إضراب القضاة: النادي يتحرك ولا حلول بالأفق

يعتبر القضاة أنهم مكرهون على الاعتكاف قسرًا (ريشار سمور)
يعتبر القضاة أنهم مكرهون على الاعتكاف قسرًا (ريشار سمور)


يدخل إضراب قضاة لبنان شهره الثاني، من دون حلول جذرية تبشر بإمكانية عودة دورة العمل لوتيرتها الطبيعية، ولو بالحد الأدنى إلى مرفق العدالة، لبت مئات الدعاوى المتراكمة وقضايا الموقوفين العالقة.

ورغم كل الأخبار المضادة التي تشيع أجواء إيجابية، وخلفيتها "تقديمات مادية" ستدفع معظم القضاة لفك إضرابهم غير المسبوق، تؤكد مصادر قضائية موثوقة لـ"المدن"، أن ما يحكى لا يعكس أجواء الحقيقة التالية: الإضراب مستمر، ولا رجوع عنه، ما لم تتحقق مطالب القضاة على أن تكون مستدامة وغير جزئية. ويقول مصدر قضائي مطلع: "القضاة هذه المرة في موقف حرج وحساس ومفصلي. والرجوع عن الإضراب يعني عدم القدرة على إعلانه بهذه الصورة مرة جديدة، ما لم تلتزم السلطات بتنفيذ مطالبهم كافة. والحديث عن شيكات بالدولار ومساعدات من صندوق التعاضد وزيادة على الراتب.. هي بمثابة إهانة للجسم القضائي الذي تتجاوز أزمته البُعد المادي، إلى ما يمس بكرامته وكيانه ووجوده واستقلاليته".

يأتي هذا، في حين تقول مصادر وزارة العدل لـ"المدن" التالي: "إن وزير العدل هنري الخوري يتفهم مطالب القضاة وأحقيتها، ويجتمع بشكل يومي مع بعض القضاة، وهو يدرك أن عملهم بهذه الظروف، ماديًا ولوجستيًا، أصبح صعبًا للغاية. لكنه يفتش عن حلول وتسويات تفك هذا الاعتكاف المؤذي لمرفق العدالة. غير أن بعض القضاة يصرون على مطالب مستحيلة أيضًا بالظروف الحالية، كاحتساب رواتبهم وفق سعر الصرف الحقيقي للدولار بالسوق السوداء".


النادي يتحرك

في هذا الوقت، يستعد نادي القضاة الذي ينتسب إليه نحو مئة قاضٍ (نحو 20% من قضاة لبنان)، لعقد مؤتمر صحافي في نادي الصحافة في بيروت الخميس عند الساعة 12 ظهرًا.

وعلمت "المدن" أن هذا المؤتمر الذي يؤيده قضاة حتى من خارج النادي، سيكون الأول من نوعه على قاعدة "القضاة إن حكوا"، وسيكون مفتوحًا لطرح الأسئلة على القضاة، الذين يؤكدون بالوقت عينه أن لا رجوع عن إضرابهم بالوقت الحالي. وتفيد معلومات "المدن" أن المؤتمر سيتناول بشفافية الواقع المادي والمعنوي والمعوقات والتحديات التي تواجهها السلطة القضائية، وعرض الحلول المأمولة بهذا الإطار، مع التطرق لأهداف وأسباب الإصرار على الإضراب المفتوح.. مع الرد على ما يصفه قضاة النادي، بحملة تضليل ممنهجة لقضيتهم والإمعان بعدم منح السلطة القضائية استقلاليتها.


تساؤلات حول العريضة؟

توازيًا، يجري الحديث أن الجمعية العمومية للقضاة التي ترعى إضرابهم، تمكنت من الحصول على توقيع أغلبية القضاة على عريضة تطالب مصرف لبنان المركزي باحتساب رواتبهم وفق سعر صرف 8 آلاف ليرة بدل 1500 ليرة، وأن هذه الخطوة كفيلة بفك الإضراب. غير أن مصادر "المدن" القضائية، وفي وزارة العدل، تؤكد أن توقيع هكذا عريضة لا يعني تنفيذ هذا المطلب بشكل مستدام في ظل المعوقات الكبيرة أمامه، والهجمة الممكنة لبقية موظفي القطاع العام.

ويقول قضاة مضربون لـ"المدن": "لقد تجاوزنا مطلب احتساب رواتبنا وفق سعر صرف 8 آلاف، ولا نراه حلًا بظل الانهيار المتمادي في لبنان، وكل اقتراح لا يدخل حيز التنفيذ، لا نتعاطى معه بجدية، نظرًا لتجاربنا المريرة مع الوعود الفارغة".

وسرت معلومات أخرى عن تقاضي القضاة مؤخرًا لشيكات بالدولار النقدي معزولة عن رواتبهم. وتستهجن مصادر قضائية ما تصفه ملاحقة القضاة على حقوقهم المادية. وتوضح مصادر أخرى قصة الشيكات الدولارية بالآتي: "بعد تحويل سلفة الخزينة إلى صندوق التعاضد بقيمة 35 مليار دولار، وهي تكفي لنحو شهرين فقط، يحق لكل قاضٍ من أصل نحو 570 قاضياً الحصول على قيمة معدلها 25 مليون ليرة إضافة إلى المنحة الأساسية (استشفائية وتعليمية) بمعدل 3 مليون ليرة. وجرى الاتفاق مع المصارف لتحويلها وفق سعر منصة صيرفة وتقاضيها بالدولار الأميركي، وستكون لمرتين فقط، وهذه المرة الأولى التي تقاضى فيها القضاة ما يتراوح بين 600 و100 دولار وكلٌ حسب درجته".


قلق من الآتي

ويترقب القضاة المضربون إقرار مشروع الموازنة العامة الأسبوع المقبل، وسط استياء شديد وشكوك بالحلول المطروحة فيها لموظفي لقطاع العامة، والحديث عن مضاعفة رواتبهم الأصلية ثلاثة أضعاف بالليرة، وهو ما سيكون موضع رفض أيضًا.

إذن، ومع بداية السنة القضائية الجديدة في لبنان مطلع هذا الأسبوع، يخيم الغموض والقلق في أروقة المحاكم وقصور العدل اللبنانية. من جهة، ومع تصاعد أزمة اكتظاظ السجون، ينظر الموقوفون والمواطنون أصحاب المصلحة بريبة شديدة لهذه الإضراب ويجدون أنه يجسد ضررًا مباشرًا لمصالحهم ويهدد مصيرهم. ويخشى كثيرون من تداعيات شعبية وتحركات بالشارع ضد إضراب القضاة ما قد يضعهم بمواجهة مع مواطنين يطالبون بحق أبنائهم بالمحاكمة العادلة. ومن جهة أخرى، دخل القضاة معركة بأفق شبه مسدود مع السلطة السياسية التي كانت تغذي لعقود نفوذ فئة واسعة منهم.

وفيما يعتبر القضاة أنهم "مكرهون على الاعتكاف قسرًا"، لا بد من التذكير بأحد المطالب الأساسية لفك الإضراب، والتي أعلنوها في بيان واضح نهاية آب الفائت، وهي: راتب حقيقي ضامن مرتبط بسعر الصرف الحقيقي للدولار. وهنا، لبّ معركة القضاة، وسائر موظفي الدولة الشاهدة على انحلالها التاريخي.

تعليقات: