القطاع العقاري: أسعار متهاوية والمغتربون ملوك الساحة.. الخليجيون يعرضون عقاراتهم ولا من يشتري


لا يختلف #القطاع العقاري عن بقيّة القطاعات في #لبنان، فالجمود الحاصل في البلاد وتدهور القيمة الشرائية للبنانيين، إضافة الى انسداد الأفق، عوامل فرملت عمليات الشراء والاستثمار العقاري على الرغم من تراجع الأسعار أكثر من 50%.

فالطلب على القطاع العقاري تباطأ خلال عام 2022، بعدما سدّد المطوّرون العقاريون معظم ديونهم للمصارف وتوقفوا عن قبول الشيكات كوسيلة للدفع، حيث أصبح قطاع العقارات في لبنان يعتمد بشكل شبه كامل على السداد بالدولار النقدي. في هذا السياق، فإنّ المبيعات العقارية، التي بلغت مستوى قياسياً في عام 2020 وسجلت نمواً نسبته 8% في عام 2021، سجّلت تقلصاً سنوياً نسبته 18% خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2022. توازياً، انخفض عدد عمليات البيع العقارية بنسبة 15% سنوياً في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، بعد ارتفاع نسبته 34% في عام 2021، وفق تقرير أعدّه بنك عوده عن القطاع العقاري.

ويؤكد الخبير العقاري رجا مكارم لـ"النهار" أن السوق العقارية جامدة كلياً خصوصاً أن الشارين يطلبون حسومات تناهز 65% وهو أمر لا يناسب أصحاب العقارات (الاراضي والشقق السكنية) الذين يفضّلون الاحتفاظ بها على بيعها بأبخس الأسعار حتى وإن كان الدفع بالـ"فريش دولار". ولم ينف وجود بعض عمليات البيع المحدودة خصوصاً للشقق التي تراوح أسعارها بين 200 و300 ألف دولار، أما الشارون فهم من المغتربين اللبنانيين الذي يحوّلون أموالهم الى لبنان "فريش دولار"، علماً بأن بعض أصحاب العقارات يطلبون تسديد المبالغ عبر تحويل مصرفي إلى حساب خارج لبنان. وفي ما يخصّ عقارات الخليجيين وما يحكى عن عمليات بيع كبيرة تتم في الفترة الأخيرة، أوضح مكارم أن توجّه الخليجيين لبيع عقاراتهم في لبنان ليس جديداً وهو متواصل منذ أكثر من 10 أعوام، ولكن المشكلة اليوم أنهم يعرضون ولا يجدون من يشتري بسبب الأوضاع المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.

أما من ناحية العرض، فتوقفت نسبياً عمليات تطوير المباني السكنية الجديدة منذ بداية الأزمة. كما توقف العمل في بعض المباني التي كانت قيد الإنشاء. علماً بأنّ المطوّرين الذين يسعون إلى إنهاء مشاريعهم في البناء هم تحديداً من أتمّوا عمليات البيع قبل عام 2019. كذلك ثمة تراجع في المشاريع الإنشائية في ظل الارتفاع الكبير في أسعار مواد البناء وانخفاض القدرة الشرائية لدى المطوّرين والمشترين على حدّ سواء. في هذا السياق، بلغت تسليمات الاسمنت في عام 2021 نحو 19541 طناً، بانخفاض نسبته 39% بالمقارنة مع أرقام عام 2019.

ويسعى معظم مالكي العقارات على نحو متزايد إلى بيع عقاراتهم بالدولار النقدي، ذاك أنهم سدّدوا للمصارف غالبية ديونهم بالدولار المحلي، وفق ما أشار تقرير عوده. ففي نهاية تموز 2022، بلغت محفظة التسليفات بالعملات الأجنبية زهاء 12.6 مليار دولار، مقابل 40 مليار دولار قبل اندلاع الأزمة في تشرين الأول 2019. ومع أن جميع العقارات القابلة للبيع مسعّرة حالياً بالدولار النقدي، غير أنّ المشترين بالدولار النقدي نادرون، ما يترك أثراً سلبياً على نمطية السعر. ويأتي ذلك في أعقاب خفض في أسعار العقارات بالدولار النقدي بنسبة 50% في المتوسط منذ اندلاع الأزمة في عام 2019. ويختلف خفض أسعار العقارات بين منطقة وأخرى، حيث بلغ 70% بالدولار النقدي في المناطق النائية في ظل ندرة المشترين وضعف القدرة الشرائية، بينما اقتصر الخفض في مناطق أخرى متاخمة للعاصمة على 30%. الجدير ذكره هنا أنّ العقارات الفخمة وخصوصاً في العاصمة، أظهرت مناعة أفضل بعض الشيء منذ اندلاع الأزمة حيث حافظت نسبياً على مستوى أسعارها، فيما شهدت عقارات المناطق النائية انخفاضاً أكبر في الأسعار.

ماذا عن المرحلة المقبلة؟ يشير التقرير الى أن القطاع العقاري سيظل يعكس آفاق البلاد عموماً. ففي ظل سيناريو سياسي-اقتصادي إيجابي، سيزيد الطلب على العقارات زيادة بارزة، ما سينسحب ارتفاعاً في الأسعار. ويتمحور هذا السيناريو حول تشكيل قريب لحكومة جديدة، يتبعها إجراء الانتخابات الرئاسية قبل نهاية تشرين الأول، وإبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي بالاستناد إلى الاتفاق على مستوى الخبراء الذي تم التوصل إليه في نيسان 2022. أما السيناريو الثاني فيفترض حالاً من المراوحة، وهو يتمحور حول عدم التوصّل إلى توافق بشأن التأليف الحكومي، وتأجيل الانتخابات الرئاسية، وغياب الإصلاحات، والفشل في تلبية متطلبات صندوق النقد الدولي وعدم التوصل إلى اتفاق نهائي مع الصندوق. وسيؤدي هذا السيناريو إلى تدهور لافت في العملة الوطنية في ظل عمليات خلق نقد كبيرة بالليرة، وتضخم مفرط في أسعار الاستهلاك وضغوط اقتصادية واجتماعية كبيرة على الأسر. وهذا سيُترجم فائضاً جديداً في العرض عن الطلب داخل القطاع العقاري وتراجعاً مستمراً في أسعار العقارات بالدولار النقدي.

وبما أنّ احتمال حصول حلحلة على المستوى الاقتصادي والسياسي في المدى المنظور، لا يزال أقلّ من الفرضية المعاكسة، فإن ذلك قد يفرض ضغوطاً متزايدة على المناخ الاقتصادي الداخلي عموماً ويقلّل من إمكانية الطلب داخل القطاع العقاري ويحول دون حصول الارتفاع المرجوّ في الأسعار.

أما في ما يخص آفاق القطاع العقاري بحسب المناطق، فمن المتوقع وفق التقرير أن تشهد المناطق التي تعتمد على الدخل المحلي ضغوطاً لافتة وتراجعات أكبر في الأسعار. ففي حال حصول تراجع أكبر في العملة الوطنية في ظل غياب السيناريو الإيجابي، ستضمحلّ أكثر فأكثر القدرة الشرائية بالليرة اللبنانية، ما سيولّد مبيعات عقارية أكثر في هذه المناطق من أجل تلبية الحاجات الأساسية، ويزيد الضغط أكثر على أسعار العقارات. أما بالنسبة للمناطق التي تستقطب استثمارات عقارية من قبل المغتربين اللبنانيين، فستتمتع بتموضع أفضل داخل السوق العقاري في ظل التدفق المستمر نسبياً للعملات الأجنبية من الخارج.

تعليقات: