الامتناع عن الخدمة العسكرية يهزّ إسرائيل.. الحماية الوجودية مهددة

احتجاجات في تل أبيب على التغييرات القضائية (غيتي)
احتجاجات في تل أبيب على التغييرات القضائية (غيتي)


اتخذت حالة الاستقطاب المتصاعدة في إسرائيل منعطفاً غير معهود منذ إنشاء دولة الاحتلال العام 1948، باختراق الاستقطاب جدران المؤسسة العسكرية. ففي خضم الاحتجاجات التي تشهدها الدولة العبرية رفضاً لـ"خطة الإصلاح القضائي" التي تحاول الحكومة الإسرائيلية اليمينية تمريرها لتقزيم دور القضاء وتوسيع سطوة السلطة التنفيذية، قرر 37 طياراً عسكرياً رفض المشاركة في التدريب الجوي الذي كان مقرراً الأربعاء، احتجاجاً على الخطة المذكورة، من منطلق أنها تهدد جوهر الدولة وفلسفة نشوئها!

واعتبرت محطات التلفزيون العبرية في نشراتها الإخبارية، اعتكاف الطيارين عن التدريب، إثباتاً بأن ظاهرة التخلف عن الخدمة العسكرية تصاعدت ولم تعد إعلامية أو "رمزية"، بقدر ما باتت تُترجم على أرض الواقع، وهو ما اعتبره المحلل العسكري الإسرائيلي، إيال عاليما، في إفادته للتلفزيون العبري أمراً مقلقاً للدوائر العسكرية، خصوصاً أن الجيش يعتمد جوهرياً على قوات الاحتياط وليس فقط النخبة في تنفيذ عملياته العسكرية وتحقيق ما يعرف بـ"الحماية الوجودية لإسرائيل".

وفي أحدث تطور، بعثت مجموعة من أطباء يخدمون في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، رسالة إلى رئيس أركان الجيش، حذروا فيها من أن عدم وقف الجهود الرامية إلى وقف التغييرات القضائية سيؤدي إلى إصرارهم على رفض الخدمة العسكرية.


"خط أحمر"!

هذه هي المرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية التي يرفض فيها عدد كبير من الأفراد أداء الخدمة العسكرية لسبب ما. ولطالما كانت هذه الحالة هامشية وفردية منذ نشوء إسرائيل، بعكس صورتها الجماعية التي اعتبرتها أقلام إسرائيلية "تهديداً حقيقياً لكيان الجيش".

بالتالي هو تهديد وجودي لإسرائيل، بمنظور العسكر والسياسيين، ما فسر تدخل وزير الجيش الإسرائيلي، يوآف غالانت، ورئيس الأركان هارتسي هاليفي، بنفسيهما، لمنع توسع الظاهرة "الخطيرة"، ودلل على "حساسية الأمر". وشرع المسؤولان البارزان في إجراء لقاءات مع ضباط في خدمة الإحتياط لإبلاغهم أن الخطوة "خط أحمر" بعد ساعات من وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الظاهرة بـ"التهديد لأساسنا الوجودي".

وخاطب غالانت الطيارين العسكريين في الاحتياط: "مطالبكم سُمعت ووصلت. الآن أوقفوا الاحتجاجات، هناك خطوط يجب عدم تجاوزها".


منع تمدد الظاهرة

وبدا الإعلام العبري، حتى المعارض لسياسات الحكومة اليمينية، متفقاً مع توصيف نتنياهو، عبر تداوله تأكيدات من الدوائر العسكرية لحديث نتنياهو، اعتبرت أن الأخير لم يبالغ في ما حذّر منه، ما دفعهم إلى "دق ناقوس الخطر" نتيجة الخشية من توسع حالة الاستنكاف عن الخدمة، مروراً بالخوف من حدوث انقسامات في الجيش الذي لطالما نُظر إليه في دولة الاحتلال بـ"قدسية" بعيدة من الانتقادات والانقسامات السياسية والأيدولوجية والعرقية طيلة سنوات مضت.

وفي محاولة لمنع تمدد الظاهرة، خرج نتنياهو في مؤتمر صحافي ليقول: "لا نريد للفكرة أن تحدث وتتكرر في أي مكان وزمان، لا في الجيش النظامي ولا الاحتياطي، ولا عموم المؤسسة الأمنية". لكن القناة العبرية "12" اعتبرت أن المساعي للجم حالة رفض الخدمة في سياق احتجاجي، لن تنجح في حال مرت التعديلات القانونية بشأن الجهاز القضائي، وهو ما نُقل عن رئيس الأركان هارتسي هيليفي.

كما أشار ضباط كبار في رئاسة هيئة الأركان إلى أنه "في حال تمرير القانون بالقراءتين الثانية والثالثة، فإن ما ترونه اليوم لا شيء".

وتحت عنوان "تمرد ضباط احتياط؟"، التقت محطات تلفزيونية إسرائيلية ضباط الاحتياط، قالوا أن استنكافهم جاء كردّ فعل احتجاجي ضد أي تغيير في شكل "إسرائيل التي اعتادوا عليها"، وهو ليس حالة تدل على حصول متغيرات خطيرة في "العقيدة القتالية للجيش"، حسب تعبيرهم، علماً أن ضباط وجنود الاحتياط انضموا للاحتجاجات في الشوارع رفضاً لخطة "الإصلاح القضائي" التي تمنع المحكمة العليا من إلغاء أي قوانين يدفع بها اليمين المتطرف.

وحاول بعض ضباط الاحتياط طمأنة الإعلام العبري بأنه في حال وجد وضع أمني خطير فإنهم سيشاركون ولن يمتنعوا عن الخدمة، وأن خطوتهم تهدف إلى استخدام كافة الأدوات لمواجهة "خطة" يعتبرونها مقدمة لتغيير جذري في "سيستم إسرائيل"، بدعوى أنهم يخدمون فكرة أن "إسرائيل ديموقراطية"، مع الإشارة إلى أن الديموقراطية التي يتحدثون عنها تلك التي تضمن توحيد الإسرائيليين في وجه الفلسطينيين والعرب، من بوابة ديموقراطية ضامنة بتفوق عنصرية الاحتلال وإدامة استعماره لأرض فلسطين.


هاجس "نهاية إسرائيل"

الإعلام العبري حاول أيضاً تتبع ما يقوله "أعداء" إسرائيل عن التطورات، فسلطت صحيفة "هآرتس" الضوء على تعليق نطق به أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، في خطابه الأخير، اعتبر فيه "أن الانقلاب القضائي علامة أخرى على موت إسرائيل الوشيك".

ما قاله نصر الله بدا دافعاً لإسرائيليين كثر للانخراط في المظاهرات الغاضبة، حتى المحسوبين على جهات يمينية، بفعل هاجس يراودهم بشأن "الخطر الوجودي على إسرائيل إذا ما تغير شكلها نتيجة قوانين اليمين المتطرف"، متسائلين: "هل اقتربت النهاية بسبب ذلك؟ هل تحدث انقسامات عمودية وأفقية في المجتمع الإسرائيلي تقود إلى التفكك والتلاشي؟". وهي تساؤلات أثارتها أيضاً، بقوة، مقالات بحثية واستراتيجية إسرائيلية مؤخراً.

الاحتجاج لم يقتصر على الاحتياط بل سبق أن طاول شركات التكنولوجيا الفائقة، حتى الأمنية منها، من منطلق أن "التغييرات في دور الجهاز القضائي" ستكون لها تداعيات خطيرة على "الإنجازات الكبيرة" في العقود الثلاثة الأخيرة. وشاركت نحو 130 شركة إسرائيلية ورجال أعمال في مجال التكنولوجيا في التظاهرات المناهضة للخطة، بدعوى أنها تشكل ضرراً على الاستثمارات الإسرائيلية والأجنبية في هذا القطاع.

ما يحصل في إسرائيل منذ شهرين خرج صداه إلى العالم، خصوصاً الولايات المتحدة، وهو ما تجلى بتحذير الرئيس الأميركي جو بايدن من مخاطر على إسرائيل إذا ما تم تطبيق "التغييرات القضائية"، مشدداً على عدم إمكانية بحث بلاده للملف الإيراني مع تل أبيب بالعمق المطلوب طالما تعاني تل أبيب "حالة غير مستقرة داخلياً".

تعليقات: