التيار «يصنّع» المرشح الثالث: أزعور وبارود مع البطريركية والبستاني مع جنبلاط..


طرْح العونيين اسم مرشح رئاسي والتصويت له رهن الاتفاق عليه مع فريق آخر واحد على الأقل. لا يريد التيار الوطني الحر إضافة اسم جديد إلى قائمة المحروقين عبر ترشيح أحاديّ، وإنما الاتفاق مع أكبر عدد ممكن من القوى السياسية على مرشح لفرض أمر واقع جديد يطلق مساراً جدياً من النقاش، بالمفرق والجملة، في الداخل والخارج، يسمح بالوصول إلى حل تكون انتخابات الرئاسة إحدى محطاته

قبل نحو ستة أشهر من انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، كان قد بات واضحاً أن هناك كثيراً من الأسماء المتداولة لخلافته، فيما الواقع أن هناك اسمين جدّيين فقط هما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزف عون. ومكمن الجدية، بمعزل عن حظوظ كل منهما، في وجود دعم داخليّ وخارجيّ وازن لكل منهما. وإذا كان بعض من يُسمّون بـ«النواب التغييريين» قد بدأوا لعبة إحراق الأسماء تحت عنوان طرح مرشح ثالث، آثر التيار الوطني الحر تكثيف حركته في كل الاتجاهات بحثاً عن شريك ثان وثالث في تبني مرشح يتجاوز حاجز الحرق ويدخل ملعب المرشحين الجديين.

حسابياً، كان التفكير الضمني كالتالي: ينطلق كل من فرنجية وعون من أكثر من أربعين صوتاً، فيما ينطلق أي مرشح يدعمه التيار وحده من 16 صوتاً فقط. وهي المعادلة التي تكرس شرعية كل من فرنجية وعون على حساب مرشح التيار. لذلك تم التغاضي بسرعة عن فكرة المرشح العوني، وبدأ البحث عن أسماء يتقاطع التيار عندها مع أفرقاء آخرين: معراب أقفلت كل الأبواب والنوافذ والمنافذ وخطوط الاتصال التقليدية حتى أمام النائب إبراهيم كنعان، في الضاحية قيل كلام واضح لإقفال باب البحث في الخيار الثالث تحديداً، وإذا كان رئيس التيار قد فهم من نقاشات جانبية خلال إحدى زياراته للدوحة بأن الرئيس نبيه بري مستعد للبحث في الخيار الثالث، فإن زيارته العاجلة لعين التينة أكدت رفض رئيس المجلس البحث في خيار ثالث. أما اللقاءات الداخلية الكثيرة والخارجية مع قوى صغيرة ومتوسطة وكبيرة، سواء تلك التي يجريها باسيل أو نواب تكتله مع زملاء لهم أو الرئيس ميشال عون، فكان جوها إيجابيّاً جداً. وبدا في كثير من اللقاءات أن خيار المرشح الثالث وارد جداً.

مع البطريركية المارونية، تبين بسرعة وجود مجموعة أشخاص يمكن أن يتقاطع كل من التيار والبطريركية وقوى أخرى على دعمهم؛ وهم مقبولون من التيار والبطريركية من دون أن يكونوا مرشحيهما. والفرق كبير بين من يُرشح ومن يقبل بمرشح. أول هؤلاء مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، وثانيهما وزير الداخلية السابق زياد بارود، مع أسماء أخرى كثيرة. يستمد طرح الأول زخمه من موقعه في صندوق النقد في هذه اللحظة اللبنانية الاقتصادية الحرجة، ومن وراثته منهج خاله النائب الراحل جان عبيد في مدّ الجسور الإيجابية في كل الاتجاهات الداخلية والاقتصادية، كما أنه كان واضحاً وصريحاً في لقائه مع حزب الله، من دون تملق أو خجل أو أكاذيب. وهو إذا كان قريباً من الصرح البطريركيّ ومن المفضّلين لديه، فإنه من المقبولين من رئيس التيار جبران باسيل أيضاً. كذلك يمكن لطرح بارود أن يجد بعد البطريركية والتيار وبعض النواب «التغييريين»، احتضاناً فرنسياً - إماراتياً، وهذا ما يؤمّن لكل من المرشحَين ما مجموعه نحو أربعين نائباً على غرار كل من عون وفرنجية.

مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، تبين وجود احتمال تقاطع رئيسي مبنيّ على فشل التيار في التأقلم أو الانسجام أو الانصهار في ما كان يُعرف بقوى 8 آذار، تماماً كما لم يتأقلم الحزب التقدمي أو ينسجم أو ينصهر في ما كان يُعرف بقوى 14 آذار. لا التيار يرتاح اليوم مع توجهات فريقه المفترض في ما يخص الاستحقاق الرئاسي، ولا الحزب الاشتراكي مرتاح لتوجهات ما كان يوصف بقوى 14 آذار في ما يخص الاستحقاق نفسه. مع الأخذ في الاعتبار الحلف الاستراتيجي التاريخي بين جنبلاط وبري، وحسم الأول أمره لجهة عدم انتخاب رئيس لا يحظى بموافقة معلنة من السعودية. عند البحث في الشخص المناسب لا بدّ من العودة إلى نقطة الانطلاق: ليس الشخص المناسب للتيار، إنما الشخص المناسب لاجتماع عدة أفرقاء حوله، على نحوٍّ يحوله إلى مرشح جدي. وهنا ذُكرت أسماء كثيرة (كالوزير السابق ناجي البستاني) تتمتع بعلاقة جيدة مع كل من جنبلاط والرئيس عون، قبل أن يتركز النقاش الذي لم يصل إلى خواتيمه بعد على اسم رئيس مجلس إدارة المؤسسة اللبنانية للإرسال بيار الضاهر. حسابياً أيضاً، يمكن للضاهر الانطلاق من كتلتي التيار والتقدمي، وكتلة مقبولة عددياً من «التغييريين» ليفتح باب النقاش الجدي في المرشح الثالث.

علماً أن علاقة هؤلاء مع التيار، بالمفرّق، قطعت مراحل متقدمة جداً نحو إيجاد قواسم مشتركة، من اللجان النيابية مروراً بالعلاقات الشخصية المستجدة إلى مقاربة الاستحقاق الرئاسي. لكن تعبير هؤلاء كمجموعة عن ذلك دونه صعوبات. ومقابل حفاظ التيار على العلاقة القديمة مع نواب تكتل فرنجية نفسه، كوليم طوق وميشال المر، فإن العلاقة مع النائب فريد هيكل الخازن أكثر من مجرد إيجابية، مع إدراك باسيل بأن الخازن لن يتعامل مع نفسه كمرشح رئاسي من دون إشارة واضحة من فرنجية، وهو مع ذلك «احتمال وارد» يدرس باسيل كلماته بدقة معه حتى لا يساء تفسيرها.


في جعبة باسيل لحزب الله أكثر من اقتراح أهمها شخصية سياسية لها تاريخ سياسي مع الحزب


أما مع حزب الله، فينتظر باسيل عودة الاتصال الذي ما زال مقطوعاً بالكامل، وفتح الأبواب المغلقة ربما في ما يخص المرشح الثالث تحديداً ليقدم اقتراحاته، إذ لا يمكن أن يجد باسيل كل هذه الأسماء المشتركة مع البطريركية والاشتراكي و«التغييريين»، ولا تكون هناك أسماء مشتركة مع الحزب. وفي جعبة باسيل أكثر من اقتراح، أهمها شخصية سياسية لها تاريخ سياسي مع الحزب من جهة وتتقاطع مع التيار في الهواجس الاقتصادية وكيفية مقاربة الأزمة من جهة أخرى. وإذا كان بعض الحزب يتعامل بازدراء مع كثير من الأسماء المتداولة أو بتشكيك سياسيّ، فإن كل الحزب ينظر باحترام إلى هذه الشخصية التي يمكن أن تنال بركة الصرح البطريركيّ أيضاً، من دون أن تمثل استفزازاً لأي طرف داخليّ أو خارجيّ.

وعليه فإن أربعة أسماء (ثلاثة معلنة والرابع سيُعلن بموجب النقاش مع الفريق المعنيّ فيه كما حصل مع الأفرقاء الآخرين) مرشحة لأن يخرج من صفوفها المرشح الثالث المنشود، المقبول من التيار وليس مرشح التيار، ليدخل نادي المرشحين الجديين، من دون أن يعني ذلك أنه سيكون الرئيس المنشود. لكنه سيفتح الباب أمام تطور النقاش لإنتاج رئيس، بعدما بات واضحاً أن ثنائي عون – فرنجية يراوح مكانه، من دون أن يتمكن أيّ منهما من تأمين تأييد ثلث عدد النواب فكيف الحال مع الثلثين، وفي ظل برودة واضحة من المعنيين الرئيسيين بهذين المرشحين في الجهتين.

تعليقات: