انتحار بيار صقر.. رسالة للمقاتلين في مطحنة الخذلان


ليست الضائقة الاقتصادية وحدها دافعاً لانتحار اللبنانيين. ثمة شعور أبلغ، يدفع باتجاه هذا الفعل، ليس أقله "الخذلان"، و"مقاومة الذل"، والاستسلام أمام هول المصاعب، وهو ما عبّر عنه بيار صقر اليوم بقوله: "تعب 32 سنة راحوا ضيعان".

يختلف صقر عمّن سبقوه من المنتحرين، أنه اختار الاعلان الرسمي عبر صفحته في فايسبوك، ولم يرسل الرسائل للأصدقاء والعائلة. اختار أن يكون انتحاره رسالة عامة، لا تحرج من يسربها. حوّل الفعل الى الحيز العام، ليتحول قضية رأي عام. يشبه احتراق البوعزيزي، وصب البنزين على الأجساد في لبنان. الفارق بين هؤلاء، أنه شرح وأوضح وأسهب في تعليل الأسباب.

وتفاعل العشرات مع رسالة لصقر نشرها في حسابه في "فايسبوك"، أعلن فيها نيته الانتحار، وكتب وصايا عديدة من بينها أن يُلفّ جثمانه بالعلم اللبناني وعلمَي حزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية"، كونه مناصراً لهما. ولم تنفع كل الدعوات لثنيه عن الانتحار، إذ أفاد أصدقاء له بأن الأوان قد فات، وأنه نفّذ بالفعل انتحاره.

اختار بيار صقر أن يكون موته رسالة تختلط فيها كل المشاعر والتراكمات. الشعور بالضائقة، يدفع الى الاستسلام. حكماً. لكنه اضاف عنوانين آخرين: الاستسلام نتيجة ضياع تعب العمر. نتيجة سرقة جماعية ومنظمة لجهود شخصية بذلها الأفراد على مدى سنوات.. فضلاً عن الخذلان.

والخذلان هنا، عائد الى "مقاومة" أبداها خلال سنوات الفتوة، لأجل القضية. "الانتصار" الذي تحقق، بحسب كل مقاتلي الحرب اللبنانية المسيحيين، بفعل "الخروج السوري" من لبنان، وانكفاء أعداء الأمس، ليس تفصيلاً في مسيرة يُراد لها أن تُحال انتصاراً في الداخل، وتترك مردودها على الأفراد. كثيرون آمنوا بالقضية، وما زالوا يعتبرون قادتها أبطالاً. الاحترام الذي أعلنه صقر لرئيس حزب "القوات اللنبانية" ولبشير الجميل، يؤشر الى ذلك، لكنه لا يكفي لتأمين استمراريته كفرد في مطحنة لبنانية، لا تنظر الى الأفراد إلا بوصفهم أرقاماً.. وبيار واحد منهم.

أشهر بيار صقر الموت في وجه الذل. الرجل الذي بدأ حياته مقاوماً لأجل القضية، يقاوم الذل أخيراً في فعل الانتحار. ربما لا ينظر للأمر كاستسلام، بقدر ما يراه فعلاً بطولياً. شجاعة. مقاومة فردية، مع اختلاف العدو، واختلاف الظرف، واختلاف الأزمات.

من حقه أن يشهر الموت إذاً. لا أن يتسلل إليه خوفاً، ولا تردداً، بعدما قاتل 42 عاماً، وخذله الظرف، وربما القضية نفسها. بهدوء، يعلل أسبابه، ولا يتراجع. كان يمكن أن يتأخر، عشر دقائق، نصف ساعة.. فينقذه آخرون، ويقدمون له ما عرضوه عليه في التعليقات! لم يكن الرجل يبتزّ المشاعر للبقاء على قيد الحياة. كان مصرّاً على أنه صُلب، واختار مصيره بمحض إرادته، وحاذر انتقاد من يؤمن به. أكمل مقاومته بمقاومة الذل والحاجة والعوز والمرض.

في موت بيار، درس لكل المقاتلين السابقين والحاليين. حقوق الأفراد ومستقبلهم، تطحنها القضايا والأزمات. الزعيم عاجز، والفرد عاجز، والحكومة عاجزة. الفارق بين الجميع، أن الفرد وحده يشعر بالخذلان، يستسلم وينتحر طالما أن عدوى الانتحار باتت شائعة، ولا من يوقفها.




تعليقات: