيرة القرعون، بل بات مرادفاً لاسمها في ظل امتناع الدولة عن حلّ مشكلة تلوّث نهر الليطاني من منبعه إلى مصبّه. وفي كل عام، تسجّل البحيرة لنفسها موعداً مع نشاط السيانوبكتيريا التي تهدد مياه البحيرة وأسماكها. ومع ارتفاع درجات الحرارة وتراجع مستوى المتساقطات، تتحضّر تلك البكتيريا التي تعيش في تلوّث المياه، لتتكاثر وتنشط. على أن انخفاض معدّل المتساقطات ينعكس كذلك على عملية ريّ المزروعات في الحوض الأدنى لنهر الليطاني، أي في منطقة القاسمية، الأمر الذي يشكّل معضلة لمزارعي الجنوب.


قلق مزدوج لمصلحة الليطاني

لم تفلح مصلحة الليطاني في منع المصانع والبلديات من رمي مياه الصرف الصحي وأطنان الملوِّثات في أطول الأنهار اللبنانية. يترافق ذلك مع ارتفاع درجات الحرارة لهذا العام، وانخفاض معدّل تساقط الأمطار، وهي عوامل تساعد على خفض مستوى الأوكسجين في البحيرة "ما يهدد بطفرة للسيانوبكتيريا والتسبب بموجة جديدة من نفوق الأسماك في البحيرة"، وفق ما يؤكّده المدير العام لمصلحة الليطاني سامي علوية، الذي يشير في حديث لـ"المدن"، إلى أن "السيانوبكتيريا وتولّث البحيرة لم يختفيا، لكن ما يجري هذا العام هو ازدياد معدّل تحفيز البكتيريا، فنحن في سنة مائية شحيحة والدولة ووزارة الطاقة لا يتعاملان مع الموضوع بجدية". ويحذّر علوية من "تركيز الملوّثات والمعادن الثقيلة مع استمرار انخفاض معدّل المتساقطات وارتفاع الحرارة".

قلقٌ آخر يبديه علوية وهو "إجبار المزارعين في الجنوب على تقنين الريّ من مشروع القاسمية بسبب تراجع المتساقطات، ما سينعكس على معدّلات الزراعة والإنتاج". ويأسف علوية إلى أن الريّ في الحوض الأعلى لنهر الليطاني، أي في منطقة البقاع، متوقّف منذ سنوات بسبب التلوّث.


الآبار هي الحل

قد تطول عملية إزالة التلوّث من نهر الليطاني، وربما يستحيل إنجازها. ما يعني ضرورة البحث عن حلول سريعة ومفيدة، سيّما لمسألة ريّ المزروعات. ومدخل الحل بالنسبة إلى الخبير الهيدروجيولوجي سمير زعاطيطي، هي استئناف حفر الآبار الجوفية.

زعاطيطي الذي اختَبَرَ العَمَلَ في منطقة الجنوب منذ الاحتلال الاسرائيلي حتى اليوم، يؤكّد لـ"المدن"، أن الآبار كانت وما زالت هي الحل لمشكلة المياه، على عكس ما يُرَوَّج عن عقم هذه التجربة والسعي لاستبدالها بالسدود. فالمياه السطحية تمثّل ثلث الثروة المائية فيما ثلثيّ تلك الثروة تُخَزَّن في الجبال وتخرج من الينابيع، ولذلك، فإن حفر الآبار يستغل المياه الجوفية بشكل مناسب.

ويلفت زعاطيطي النظر إلى أن "تجربة حفر الآبار في الجنوب كانت ناجحة جداً ويجب استكمالها عن طريق دراسة أماكن الآبار الاستثمارية التي تتّصف بعدم عمقها، ما يخفِّض كلفة حفرها على المزارع ويسرِّع خروج المياه ضمن القدرة المادية المتاحة للمزارع". ويبقى على الدولة في هذه الحالة تأمين الكهرباء لتوليد الطاقة لسحب المياه.

الجنوب حالياً بلا ماء وبلا كهرباء ومع ذلك "تنشط فيه محاولات بعض النافذين، وبالتعاون مع شركات هندسية تتبع جهات حزبية، لتنفيذ مشاريع حفر آبار ارتوازية لبعض القرى والشخصيات تحت غطاء سياسي وليس من ضمن خطط رسمية لاستغلال المياه الجوفية على مستوى الدولة واستغلالها للشرب والريّ".

واقع نهر الليطاني وبحيرته والمزروعات التي تعيش من مياهه، لم يعد عامل جذب للمساعدات الدولية في الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة. فبنظر علوية "الأولوية لمشاريع ودراسات واستشارات أخرى". لكن إمعان النظر بقضية الليطاني، تُظهِر انعكاس تلوّثه ليس فقط على اللبنانيين القاطنين على مجراه أو المزارعين المستفيدين من مياهه، بل على النازحين السوريين الذين يتوزّعون في كثير من المناطق على جانبيّ النهر، متأثّرين بتلوّثه، سواء من حيث استعمال مياهه أو اصطياد أسماكه، ومنها سمك بحيرة القرعون. ففي العام 2021 عمد الكثير من النازحين الى اصطياد أسماك نافقة من البحيرة، ومصابة بوباء خطير، وبيعَت الأسماك في أكثر من منطقة، وصولاً إلى طرابلس، بمساعدة بعض اللبنانيين.

تعليقات: