الترسيم يسرّع الصفقة الحكومية: الرئاسة مؤجلة والانفجار الاجتماعي ممنوع

القوى السياسية تسعى إلى إيجاد آليات للجم الانفجار الاجتماعي (علي علوش)
القوى السياسية تسعى إلى إيجاد آليات للجم الانفجار الاجتماعي (علي علوش)


يرتفع منسوب الإيجابية بتشكيل الحكومة كما بملف ترسيم الحدود. تحوّل خطاب المسؤولين اللبنانيين من السلب إلى الإيجاب. يتحدثون عن موعد ولادة الحكومة بثقة. كذلك يعتبرون أن ملف ترسيم الحدود أصبح شبه منجز، لا سيما أن الأميركيين يمارسون أقصى أنواع الضغوط على الجانبين اللبناني والإسرائيلي لإبرام الاتفاق قبل الانتخابات الإسرائيلية. هناك مصلحة أميركية استراتيجية في ذلك، ولا يريد الأميركيون أن يتأجّل إبرام الاتفاق كي لا يعود بنيامين نتنياهو إلى السلطة، فتتغير معه كل المعطيات. وبما أن القرار متخذ بإنجاز الترسيم ما لم يطرأ أي تطور أو حدث معرقل، فلا بد من إبرامه في ظل وجود رئيس للجمهورية وحكومة أصيلة قادرة على إعداد المرسوم وإقراره.


وزارتا الطاقة والاقتصاد

هذه الوقائع هي التي فرضت تفعيل تحريك الملف الحكومي، والسعي لإنجازه، وتوفير التوافق حوله، ولو على قاعدة إعاد تشكيل الحكومة كما هي، وسعي حزب الله لإجراء مصالحة بين وزير المهجرين عصام شرف الدين ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعد الخلاف الذي حصل بينهما. وقد كان لحزب الله الدور الأبرز مع رئيس الجمهورية ميشال عون، لإقناعه بالتنازل عن اقتراح تعيين ستة وزراء سياسيين، وتوسيع الحكومة من 24 وزيراً إلى ثلاثين. في المقابل، تبقى وزارتا الطاقة والاقتصاد من حصة عون، فيما الأهم هي وزارة الطاقة التي ستكون لها علاقة بملف الترسيم ومرحلة ما بعد إنجازه، ربطاً بملفات أخرى، سواء بما يتعلق بالاستثمارات أو بخطة الكهرباء وكل ما يتعلق بهذا القطاع. بذلك ضمن عون الاحتفاظ بالوزارة الأكثر أهمية في هذه المرحلة، فيما كان ميقاتي يريد استبدال وليد فياض بوزير آخر، لكن عون اعترض وشدد على ضرورة بقاء هذه الوزارة من حصة التيار الوطني الحرّ.

المؤشرات السلبية

كل هذه الأجواء الإيجابية تترافق مع محاولات توسعتها رئاسياً، عبر البحث عن شخصية توافقية يمكن إيصالها لرئاسة الجمهورية. لكن هذا الأمر حتى الآن لا يزال متعذراً، ما يجعل الشغور الرئاسي يتقدم، على أن يبدأ الحديث الجدّي بعد الدخول فيه، فيما تستمر الاتصالات واللقاءات بين جهات داخلية وخارجية. ويبدو الأبرز فيها بهذه المرحلة، هي حركة السفير السعودي والسعي إلى توحيد أكبر قدر من النواب السنّة على موقف واحد، بشأن خوض الاستحقاق الرئاسي.

على الرغم من كل الأجواء الإيجابية التي يتم بثها، تبقى المؤشرات السلبية قائمة، خصوصاً بما يتعلق بالأزمة الاجتماعية والمعيشية، في ظل غياب أي رؤية جدية أو حقيقية لتغيير السياسات المتبعة، لا سيما أن التسوية المرحلية حكومياً أو حدودياً، لا تبدو متضمنة خطة اقتصادية إنقاذية قادرة على تحسين الظروف المعيشية. هذا كله سيؤدي إلى استمرار عملية التدهور في غالبية القطاعات. وهي ستستمر بالتزامن مع السعي لإقرار الموازنة بأرقامها الجديدة ورفع الدولار الجمركي.

لا بد من استشعار هجوم مضاد على كل التحركات المطلبية بالاستناد إلى استخدام اقتحامات المصارف، للتهويل من الدخول في فوضى أو استخدام القوة لمنع حصول أي تحركات احتجاجية، وبالتالي العودة إلى القمع العنيف. هذا لا يمكن فصله عن الإصرار على تعيين قاض رديف في قضية تفجير المرفأ، أو الاستمرار في الصراع والخلاف الذي يعيق إنجاز التشكيلات القضائية. وهو ما يؤكد أيضاً أن أي تسوية لا تبدو أنها شاملة لكل هذه الملفات، ما يبقي احتمالات الانفجار الاجتماعي قائمة. ولكن من الواضح أن القوى السياسية تسعى إلى إيجاد آليات للجم مثل هذا الانفجار أو لإجهاضه بشكل استباقي، سواء من خلال طريقة التعاطي مع قضية المصارف والخطة الأمنية التي تُبحث بشأنها، أو من خلال محاولة اختراق وتسييس أي حركة قابلة لأن تنتظم.

تعليقات: