عون يكرّس زعامته جنوباً: إبقوا في أرضكم

عون خلال جولته الجنوبية أمس
عون خلال جولته الجنوبية أمس


على طول الطريق، من صور التفافاً حتى جزين، رشَّ الجنوبيّون الفلّ على عماد أبدعوا في إطلاق الصفات عليه من عماد التحرير إلى عماد العمالقة، مروراً بعماد الحرية وعماد الانتصار وعماد التغيير. واللقاء شعبياً واحتفالياً في مشهده مساءً يكاد يكون غير مسبوق شعبياً

هناك الناس البسطاء، وصور الشهداء، والأناشيد الحزبيّة، والأيادي الممشوقة تلوّح بحماسة. وهناك الرجل ـــــ العماد يحجّ من مكان إلى آخر، ومعه الصفات، والورود والأرز، ودموع التقدير.

من قانا إلى رميش، فبنت جبيل ثم جزين، مروراً بالشريط الحدودي، كان العماد الجنوبي يزمّ شفتيه، يمسك دموعاً كثيرة، ويحاول قدر استطاعته التزام الصمت.

هو يحاول أن يتذكر طرقات وتلالاً وأشجاراً ومنازل وفرّانين وباعة خضر وحواجز وصوراً كثيرة تستدعي كل واحدة منها مقارنة بما هي عليه الحال اليوم، وتأملاً لا يسمح له بالتمادي.

العنوان: عودة رجل سبعيني إلى منطقته بعد غياب 33 سنة، بعيداً عن السياسة، ثمة بعد إنساني لعودة الإنسان إلى الأرض التي ولد وترعرع فيها.

هي عودة عسكري إلى منطقة خدم فيها 12 سنة، تنقّل من نقطة إلى أخرى، سمع الشكاوى، تدخّل عند الأهالي، صادقهم وصادقوه، ذاق التراب، تناغم مع الذهنيّة، وصار واحداً منهم. وهنا، بعيداً عن السياسة أيضاً، هي عودة عسكريّ إلى الجنوب ـــــ رائحة المعركة الدائمة. وهي في هذا السياق، بحسب أحد أصدقائه، عودة عسكري إلى أرضه حرة سيدة مستقلة وقد عرفها محتلّة. ويطول الكلام عن لذة الشعور برؤية الناس على طول الشريط الحدودي مفعمين بالثقة بالنفس، وباطمئنانهم إلى أن «جبروت الإسرائيلي الوقح» باتت من الماضي.

وفي الأساس، هي زيارة تركيز دعامة وتتويج عامين ونصف من التفاهم مع حزب الله، وتؤكد شراكة عون في انتصار تموز وتحوّله رمزاً شعبياً عند الطائفة الشيعيّة كما المسيحيّة. وتشير الزيارة بوضوح إلى الأهمية التي يوليها عون لتعزيز الحضور المسيحي، لا في جبل لبنان فقط أو في إدارات الدولة بل في كل ميادين العمل وفي كل المناطق حتى البعيدة البعيدة، حيث نسبة المسيحيين صغيرة جداً.

هكذا، كانت زيارة عون أمس إلى الجنوب بعد غياب 33 عاماً مزيجاً من الشخصي، والمسيحي الخاص، والوطني العام. وفي كل محطة منها، اختلطت المشاعر والصور، وبدا العماد ـــــ القابض على مشاعره، صانع عجائب، مرة يحوّل مواساة الناس في قانا مقدمة لمستقبل حر، ومرّة يبلسم جراح الرميشيين.

■ قبالة الإرهاب الإسرائيلي

المدخل إلى الجنوب، كما كان المدخل عام 2005 إلى بيروت يبدأ عبر التوقف عند الجندي المجهول أولاً. وهو في الجنوب قانا، بلدة مجزرتي 1996 و2006، الشاهدة، وفق الأهالي على أن إسرائيل أمّ الإرهاب:

تجتمع سبع نسوة منذ الثامنة والنصف صباحاً، يروين وسط شواهد ضحايا قانا الثانية، وصور المسنين والأطفال الذين قتلوا، ماذا حصل. ويخبرن عن قيمة الزيارة التي هي في محصلة كلامهنّ، لفتة حنونة من رجل نثق به وتشعرنا عيناه بالطمأنينة. وإضافة من إحداهن: الزيارة تمسح دمعنا وتخفف قسوة ما سمعناه ونسمعه من سياسيين كثيرين يسيئون إلى تضحياتنا.

ووسط بلبلة المحتشدين نتيجة التمويه الأمني، وعدم توضيح إن كان عون سيزور أضرحة شهداء المجزرة الأولى بداية أو الثانية، يصل مسؤول منطقة الجنوب في حزب الله الشيخ نبيل قاووق، طالباً من المتسائلين عن موعد وصول «العماد الوطني» عدم التشكيك في مواعيد حزب الله وانتظار التاسعة والنصف. وما هي إلا دقائق حتى ترسم عقارب الساعة موعد قاووق، ويصل عون ليدخل على وقع نشيد الحزن، تعزفه كشافة المهدي، ليجول بعينيه رغم الزحمة على صور الشهداء التي تحيط أضرحتهم، ويصل، محاطاً بمسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا والنائبين حسن حب الله وعبد المجيد صالح، إلى اللوحة التذكارية، ليتأمل دقيقتين ثم يقول: إن أقسى ما كُتب لقانا هو أن تسير مرتين في مأتم أحفادها وأولادها، إذ افتدى الصغار الكبار بدل أن يفتدي الكبار الصغار.

■ عند فرنسوا الحاج

ومن قانا إلى رميش، البلدة المزار للشهيد فرنسوا الحاج: يحتشد الناس في باحة كنيسة البلدة منتظرين أول شخصيّة بهذا المستوى تخص بلدتهم بزيارة كهذه. وقد زيّنت الكنيسة بالصور واللافتات، أبرزها واحدة للعماد عون وللأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وأخرى لبلدية رميش ترحب فيها ببطل التحرير ورجل القرار والحرية والسيادة والاستقلال. أما الناس، فكانوا في عرس لقاء «توأم» فرنسوا، وقد حملت إحدى الفتيات لافتة تقول إن الجنوب يفخر بفخر الدين لبنان، فيما لم تتعب إحدى السيدات السبعينيات من الرقص قرابة ساعتين هاتفة باسم العماد. أما جارتها فوق الكرسي فكانت تردد أن الرميشيين أثبتوا عملاً لا قولاً فقط أنهم بالروح والدم يفدون عمادهم. وقد وصل عون قرابة الساعة الحادية عشرة ظهراً برفقة نائب رئيس مجلس الوزراء اللواء عصام أبو جمرة ووزير الاتصالات جبران باسيل والنائب نبيل نقولا، فتوجهوا مباشرة إلى حديقة الشهيد اللواء فرنسوا الحاج حيث وضع عون إكليلاً من الزهر على قبره، ثم انتقلوا إلى كنيسة التجلي ليشاركوا في القداس ويخرج بعدها عون ليثني على عظمة الحاج. ومن رميش إلى بلدة مارون الرّاس، حيث جال الجنرال على الحدود مع فلسطين، ثم التقى في أحد منازل البلدة عدداً من الضباط والمقاومين الذين شاركوا في مواجهات مارون الراس.

وفي هذا اللقاء استعاد عون موقع قائد الجيش فسمع من ضباط في اركان المقاومة شروحات حول ما حصل في المواجهات عام 2006 كما سمع تقديرا للوضع الميداني والعسكري على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، واتيح له التدقيق في مواقع العدو المنتشرة قبالة الحدود من احدى النقاط التي تعتبر من نقاط عمل المقاومة، وشاهد عددا كبيرا من مستوطنات العدو الى جانب قرى عربية، واطلع على بعض التفاصيل الخاصة بالمعركة.

■ في مثلّث الصمود

وقد تكرر المشهد نفسه في بنت جبيل، عند مثلث الصمود، مع فارق أن الناس هذه المرة ما كانوا يتطلعون إلى عون الضمانة المسيحية، بل إلى عون الضمانة الوطنيّة. وهكذا كان لقاء جمهور حزب الله وحركة أمل مع كل مسؤول عوني في مهنية بنت جبيل بمثابة عرس. احتفلوا بنائب رئيس مجلس الوزراء عصام أبو جمرة، وكادوا يحملون النائب نبيل نقولا. وكادوا ينفجرون ضيقاً من انتظارهم إطلالة عون الذي تأخر في الوصول إلى محطته الثالثة. لكن، كسراً لجليد الانتظار، بادر بداية أحد الرجال إلى الوقوف فجأة والتهديد صارخاً بإعطاء أبو جمرة «أنظف عالم» حقوقه وإلا فسيضطر إلى التصرف، ثم أبرز أحد المسنّين موهبته الشعرية غزلاً بعون ونصر الله، محذراً الحاسدين، الأمر الذي جمّل الأجواء. فيما كان أبو جمرة والنائبان علي بزي وحسن فضل الله يتناقلون كما دلت وجوههم أخباراً طريفة. ومع وصول عون على وقع الزغاريد الجنوبيّة، تحدث النائب علي بزي بداية باسم حركة أمل، ثم تبعه النائب حسن فضل الله مرحباً باسم حزب الله أيضاً بعون. ليتحدث بعدها عون، داعياً إلى العمل بجميع القوى الشعبية والمقاومة والعسكرية «لصنع استراتيجيتنا الدفاعية حتى تجهز الدولة العادلة القادرة». في الحالات المماثلة، يكون العماد عون كتوماً ولا يفصح عمّا يفكر به أو يحسه، لكن أحد أصدقائه الأقربين يقول إنه يعرف جيداً كيف يشعر عون عندما لا يهدأ البريق في عينيه، وعندما لا يتعب بعد تجوال 12 ساعة لم تهدأ خلالها حواسه، وعندما لا يشعر برغبة في المغادرة. هو غيره طبعاً العماد الذي يذيع مقررات تكتل التغيير والإصلاح يوم الاثنين، هو العماد الذي أثبت من قانا إلى جزين أن الكاريزما لا تتعلق بالخطابة بل بالشعور بما يشعره الناس.

تحذير من الرشى الانتخابية

المحطة الأخيرة للعماد ميشال عون في الجنوب كانت في جزين حيث ألقى كلمةً أكد فيها أنّ الفرحة لن تكتمل إلا بعودة اللبنانيين «الذين لجأوا إلى إسرائيل، إلى أرضهم قريباً»، مشدداً على أنّ هذه القضية حاضرة في خطاب قسم رئيس الجمهورية وورقة التفاهم بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله.

وخاطب عون أهالي جزين لافتاً إلى ضرورة تمسّكهم بأرضهم وعدم بيعها، إذ ثمة «كثير من سماسرة الأرض الذين يريدون شراءها لحل مشاكل الشرق الأوسط»، مضيفاً أنّ القرية «كانت أسيرة ضعف الدولة وألصقت زوراً بالشريط الحدودي».

وحذّر عون أهالي المنطقة من الرشى الانتخابية، مؤكداً أنه «لا يمكن أن نتعاون ولا يجوز لأي لبناني يعترف بهويته وحدوده أن يتعاون مع أشخاص لا يعترفون بهذه الحدود»، محذراً من أن «لبنان يواجه موجة لا تعترف بأحد منا وعلينا أن ننتبه منهم». وألقيت في الاحتفال كلمات لكلّ من رئيس لجنة جزين في التيار أنطوان سكاف، ورئيس بلدية جزين سعيد أبو عقل ومنسّق التيار في جزين زياد أسود، كما ألقى النائب الأول السابق لحزب الكتائب رشاد سلامة كلمة باسم اللقاء المسيحي.

عون خلال جولته الجنوبية أمس (حسن بحسون)
عون خلال جولته الجنوبية أمس (حسن بحسون)


تعليقات: