زوبعة تعاميم ضريبيّة تضرب العقارات والإرث والعقود وغيرها

تشوّه كبير تتسم به السياسة الضريبيّة (علي علوش)
تشوّه كبير تتسم به السياسة الضريبيّة (علي علوش)


منذ إقرار موازنة العام الحالي، تركّزت النقاشات حول أثرها على سعر الصرف المعتمد لاستيفاء الرسم الجمركي، وما سينتج عن ذلك من معدلات تضخّم إضافيّة في السوق. كما أثار قرار تعديل شطور الضريبة على الرواتب والأجور، وسعر الصرف المعتمد لاستيفائها إذا كانت مدولرة، مجموعة من السجالات حول طريقة تطبيق هذا الإجراء، رغم أهميّته من حيث المبدأ.

تسرّع القرارات وتشوّه السياسة الضريبيّة

لكن وبمعزل عن هذه الهواجس، التي باتت معروفة للجميع، أظهرت مجريات الأيّام الماضية أننا سنكون قريبًا أمام زوبعة أخرى من الإجراءات الضريبيّة المستجدة، التي ستطال معاملات الإرث والوصيّة والهبات والرسم النسبي، بالإضافة إلى ضرائب ورسوم الأملاك المبنيّة وعمليّات البيع والانتقال والتفرّغ العقاريّة.

الإشكاليّة الأساسيّة في هذه التعاميم ليست في الزيادة الكبيرة المتوقّعة في حجم الرسوم والضرائب الإضافيّة التي ستُفرض على المكلّفين، إذ أنّ التراجع الذي لحق بقيمة العملة المحليّة يفرض بشكل بديهي القيام بتصحيح ضريبي من هذا النوع. بل تكمن الإشكاليّة في الطريقة المتسرّعة وغير المدروسة التي جرى من خلالها إعادة تحديد أصول استيفاء هذه الضرائب، والتي تنذر بآثار عكسيّة خطيرة قد تحول دون تحقيق الأهداف المرجوّة من التعاميم. بل يمكن القول أن بعض هذه التعاميم سيساهم في تكريس التشوّه الكبير الذي تتسم به السياسة الضريبيّة منذ حصول الانهيار، بما يضرب مبدأ العدالة الضريبيّة أولًا، وبما يضر بأهداف العدالة الاجتماعيّة التي يجب أن تحققها السياسة الضريبيّة من جهة أخرى.


ضرائب الإرث والوصيّة والهبات والوقف

القرار رقم 683/1، الصادر عن وزارة الماليّة بتاريخ 23/11/2022، عالج مسألة "القيمة التخمينيّة لجميع الحقوق والأموال المنقولة وغير المنقولة التي تؤول إلى الغير عن طريق الإرث أو الوصيّة أو الهبة أو الوقف". بمعنى أوضح، سيحدد التعميم ابتداءً من تاريخ نشر الموازنة طريقة تقدير قيمة جميع الأملاك التي سيتم تناقلها بهذه الطرق (وأهمها الأرث والوصيّة)، بما فيها معاملات نقل الحسابات الماليّة والأصول العقاريّة، وهو ما سيحدد عمليًّا قيمة الضريبة التي سيتم اقتطاعها عند إجراء هذه المعاملات. مع الإشارة إلى أن السوق كانت تعتمد حتّى أمس القريب سعر الصرف الرسمي القديم لتقدير قيمة هذه الأصول وتسديد الضريبة، ما ألحق الكثير من الضرر بالميزانيّة العامّة.

باختصار، كان من الضروري إجراء هذا التصحيح، خصوصًا أن التغاضي عن القيام به خدم الفئة الأكثر اقتدارًا في المجتمع، أي أصحاب الحسابات الماليّة والمحافظ العقاريّة الكبيرة، على حساب الفئات الأقل امتلاكًا لهذا النوع من الأصول.

المشكلة الفعليّة كانت في مقاربة وزارة الماليّة لهذا الملف. فالتعميم مثلًا، نصّ على تقدير القيمة الحاليّة للحقوق المنتقلة بهذه الطرق بـ50% من قيمتها المخمّنة بالدولار الأميركي قبل 18 تشرين الأوّل 2019. بهذا المعنى، وبكبسة زر في الدوائر العقاريّة، وعند إجراء معاملات الإرث، سيتم تقدير حسم متساوي النسبة في قيمة جميع الأملاك العقاريّة في جميع الأراضي اللبنانيّة، بنحو نصف قيمتها السابقة، من دون أي اعتبار للتفاوت في نسبة الانخفاض في قيمة الموجودات بين المناطق المختلفة، وبين أنواع العقارات المختلفة (شقّة، أرض، صالة عرض، محل...إلخ). وهذه الطريقة العبثيّة في احتساب قيمة العقارات الحاليّة، ستؤدّي بشكل تلقائي إلى عبثيّة في تحديد رسم الانتقال عبر الإرث أو الوصيّة، والذي سيتم تحديده بحسب سعر المنصّة لاحقًا، وكنسبة من قيمة العقارات.

الإشكاليّة الأخرى في التعميم، تكمن في طريقة تحديد قيمة الحسابات الماليّة الموجودة في المصارف الأجنبيّة، والتي غالبًا ما يملكها المقتدرون ماليًّا. إذ ينص التعميم على تقدير قيمة هذه الحسابات بسعر صرف المنصّة، الذي يقل في الوقت الراهن بنحو 25% عن قيمة الدولار الفعليّة في السوق الموازية. بهذا المعنى، سيستفيد هؤلاء من حسم تلقائي بنسبة الربع، على القيمة المقدّرة للحسابات الماليّة التي يتم نقلها، قياسًا بقيمة الحسابات الفعليّة في السوق.


عقود الانتقال العقاريّة عن طريق البيع

كما هو معلوم، تستوفي الدولة رسومًا من معاملات البيع العقاريّة، وفقًا لقيمة العقارات موضوع عقد البيع. القرار 688/1 الذي صدر عن وزارة الماليّة بتاريخ 23/11/2022 يحدد آليّات احتساب قيمة العقارات المشمولة بعمليّات البيع، لغايات استيفاء الرسوم الضريبيّة.

لاحتساب ضريبة بيع العقارات غير المبنيّة، المحددة قيمتها بالدولار الأميركي في العقود، والتي تم بيعها بعد منتصف تشرين الثاني، سيتم اعتماد السعر الأعلى بين القيمة المحددة في عقد البيع والقيمة المخمّنة من قبل الدوائر العقاريّة. ثم سيتم اعتماد سعر المنصّة لتقدير المبلغ بالليرة اللبنانيّة، على أن يجري احتساب الرسم الضريبي كنسبة من هذا المبلغ. أما بالنسبة للعقود الموقّعة قبل منتصف تشرين الثاني، فسيتم احتساب قيمتها بحسب سعر المنصّة مقسومًا على إثنين.

وبخلاف حالة العقارات المنتقلة عبر الإرث أو الوصيّة، لم يحدد القرار معايير معيّنة لإعادة تخمين العقارات من قبل الدوائر العقاريّة، ما سيترك الباب مشرّعًا أمام الاستنسابيّة في تحديد قيمة العقارات، وبالتالي تحديد قيمة الرسم الضريبي. كما لم يكن مفهومًا سبب اعتماد تاريخ قاطع، هو منتصف تشرين الثاني، للتمييز في سعر الصرف المعتمد لاحتساب قيمة العقار، ومن ثم احتساب قيمة الرسم (سيؤدّي ذلك إلى مضاعفة قيمة الرسم بين عقدي بيع عقاريين لمجرّد وجود فارق بيوم واحد في تاريخ توقيع عقد البيع).

في جميع الحالات، بالنسبة إلى الأملاك المبنيّة (الشقق والمحلات والصالات والمستودعات وغيرها)، التي يتم تقدير قيمتها بالدولار الأميركي في عقود البيع قبل منتصف تشرين الثاني، سيتم اعتماد السعر الأعلى ما بين القيمة الواردة في العقود، وتلك الناتجة عن حصيلة ضرب بيان القيمة التأجيريّة بتاريخ التسجيل بثلاثين مرّة. على أن اعتماد سعر المنصّة من بعدها لتقدير قيمة العقار بالليرة، ومن ثم تقدير قيمة الرسوم الضريبيّة المتوجّبة. أما بالنسبة للعقود الموقّعة قبل منتصف تشرين الثاني، فسيتم اعتماد سعر المنصّة مقسومًا على إثنين، ما سيعفي هذه العقود من نصف الرسوم المتوجّبة مقارنة بالعقود الموقعة بعد منتصف تشرين الثاني.


ضريبة الأملاك المبنيّة

بالنسبة إلى ضريبة الأملاك المبنيّة، التي يسددها المقيمون سنويًا عن أملاكهم العقاريّة، حدد القرار 685/1 أصولاً جديدة لتقييم ثمن هذه المنشآت، والذي سيتم على أساسه احتساب الضريبة. باختصار، سيتم اعتماد قيمة توازي نصف قيمة هذه العقارات بالدولار الأميركي كما كانت قبل 18/10/2022، ومن ثم احتساب السعر بالليرة وفقًا لمنصّة صيرفة. ومرّة جديدة، ذهبت وزارة الماليّة لاعتماد نسبة حسم اعتباطيّة من قيمة جميع العقارات المبنيّة في جميع المناطق اللبنانيّة، بمعزل عن نوعها وموقعها، وبمعزل عن الاختلاف في حجم الانخفاض الحاصل في قيمة هذه العقارات.


رسم الطابع المالي النسبي

وفقًا للقرار 684/1، وبالنسبة إلى الطابع المالي النسبي الذي يفترض أن يتم تسديدها كنسبة من قيمة العقود والصكوك وسندات الدين وغيرها، على المكلفين احتساب سعر صرف المنصّة في اليوم السابق لتاريخ نشوء الحق بالرسم، إذا كانت القيمة المنصوص عنها في العقد أو السند أو الصك بالدولار الأميركي. أما إذا كانت القيمة محددة بعملة أجنبيّة أخرى، فعلى المكلف احتساب القيمة بالدولار وفقًا لمتوسّط سعر التحويل بين العملات في سوق القطع، ومن ثم احتساب القيمة بالليرة بحسب سعر المنصّة.

باختصار، ابتداءً من تاريخ موازنة العام الحالي، سيكون اللبنانيون أمام تصحيح شامل لطريقة استيفاء جميع الرسوم والضرائب التي تتأثّر بسعر الصرف المعتمد من قبل وزارة الماليّة، وهو ما سيشمل شريحة واسعة من الضرائب التي تتجاوز مفاعيلها الدولار الجمركي أو سعر الصرف المعتمد لاستيفاء الضريبة على الرواتب والأجور. وفي كل هذه الإجراءات، بدا واضحًا أن الدولة انتقلت للتسليم بمنصّة مصرف لبنان كمرجعيّة لتحديد سعر الصرف المعتمد في علاقة المكلفين ضريبيًّا بوزارة الماليّة، رغم عدم وجود سند قانوني واضح ينظّم هذه المنصّة، أو يشرّع سعر الصرف الذي تعلن عنه.

تعليقات: