قضية اللحوم الفاسدة بالضاحية: الأمر الواقع أقوى من القضاء

يزاول أصحاب الملاحم المشبوهة أعمالهم وكأن شيئاً لم يكن (مصطفى جمال الدين)
يزاول أصحاب الملاحم المشبوهة أعمالهم وكأن شيئاً لم يكن (مصطفى جمال الدين)


أثارت قضية اللحوم الفاسدة المستجدة في الضاحية الجنوبية حالة من الهلع في صفوف السكان، خصوصاً بعد مزاولة أصحاب الملاحم المشبوهة أعمالهم وكأن شيئاً لم يكن (راجع المدن). إذ تدخل محاضر ضبط المؤسسات الغذائية المخالفة في دوامة التعطيل التي تشهدها البلاد. فما تسطره البلديات ووزارتا الاقتصاد والصحة، لا يُتابع داخل القضاء. وإن كانت محاضر الوزارات تستند إلى قوة الدولة والقوى الأمنية، فإن محاضر البلديات أكثر هشاشةً. وانطلاقاً من ملف اللحوم الفاسدة الذي تابعته "المدن"، كان لا بد من استكماله لمعرفة مصير هذه المحاضر داخل أروقة المحاكم والعراقيل التي تواجهها. ولنسأل بعدها، هل الإشارة القضائية كفيلة بالسيطرة على فساد التجار المستشري ولجم جشعهم؟


مساران أساسيان

وللإشارة فقط، فإن تحرك البلديات لمداهمة تجار اللحوم الفاسدة، ناتج عن مسارين أساسيين. وهما: شكاوى سكان المنطقة للبلدية والتي قد لا يتم التعاطي معها بشكل جدي لخلفيات متعددة، وجولات المفرزة الصحية العشوائية للمنشآت الغذائية. ما يعني بأن عشرات المنشآت المتوزعة في الأحياء المكتظة بالسكان قد يتعذر مراقبتها أو اكتشاف تلوث اللحم فيها لأشهر طويلة.

وانطلاقاً مما عرضته "المدن"، فقد شرح مسؤول الإعلام في بلدية الشويفات، طارق أبو فخر، في حديثه للمدن، "أن انهيار مؤسسات الدولة اللبنانية انعكس على صلاحيات البلديات وضاعف واجباتها، فأثناء مداهمة فرق المفرزة الصحية لمنشآة معينة، تُراقب المنشأة بشكل فجائي خلال الأسبوع الأول للتأكد من استيفائها لشروط الصحة المطلوبة، ومن ثم تُراقب في فترات متباعدة تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع". ما يؤكد أن البلديات غير قادرة على متابعة مراقبة أي منشأة بشكل يومي، بسبب تواجد مئات المنشآت في نطاق المنطقة الواحدة، وضرورة مراقبتها جميعها من دون استثناء.


عراقيل محاضر الضبط

في هذا السياق، ومن خلال متابعة "المدن" لملف اللحم الفاسد في منطقة حارة حريك، تبيّن أن محضر الضبط الذي سطّر بتاريخ 8 تشرين الثاني لم يُرسل بعد (حتى تاريخ إعداد هذا التقرير) إلى القضاء المختص. وقد تم تسطير إنذار خطيّ جديد يوم الخميس 18 تشرين الثاني.

وعليه يوضح محامي بلدية حارة حريك، عباس الغول لـ"المدن"، أن المحاضر لا تُرسل بشكل يومي إلى القضاء، بل يُصار إلى تجميع حوالى 20 محضراً، ومن ثم تحويلها إلى النيابة العامة أو المحاكم المعنيّة. وفي ظل الاعتكاف القضائي فإن قرار القضاء لن يصدر قبل عدة أشهر طويلة.

وبعدها، حسب الغول، يجري تحديد غرامة مالية تقدر بـ20 مليون ليرة أو أكثر. وعليه، تقوم البلديات في الضرورات القصوى بالتواصل مع وزارة الاقتصاد أو الصحة أو محافظ جبل لبنان. وذلك في محاولة لحلحلة الأمور على وجه السرعة أمام القضاء.

ومن الناحية القانونية، ووفقاً لمحافظ جبل لبنان، القاضي محمد مكاوي، يتوجب على رؤساء البلديات مراسلته خطياً وإرسال المحاضر إلى القائمقام لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحق صاحب المنشأة.

ما يعني أن وصول المحاضر إلى القضاء قد يتطلب عدة أشهر، حسب بعض البلديات، وعدة أشهر أخرى لصدور القرار القضائي، وخلال هذه الفترة سيتعذر إقفال المنشأة بشكل تام.


صلاحيات محدودة؟

في السياق نفسه، شدّد معن الخليل، رئيس بلدية الغبيري، خلال حديثه مع "المدن"، على ضرورة إرسال المحاضر بشكل يومي للقضاء، معتبراً أن صحة المستهلك تستدعي التحرك السريع لاتخاذ الإجراءات اللازمة، مؤكداً أن القضاء هو المسؤول الأول في قرار إقفال أي منشآة بالشمع الأحمر ومحاسبة صاحبها، سيما أن صلاحية البلدية تنحصر في إقفال المنشآة بشكل جزئي، وإتلاف أطعمتها ريثما يصدر قرار القضاء بالاقفال.

مصادر "المدن" القضائية أكدت أن لا استثناءات في ظل الاعتكاف القضائي لمتابعة هذا الملف الصحي، وبالتالي يتأخر اتخاذ قرار القضاء أو إصدار التأشيرة القضائية لأشهر طويلة قد تصل إلى أكثر من عامٍ.


مسؤولية الإهمال المشتركة

إذن، لسنا بمعرض اتهام أي جهة رسميّة بالتنصل من مسؤولياتها ولا بتصويب الإهمال على بلدية واحدة دون سواها. فقضية الفساد في لبنان هي مسؤولية الجميع من دون استثناء، وتبدأ بسكان المنطقة أنفسهم العاجزين على مقاطعة أصحاب المؤسسات الغذائية الفاسدة، وتنتقل إلى مسؤولية الدولة اللبنانية بوزاراتها وبلدياتها.

علماً ان قضية اللحم الفاسد في حارة حريك ليست الوحيدة، فعشرات المنشآت بل المئات في كافة مناطق الضاحية الجنوبية دوهمت سابقاً وتُلفت الأطنان من لحومها وأقفلت لفترة محددة وعادت لمزاولة المهنة عن جديد. وبناءً على المعطيات أعلاه، فإن تعاطي الجهات المسؤولة الخجول مع هذا الملف هو الفساد بعينه، إذ لم نشهد تحركاً قضائياً في الآونة الأخيرة وحتى الساعة يقضي بإقفال أي منشأة بالشمع الأحمر، أو بمنع أي صاحب منشأة من مزاولة عمله. في حين يكتفي القضاء بتحديد غرامة لا تتعدى 500 دولار أميركي بعد أشهر طويلة. ويبقى السؤال لمَ لا يُصار إلى تحديد استثناءات قضائية لمتابعة هذه المحاضر ومحاسبة الفاعل؟ وأمام تدخل الجهات النافذة دائماً لإعادة فتح هذه المنشآت، وإعطاء الفاسد صك البراءة، من سيضمن حياة المستهلك؟

تعليقات: