متاريس افتراضية جاهزة لتفجير الشارع اللبناني؟


يتجاوز مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها (فايسبوك – تويتر – انستغرام – تيك توك..) ما يفترض أنه نقد بناء ليجنحوا نحو حملات تحريضية ترفع راية إلغاء كل من يعارضهم الرأي، متلحفين بغطاء الدفاع عن الطائفة أو المذهب أو حتى الفريق السياسي الذي يؤيدون.

ففي بلد يتكون من 17 طائفة لم تجد السبيل، منذ الاستقلال العام 1943 وحتى يومنا هذا، للالتقاء والتوافق، تشكل الخلافات والتباينات التي تنعكس في خطابات الساسة اللبنانيين مادة لإشعال نارالخلاف افتراضياً.


جيوش إلكترونية

ويقول المتخصص في مواقع التواصل الاجتماعي عمر قصص لـ"المدن"، إن الجيوش الالكترونية التي تعبر عن نموذج مصغر لواقع مجتمعنا تتوزع على ثلاثة أنواع:

(1) جيش محايد يتبع الموجة الموجودة في مواقع التواصل، فإن كان الخطاب سياسياً تصعيدياً، كما هو الحال اليوم في الملف الرئاسي والحكومي، تكون لغة المواجهة هي سيدة الموقف والعكس صحيح.

(2) جيش متحزّب، يملكه كل فريق سياسي، ويعتبر أحد أدوات المواجهة الرئيسية اليوم افتراضياً من خلال اطلاق "هاشتاغ" ومحاولة ترويجه وجعله حديث الرأي العام الافتراضي، أو عبر الطلب من محازبيه ومناصريه الدخول الى أحد الحسابات المعارضة لتوجهه، وانتقاده.

(3) جيش الناشطين، وهم غير منظمين، لكنهم ينضوون ضمن حملة محددة الأهداف، كالمطالبة بتحريك ملف تحقيقات المرفأ عبر تأييد قرارات المحقق العدلي طارق البيطار ورفض قرارات مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات.

وأهمية هذه الجيوش وخطورتها أنها تسعى بشكل شبه يومي الى تقديم صورة المنهزم أو الخاسر الأكبر للطرف المستهدف.


أنت الخصم والحكم

انقطاع لغة الحوار أو عودة الدفء والتواصل بين معظم رواد مواقع التواصل، مردّه أن غالبية قادة ورؤساء الأحزاب الطائفية تلجأ الى لغة الترهيب والتحذير من الآخر، بحسب حديث الناشطة روبى حداد إلى "المدن"، وهو أمر يحصل منذ عشرات السنوات لكنه تطورمع بروز المتاريس الافتراضية.

وهنا يبرز أكثر من نموذج متبع. فمع تشكيل كل وزارة، تلجأ الأحزاب ومن خلفها الطوائف الى رفع راية الحقوق والتمثيل والمشاركة. فثنائي حزب الله–حركة أمل، متمسك بوزارة المال، كون هذا الملف تم الاتفاق عليه في الاجتماعات الجانبية لاتفاق الطائف الذي عقد في المملكة العربية السعودية العام 1989.

أما "التيار الوطني الحر"، فيتمسك بشعار المشاركة والميثاقية، والأول يُستخدم لعدم تجاوز كتلته، المكونة من 20 نائباً، في عملية اختيار رئيس للجمهورية. أما الشعار الثاني، فيُستخدم لرفض أي قرارات صادرة عن حكومة تصريف الأعمال التي يترأسها نجيب ميقاتي بحجّة غياب مكون أساسي عنها.

وهنا يلفت الصحافي والناشط، محمد غملوش، الى أن تنافس الأحزاب في ما بينها أمر طبيعي، ويفترض أن يؤدي إلى انتاجية يستفيد منها البلد ككل، لكن لبنان يقع في قبضة حزب طائفي – مليشياوي.

ويضيف غملوش لـ"المدن": "مصلحة القادة السياسيين تقضي بخلق عدم استقرار سياسي مستمر، فمن خلال هذه المعادلة تبعد الأحزاب مؤيديها عن فكرة الوطن الواحد لتُخضع جمهورها لتوجهاتها فقط.


ميني حرب أهلية

ويعيش اللبنانيون اليوم أنواعاً مختلفة من الحروب، صحيح أنها افتراضية في كثير من الأوقات لكن مفاعيلها الفعلية حاضرة في تحركات كثيرة يشهدها الشارع الذي يغلي حالياً لأكثر من سبب.

متاريس اليوم لا تحددها جغرافيا، فالعالم الافتراضي كفيل بجمع كل الأضداد تحت سقف منصة واحدة أو ضمن مساحة مشتركة. الملف المعيشي، على سبيل المثال لا الحصر، يطاول سعر ربطة الخبز، وانقطاع الأدوية وحليب الأطفال من الصيدليات، وارتفاع سعر صفيحة البنزين، إضافة الى الانهيار الكبير الذي تعانيه الليرة اللبنانية أمام الدولار، والذي وصل الى حدود 60 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، بعدما كانت 1500 ليرة مقابل الدولار مع بداية العام 2019.

هذه الملفات كلها غير كفيلة بتحريك الغضب الذي يعبّر عنه الناشطون والمواطنون عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، لتحريك الشارع والضغط على السلطات السياسية للبحث عن حلول بعدما تمسكت بالسلطة لعقود وأمعنت في الفساد وسوء الإدارة. لكن أي ملف قد يعتبره البعض يطاول جزءاً من أهالي هذه الطائفة أو هذا المذهب، فتقوم الدنيا ولا تقعد حتى يصل الأمر الى الاعتداء المباشر عبر مجهولين على مؤسستين اعلاميتين (الجديد وLBCI)، غير آبهين بالسلامة الجسدية لعشرات العمال في هاتين المؤسستين.

وكي لا تُحصر الأمثلة في الملفات المعيشية والطائفية، وبنظرة صغيرة على التطورات التي تلاحق الجسم القضائي ومستجدات ملف التحقيقات في ملف انفجار المرفأ، يمكن رؤية التضامن الكبير لرواد مواقع التواصل مع أهالي ضحايا انفجار 4 آب، من دون أن يُترجم هذا التضامن الافتراضي على الأرض من خلال التحركات التي يقوم بها الأهالي، إن كانت أمام قصر عدل بيروت أو منازل القضاة الذين يتهمونهم بعرقلة سير ملف التحقيقات.

وفي هذا الإطار، يقول الأستاذ الجامعي والمتخصص في مواقع التواصل الاجتماعي، داوود ابراهيم لـ"المدن"، أن الحراك من أجل أي ملف، يتم بناء على نوع التحشيد ضمن ما يُعرف بدعوات المناصرة لقضية معينة، وهنا يصبح اللعب على الغرائز أسهل على الأحزاب السياسية والجهات الطائفية التي تملك قواعد شعبية واسعة وحساسية عالية تجاه أي ملف يخصها.

ويضيف ابراهيم: "غالبية المكونات الاجتماعية، وضمن الواقع المأزوم الذي يعيشه الجميع حالياً، تتصرف في معالجتها لمعظم الملفات انطلاقاً من أنها أقليات، فتغلّب اللغة الطائفية والمذهبية على أي لغة ثانية".

ومع انتشار ما يعرف بالجيوش الالكترونية التي تعمل بشكل يومي للترويج للجهة التي تؤمن لها السيولة المالية، إن للثناء على أداء فريقها السياسي أو الطائفي، أو للهجوم على كل من يعاديه او يخاصمه، لا بد من تأسيس إطار بشري مضاد يعمل على مواجهة لغة الكراهية، إضافة الى سن قوانين تلجم كل من يسعى الى تأجيج الشارع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن إصلاح المجتمعات لا يكون ممكناً من دون نظام وقانون يعملان على نشر ثقافة تقبل الآخر.

تعليقات: