تمويل دولي للمزارعين: اقتصاد أخضر بليطاني ملوَّث!

أي زراعات تُشَجَّع على مجرى نهر الليطاني ستكون زراعات ملوثة (علي علوش)
أي زراعات تُشَجَّع على مجرى نهر الليطاني ستكون زراعات ملوثة (علي علوش)


ينزلق المزيد من اللبنانيين والنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين إلى معدّلات متدنّية على مؤشّرات الفقر والأمن الغذائي والصحي. ويفاقم التغيُّر المناخي والصراعات الدولية الأزمة على مستوى عالمي، فيما تضغط الأزمة الاقتصادية والنقدية الداخلية على اللبنانيين والنازحين واللاجئين. وإذا كانت الزراعة ملجأً للبعض لتأمين قوتهم وخفض مستوى الخطر الغذائي، فإن تلوّث البيئة والمياه، وارتفاع تكاليف المواد الأولية وغياب أسواق التصريف وانهيار قيمة الليرة، تجعل الأفق مسدوداً، رغم بعض المحاولات لدعم المزارعين في المجتمعات المحلية وحماية البيئة المحيطة، ومنها مصادر المياه لتأمين ريّ نظيف للمزروعات. على أن استقالة الدولة من مسؤولياتها على مدى عقود، جَعَلَ تلك المحاولات شبه عقيمة.


الريّ بمياه ملوّثة

تُعتَبَر الموارد الطبيعية مواردَ اقتصادية لدخولها في عملية الإنتاج، ويستوجب ذلك حمايتها وتطويرها. فحماية التربة والمياه عاملان أساسيان في تأمين زراعة محمية. لكن في ظل انتشار مكبّات النفايات العشوائية في المناطق الزراعية، وصولاً إلى حد اقتلاع البساتين وحفر التربة ورمي النفايات ثم طمرها والزراعة فوقها أو في محيطها، لم يعد مجدياً الحديث عن تربة نظيفة. ليأتي العامل الثاني وهو تلوث المياه، والذي يشكّل نهر الليطاني أحد أبرز الأمثلة عليه. فالأراضي الزراعية على طول النهر الممتد من البقاع إلى الجنوب، تُروى بمياهه الملوثة. علماً أن مصلحة مياه الليطاني، أنشأت في العام 1945 لاستثمار الموارد المائية للنهر، بهدف تنمية المناطق الريفية في مجالات الطاقة والكهرباء والريّ. وبعد نحو 80 عاماً على تأسيسها لا تزال الخطط الرسمية لمواكبة هدف التأسيس، غائبة، فضلاً عن عدم وجود "مبادرات لدعم إنتاج الطاقة النظيفة ودعم مشاريع الريّ، فيما يُقَدَّم الدعم والقروض لمشاريع تشجيع المزارعين على شراء الأسمدة الكيماوية والمبيدات الزراعية السامة"، وفق ما يقوله المدير العام للمصلحة سامي علوية، الذي يشير إلى أن مصلحة مياه الليطاني "باشرت بمراعاة حماية الأراضي الزراعية، بموجب كتب وجّهت إلى التنظيم المدني والوزارات والإدارات المعنية على نحو يشمل الأراضي الزراعية التي تخدمها مشاريع الري التابعة لها في محافظات البقاع ولبنان الجنوبي".

ليس تلوث النهر وحده ما يهدد المزروعات، بل العجز المائي المرتبط بشح المياه، والمستند بدوره إلى نتائج التغيُّر المناخي على معدّلات تساقط الأمطار. ولتدارك هذا الانعكاس على مستوى نهر الليطاني، وجّهت المصلحة بتاريخ 16/8/2022 كتاباً إلى وزارة الطاقة، طلبت بموجبه "الإسراع بإعداد المخطط التوجيهي للمياه وفقاً لأحكام قانون المياه رقم 192/2020، بالإضافة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لتدارك العجز المائي وفرض تدابير الوقاية لترشيد استخدام المياه في ظل الشح الحاصل والمتوقع. وفرض التدابير الضرورية لتأمين إدارة مستدامة للمياه، وإخضاع بعض فئات الاستخدامات للمياه إلى تدابير معينة قد تشمل التعليق المؤقت للحقوق المكتسبة على المياه أو تخفيض كميات المياه موضوع هذه الحقوق، وحظر بعض الاستعمالات غير الضرورية واعتبار تلبية الاحتياجات المائية المنزلية أولوية للسكان ومن ثم حاجات الريّ دون سائر الحاجات والاستخدامات".


دعم المزارعين

هَجَرَ الكثير من المزارعين أراضيهم وما عادوا قادرين على الإنتاج بمعدّلات كافية لإبقائهم في هذا القطاع. ومع ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً ودخول لبنان دائرة الخطر الغذائي المشار إليه في التقارير الدولية، ومنها تقرير برنامج الأغذية العالمية ومنظمة الفاو الصادر في العام الماضي، والمحذّر من انعدام الأمن الغذائي في 20 دولة منها لبنان وسوريا واليمن والسودان. ويسمّي التقرير هذه البلدان بـ"بؤر الجوع الساخنة"، في ظل ذلك، تسعى بعض الجهات إلى جذب المزارعين إلى أراضيهم عبر برامج دعم مموَّلة دولياً.

وفي هذا المسار، وقّعت مصلحة الليطاني والتجمع اللبناني للبيئة، جمعية حماية الطبيعة spnl وجمعية أمواج البيئة، اتفاقية تهدف إلى "تأسيس أطر تعاون فيما يخص اعتماد سياسة استثمار الأراضي الزراعية التابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني في الجنوب والبقاع، بالإضافة إلى دعم القطاع الزراعي وتفعيل "نظام الحِمى" في منطقة حوض نهر الليطاني. القيام بدراسات بهدف تحسين إدارة الموارد المائية المستخدمة للري، تنظيم الصيد البري والإنماء والإرشاد الزراعي من خلال توعية المزارعين. بالإضافة إلى حماية الثروة السمكية في حوض نهر الليطاني، وإعادة تعزيز الغطاء النباتي والحيواني وإعادة إحياء السياحة البيئية في منطقة حوض النهر".

كما ركزت الاتفاقية الموقّعة يوم الاثنين 28 شباط، على "ضرورة التعاون على دعم القطاع الزراعي وتأمين الحد الأدنى من الأمن الغذائي، تطوير المؤهلات والخبرات البيئية لدى المجتمع المحلي والبلديات، تحسين إدارة المياه والبيئة وتقديم الاستشارات اللازمة والعمل على إحياء التراث البيئي".


الاقتصاد الأخضر

الحديث عن دعم المزارعين وتطوير البيئة الزراعية المحيطة، يولِّد اقتصاداً أخضر قائماً على إنتاج زراعي عضوي نظيف. لكن هل يُكتَب له النجاح؟

لتحقيق الاقتصاد الأخضر ينبغي توفير عناصر أساسية هي المياه والتربة النظيفة وتأمين البذور والأسمدة العضوية والأدوية المكافحة للحشرات الضارة والأمراض التي قد تصيب المزروعات، بالإضافة إلى وجود أسواق التصريف وحماية الإنتاج النظيف من المنافسة المحلية الآتية من الزراعات غير العضوية والملوَّثة، والمنافسة الخارجية المتمثّلة بالاستيراد العشوائي لمنتجات لها بديل في السوق اللبناني.

وبالانطلاق من هذه الشروط، يرى رئيس جمعية المزارعين انطوان الحويِّك أن "أي زراعات تُشَجَّع على مجرى نهر الليطاني، ستكون زراعات ملوثة. ولا طائل من الأفكار المطروحة لتشجيع الاقتصاد الأخضر وحماية البيئة المحيطة، طالما أن أطول نهر في لبنان هو الأكثر تلوثاً، رغم صرف أكثر من 800 مليون دولار لتنظيفه".

وبما أن الشروط الأخرى ترتبط بقرارات سياسية وإجراءات مستدامة لا تُحَقَّق بشكل مفاجىء، يشير الحويِّك في حديث لـ"المدن"، إلى أن القطاع الزراعي "سيستمر بالتراجع، مع أن القطاع اليوم يعيش في أزمة وجودية لا يعالجها شعار كبير كالاقتصاد الأخضر وحماية البيئة، لأن الجذر الأساس للقطاع ما عاد موجوداً".

تحمل مبادرات الجمعيات الزراعية والبيئية حلولاً جزئية غير جذرية، وتستمد قوّتها من التمويل الدولي الذي يحاول تنفيذ برامج تحدّ من تأثير التغيّر المناخي والفساد في دول العالم النامي، إلاّ أن هذه المحاولات بنظر الحويِّك "مكياج لجسم مصاب بالسرطان".

تعليقات: