فضيحة التربية: التابليت لم تُوزَّع.. وبطاريات الطاقة الشمسية تنفجر!

لم يحصل الطلاب على ستين ألف لوح ذكي للتعلم من بعد وفقدت حداثتها (علي علّوش)
لم يحصل الطلاب على ستين ألف لوح ذكي للتعلم من بعد وفقدت حداثتها (علي علّوش)


رغم مرور أكثر من شهرين على تسلم وزارة التربية الهبة العينية من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، ما زالت الألواح الذكية (التابليت) ممتنعة عن الوصول إلى طلاب المدارس الرسمية، وكذلك ألواح الطاقة الشمسية لعدد من المدارس الرسمية.

حرم ستون ألف طالب بالتعليم الرسمي من متابعة دروسهم من بعد، في العام 2021، بسبب الأخذ والرد بين الجانب الألماني وبعض المسؤولين في وزارة التربية. لكن ورغم تسلم الوزارة كامل الهبة منذ أكثر من شهرين، ما زالت الألواح الذكية ومعدات الطاقة الشمسية في المستودعات. وخسر لبنان أكثر من نصف قيمة هذه الهبة إلى حد اليوم. فالألواح الذكية المتطورة باتت قديمة، وبطاريات شحن الطاقة الشمسية فقدت نصف عمرها الافتراضي.

تعديل الهبة

في التفاصيل، بتاريخ 30 كانون الأول 2020 قبلت الحكومة اللبنانية الهبة العينية بقيمة 2.5 مليون يورو بمرسوم رقم 7291 نشر في الجريدة الرسمية، وذلك في إطار مشروع "إدارة مستدامة للمنشآت المدرسية الرسمية"، الذي تنفذّه الوكالة الألمانية في الفترة الممتدة بين 1/9/2019 و31/12/2021، وأعفيت من الضريبة على القيمة المضافة ومن الرسوم الجمركية كافة. ثم عدلت المادة الأولى من المرسوم بتاريخ 21 آذار 2021، ورفعت قيمة الهبة إلى 18 مليون يورو، ومدد المشروع من 1/9/2019 لغاية 31/8/2023.

الهدف من رفع قيمة الهبة كان مساعدة طلاب لبنان على متابعة دروسهم من بعد، من خلال تأمين ستين ألف لوح ذكي (تابليت)، إضافة إلى تجهيز بعض المدارس بتقنيات الطاقة ومعدات أخرى. وذلك بغية تحسين القدرات التقنية للمدارس العامة من أجل استخدام الوسائل الرقمية والتعلم من بعد، كما جاء في الإعلانات التي نشرها الجانب الألماني في ألمانيا. وتم انتقاء ألواح ذكية ماركة لونوفو (Lenovo Tab M10 HD 2ND GENERATION) من الجيل الثاني، كان ثمن الواحد منه نحو 210 دولارات بمبلغ كلي يفوق 12 مليون دولار حينها، لستين ألف لوح. إضافة إلى مئات ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات لتخزين الطاقة.

تعديل مواصفات الألواح

وبدا أن الجهة المانحة لا تثق بالدولة اللبنانية كي تقدم على شراء تلك الألواح من ألمانيا، وإلا كانت المنحة بقيت مالية لشراء الألواح من الوكيل في لبنان مباشرة، كما حصل في الأردن، حيث تم شراء كمية مماثلة من تلك الألواح بتمويل من اليونيسف، ووزعت كلها لتعلم الطلاب من بعد. لكن عدم ثقة الممول بكيفية وضع دفاتر الشروط، التي يتم التلاعب بها لترسو على شركة بعينها، وغالباً ما تفح روائح الفساد من الإدارات في هذا الشأن، دفع المانح إلى شراء المعدات وجعل الهبة عينية.

لم يرق هذا الأمر لمسؤولين في وزارة التربية. وطلب أحد المسؤولين في قسم المعلوماتية تغيير مواصفات الألواح الذكية بذريعة أنها لا تعمل في لبنان، رغم أنها كانت من أحدث المواصفات حينها، ولم يمض على تاريخ صنع النسخة أكثر من سنة. وطالب بتزويد الألواح بلوحة مفاتيح منفصلة وجهاز تحكم (mouse) ومعدات أخرى، لتعقيد الصفقة بشروط غير متفق عليها. لكن الدفعة الأولى من البضائع (نحو 30 ألف لوح ذكي وألواح الطاقة والبطاريات) وصلت إلى لبنان في نهاية العام 2021، وكلفت وزارة التربية لجنة استلام مؤلفة من خمسة أشخاص أساسيين وغيرهم. وهم بالتفصيل: شخصان من مكتب مدير عام التربية (مسؤولة لجنة الاستلام ومساعدة) شخص من وحدة المعلوماتية وشخص من جهاز الارشاد والتوجيه وشخص من قسم الهندسة لاستلام بضائع الطاقة الشمسية. ولم يكن لهذه اللجنة أي دور غير تقني. بمعنى أنه لم يكن أحد منهم يعلم تفاصيل التفاوض مع الجهة المانحة ولا كيف تغيرت المواصفات المطلوبة.

ذرائع جديدة

كشفت اللجنة على البضائع في مستودع في الكرنتينا وفي روميه في مطلع العام 2022، ولم تستلم البضائع، ورفعت تقريراً إلى المدير العام السابق فادي يرق حول أسباب عدم الاستلام، لتعذر عدها. تغير المدير العام للتربية في شهر شباط من ذاك العام، ولم يتغير أي شيء بمصير الهبة. افتضح الأمر في نهاية العام 2022. وكانت ذريعة عدم استلامها وتوزيعها على الطلاب، تأخر تسليم كامل الهبة من الجانب الألماني. وبالنتيجة لم يحصل الطلاب على تلك الألواح التي فقدت حداثتها، ولا المدارس الرسمية استفادت من الطاقة الشمسية. حتى أن بطاريات الطاقة فقدت أكثر من نصف عمرها الافتراضي في المستودعات. كما حصل خطأ تقني من خلال تشريجها في مستودع روميه، أدى إلى انفجار بعض البطاريات وحضر فريق تقني ألماني لفحصها.

بعد وصول الهبة تسلمت وزارة التربية في نهاية العام الماضي البضائع. لكن الاستلام كان ليس على القطعة، بل تقرر استلام البضائع كلها كدفعة واحدة، أي استلام محتويات الهبة من دون عدها بالقطعة. وبالتالي، يتولى الجانب الألماني تسليم الألواح الذكية ومستلزمات الطاقة الشمسية للمدارس، وبعدها تستلم الوزارة المحتويات عددياً عبر مدراء المدارس. لكن مرة جديدة تأخر تسليم البضائع للمدارس. والذريعة هذه المرة عدم توفر صناديق لشحن الألواح الذكية تكفي المدارس التي تقرر توزيع الهبة عليها!!

فقد تقرر توزيع الألواح في مئة مدرسة، فيما عدد صناديق الشحن يصل إلى نحو أربعين صندوقاً فقط. ليس هذا فحسب، بل إن كل علبة شحن لا تتسع لأكثر من 40 لوحاً في الوقت عينه. أي أن المدرسة بحاجة لموظف لتغيير الالواح لشحنها تباعاً. وفي ظل الظروف الحالية والإضرابات، ستنتهي صلاحية هذه الألواح وبطاريات الطاقة، ويخسر لبنان قيمة كامل المنحة، وليس نصفها.

تعليقات: