هل دُفِع المال لمن اعترف بقتل عدنان شمص؟


من المتوقع صدور قرار اتهامي قريباً في قضية مقتل الشاب عدنان شمص خلال أحداث الجامعة العربية، حيث هناك موقوف واحد لم يقنع توقيفه ذويه ولا أهل القتيل، فيما يشير البعض إلى اعترافه بتنفيذ الجريمة مقابل المال.

جميع من تلتقيهم في وطى المصيطبة يوجّهون النصيحة ذاتها: «شو بدكن بهالقصة. الموضوع كبير». هي قضية راغب إبراهيم، الشاب الكردي السوري الذي ادّعى عليه القضاء العسكري بجرم قتل عدنان إبراهيم شمص خلال أحداث الجامعة العربية (يوم 25/1/2007)، ولا يزال في السجن منذ ذلك الحين. اتهام راغب إبراهيم لم يقنع الكثيرين، وعلى رأسهم عائلته. وقد وصل الأمر بأحد أبناء «الوطى»، ممن كانوا موقوفين مع راغب في القضية ذاتها، إلى أن يقول لـ«الأخبار» إنه عندما كان موقوفاً لدى الشرطة العسكرية، سمع أحد رفاق النظارة يقول لراغب: «خذ ما تريد من المال وقل إنك أنت قتلتَ عدنان شمص».

ما قيل عن قضية المال يصعب تصديقه للوهلة الأولى. فالاعتراف بجريمة ليس بالأمر الهيّن، وإن كان مقابل وعد بالتوسط كي لا تتجاوز مدة التوقيف 6 أشهر، مضافاً إلى مبلغ مالي بخس لا يزيد على 5 آلاف دولار وراتب شهري يبلغ 600 دولار (وهو العرض الذي تلقاه راغب داخل النظارة بحسب الموقوف السابق). لكن زيارة إلى منزل أهل راغب قد تجعل أمر قبوله بهذا العرض يدخل في إطار المعقول. المنزل في وطى المصيطبة، في الشارع المقابل لمحطة الزهيري، فوق مؤسسة شعبان. عندما تسأل عن مدخل المنزل يدلك كل من تلتقيه، لكن ذلك لا يسمح لك بالعثور عليه بسهولة. فهو شبيه درج مختبئ خلف جدار. يتألّف قسمه الأول من أحجار بناء موضوعة عشوائياً، وجزؤه الثاني سلّم حديدي لولبي أكله الصدأ وكاد يقطع أوصاله. الارتفاع الفاصل بين درجتيه الأخيرتين تزيد على 70 سنتيمتراً. تصل إلى سطح واسع تحتل مساحة كبيرة منه إطاراتُ سيارات قديمة وعلبٌ فارغة لزيوت المحركات. تصطف إلى اليسار غرف مبنية بأحجار بسيطة السماكة. سقوفها من التنك المحمّل بأحجار وإطارات سيارات تمنع الهواء أن يزيله من مكانه. كل الأبواب الخشبية لهذه الغرف مطلية بألوان زاهية. إحدى الغرف هي بيت عائلة راغب إبراهيم. في الغرفة وملحقاتها (حمام وغرفة ضيقة تستخدم مطبخاًً، ليس فيها حوض للجلي)، خزانتان خشبيتان يبدو أن زمناً طويلاً قد مر عليهما. لا أثر للكراسي أو الأثاث، والجلوس على فرشة فوق حصير يخفي أرضية غير مبلّطة. في الغرفة التي يبدو الحرص الفائق على نظافتها، جلست أم راغب تتحدّث عن ابنها. تقول السيدة الستينية بحسرة إنها لما زارته في السجن لم يعرفها. هو مصاب بمرض السحايا منذ خدمته الإلزامية في الجيش السوري.

أتت العائلة إلى لبنان قبل 17 عاماً، وبدأ راغب يعمل في مؤسسة شعبان لصيانة السيارات، مقابل 10 دولارات يومياً. تؤكّد والدته أن ابنها لم تكن له ميول لأي طرف سياسي في لبنان. ويوم أحداث الجامعة العربية، كان في المحل الذي يعمل فيه، والواقع في منتصف الطريق بين محطة الزهيري والمكان الذي قُتِل فيه عدنان شمص. تقول الوالدة إن راغب بقي مختبئاً داخل المحل خلال الاشتباكات. تؤكد رواية توريط ابنها في جرم لم يقترفه، فقد استُضعِف لأنه «يتيم وسوري وما إلو سند». توجه أم راغب نداءً إلى النائب وليد جنبلاط والقاضيين جان فهد ورشيد مزهر: «الله يحمي ولادكن. ما بدي إلا إنو ابني يرجع».

الرأي ذاته تبديه عائلة الشهيد عدنان شمص التي أكّدت أكثر من مرة أن اعتراف راغب الأوّلي ملفّق ولا أساس له من الصحة. وعندما يُشار إلى أن راغب مثّل الجريمة، يجيب آل شمص أن راغب قال خلال تمثيل الجريمة إنه أطلق النار على عدنان وجهاً لوجه. لكن تقرير الطبيب الشرعي كيفورك كومبه جيان أثبت أن في جسد شمص مدخلين لطلقين ناريين في الظهر، فضلاً عن طعنات بآلات حادة وآثار ضرب.

وإضافة إلى ذلك، تقدّم أشقاء شمص بشكوى مباشرة أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت ضد 15 شخصاً من وطى المصيطبة، بجرم قتل شقيقهم وتعذيبه والتنكيل بجثته، وراغب إبراهيم ليس بين المشكو منهم.

التحقيقات الأولية والاستنطاقية انتهت. وقد أحال القاضي رشيد مزهر الملف على النيابة العامة العسكرية لإبداء المطالعة في الأساس. وخلال الايام المقبلة، سيعيد مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد الملف إلى قاضي التحقيق العسكري الأول متضمناً طلباته، تمهيداً لإصدار القرار الاتهامي. وحتى ذلك الحين، يبقى أمل ذوي راغب بإعادة النظر في التحقيقات التي أجريت مع ابنهم.

قَتَل بسلاح لم يُستَخدم

يقول الموقوف السابق إن «السلاح الذي اعترف راغب إبراهيم باستخدامه لإطلاق النار على عدنان شمص تعود ملكيته لبهاء شعبان، رب عمل راغب. وهذا السلاح كان مرخّصاً، وأثبتت التحقيقات المخبرية أنه لم يُستَخدَم يوم الجريمة». ويؤكّد أن غزارة النيران التي كانت تمطر مكان عمل راغب تجعل من الصعب جداً عليه الدخول إلى المحل وأخذ البندقية ثم الخروج والتوجه نحو عدنان شمص وقتله. ويشير الموقوف إلى آثار طلقات نارية لا تزال بادية في الباب الحديدي للمحل وفي البرادي المرفوعة فوق مدخل محل مجاور، إضافة إلى الحيطان المحيطة به.


تعليقات: